(قصّة قصيرة مترجمة من اللغة التاميلية)
الكاتب: يس.يل.يم. حنيفة
المترجم: ميرا محي الدين
بين يدي القصة
يس.يل.يم. حنيفة، المولود في شرق سريلانكا عام 1946م، أحد كتاب القصص القصيرة في سريلانكا. كان له قصص باهرة في اللغة التاميلية، إحدى اللغات المحلية فيها. أما الكاتب فينتسب إلى المجتمع المسلم في الدولة كما أنه يعتبر كاتبا رائعا كان له مجموعة من القصص القصيرة باسم “مَكَّتُّ سَالْوَايْ” (غَبَانَةُ مَكَّة) وكذا قد نشر عدة من القصص في مختلف المجلات الأدبية.
تمّ نشر مجموعة قصصه “مَكَّتُّ سَالْوَايْ” عام 1992م مع عشر قصص تاميلية. هذه قصص غالبًا تدور حول جوانب الحياة البشرية وتوضح أحوال سريلانكا الاجتماعية والدينية والسياسية والأحوال الحربية اللعينة التي واجهتها الدولة خلال فترة حوالي ثلاثين سنة ماضية. فلا يوافق الكاتب السياسة الكاذبة كما يحارب الكذب والغشّ والمكر وقصص تصور الحياة البدوية في شرق سريلانكا. لا أرى كاتبا مثله، أظهر حياة الأقلية المسلمة فيها كما اهتمّ بالزراعة حيث تنعكس في جميع تأليفاته. ولا شك أن قصصه تقوي الأدب التاميلي الحديث.
أما هذه القصة “الخردل” فتولّدت من حوار جرى بين الكاتب وابنته الصغيرة “ماجدة” حينما ذهبا إلى قطعة أرضه الزراعية بالدراجة الهوائية حيث يحاور معها الظروف الاجتماعية عبر رؤيتها الطفولية كما أن هذه القصة تبدي الأحوال السيئة التي عاناها المجتمع الإسلامي في الفترة التي جرت الحرب الأهلية في سريلانكا. والجدير بالذكر أنها قد نُشرت في مجلة “فامس” عام 1988م.
القصة
بابا، هل تعلم القصة؟
لا يمكن المكث هنا. إذا طلع الفجر، يصبح قتال فالأخ والأخت يزعجاني كثيرا…
ثم المدرسة فهناك أيضا قتال…
فكان المدرس المولوي يضع جميع الطلاب في صف واحد ويغلق بابه… بابا، هو مدرس وحيد لمدرستنا…
المُدرِّسة شاندي انتقلت وأحرقوا بيتها. طالما كانت هي، كنا نُغنّي القصيدة ونسمع القصة…
“فراشة فراشة… تطير، انظرها… تطير، انظرها…” هي تطير كالفراشة…
كان المدرس المولوي يجيئ ويقول…
“قوموا أيها الأطفال، ارفعوا أيديكم واكتبوا هذا حتى أرجع”
ثم يذهب…
فنجعل نخوض ونلعب…
كانت العجوزات يجئن إلى مدرستنا لكتابة الرسائل العربية…
ويعطين عشرين روبية لكل رسالة…
إذا جاءت عجوة، يتردد المدرس ويثوب على الأطفال…
الآن، لست برئيسة الصفّ بل، مَغَارِي.
لولا المدرس لكانت تظن كأنها مدرسة.
ولكنها هي سوداء مني.
المدرسة شاندي هي التي جعلتني رئيسة لأنني أولى الطالبات في الفصل.
لقد غيَّر المدرس المولوي. غيّروني لأنك كلّمت عن جدّ مغاري رئيس المسجد الأول في المسرح.
كيف العمل، أشُفْتَ؟
كان لا يحضر للمدرسة منتظماً.
أهؤلاء يُعلِّمون؟
يأكل المدرسون “بيتيس” في المقصف ونحن ننظر.
لما كان العمّ فاروق يدرِّس، يعطي للجميع كوبا واحدا من بَسْكَوَيْت وهذا يعطي كوبين لرِنوسة وابنة المدرس عليار.
عند وقت الفراغ، لن أذهب إلى جانب الأخ مع بسكويت فيغصبها مني… أيجوز أكل الكبار ما أُوتي للصغار؟
مدرسنا يذهب إلى البيت مع بسكويت كل يوم.
ما هذا العمل يا بابا؟
اليوم، ليس شيئ في السوق.
أطعمت ماما الأرز مع البيضة المقلية للغداء.
بسبب حظر التجوّل.
قد تعسر بلعه.
قد سرق الأخ بيضة في الطبق.
أيجوز سرق الكبار أشياء الصغار؟
ها، إنّ تاك بقرتنا “راني” تذهب. في الصباح، حلبت ماما. ركلها “كنّنْ.
مع تقدمه في السنّ، قد ازداد كبره.
أتعلم بابا، أن دجاجتنا عارية الرقبة قد فقست؟
فراخ سوداء ومُنقَّطة وحمراء.
لا تذهب في هذا الطريق – سيجيئ الجيش الهندي.
مُشت أنا وماما في هذا الطريق. حاصرت الشرطة هذا البيت. فيه امرأة ما من الخارج. اسمها سُمِدَة.
ما زال كل واحد في قريتنا يتلفظ باسمها.
أفّ! هي فاسقة. لكنها جميلة بابا.
أوقف السيارة قليلاً. سقط الحذاء.
حسناً، نذهب…
أمس، جاء الأخ يوسف من الجامعة. هناك نُمور في الطرقات، يحملون البندقيات. بابا، كيف يكون النمور؟
لقد قبض الجيش على العمّ سبا الذي يزور بيتنا.
ضربوه ضرباً شديداً. قالته عمّة الأخ نريش. انكسرت رجله.
لماذا بابا، لم يحضر ذلك العمّ ذو اللحية والنظارة؟
لم أنَمْ طوال اليلة البارحة…
هناك أصوات البندقية. كانت كما نقوم به في أيام العيد…
طارت هليكوبتر فوق بيتنا…
لجأت أنا والأخت تحت الطاولة. والأخ فقط كان ينظر إليها مختفياً.
ماذا يحدث إذا سقطت القنابل على الرأس، لماذا هؤلاء يقاتلون؟
جاءت ابنة النجار عائشة اليوم. كانت المدرسة مملوءة بالأصوات.
ما أروع البنت…
قُرْط “تيسكو” والفستان المكسيكي والحذاء الكعبي…
ما أطيب رائحتها…
أنرسل ماما إلى الخارج؟
ما لدينا راديو أم تلفزيون.
كانت أمها سوداء قبل.
الآن، جاءت من الخارج كالمرأة البيضاء.
بيضاء كأخت صديق. قد تكبرت بأن أمها ترتدي “الفستان المكسيكي” في البيت أيضاً. لا ترتدي الوِشاح.
بابا، هل تعلم؟
أن اللصوص لم يجئ إلى بيت الزراع حسين وسرقوا جوهرات زوجته فحسب بل ذبحوا بقرة “مايل” لصاحب العربة.
تلك البقرة كانت لا تصادم. هي كبنت.
ماما لا تنام في الليل. لعلّهم يذبحون بقرتنا…
الآن، هنا نتعسر باللصوص. يجب عليك أن تشتري لي حذاء كعبيا براتب هذا الشهر. وعدتني للشهر الماضي. لكن لم تشترِ…
لا تنس أن تشتري في هذا الشهر. بابا ماذا نشتري لمرقّة الليلة؟ أنا أحبّ سمكة الأرنب. قَلْيُ نصفها لذيذ.
الأخت لا تعرف قلي السمك. ستحرُقها.
أصابت الحساسية جلدي. قد تمّ مسحوق الحرارة الشائكة. لا يعرق هكذا في بيت الأخت نونا بمَدْوَالَا. هناك برد دائم…
في الليلة البارحة، ذهب الجيش الكثير في طريقنا.
لقد عضّ جندي جديد خدّ امرة.
بابا، العمّ باوا الذي أيقظنا للصوم كل يوم، أطلق الجيش النار عليه. يا للخسارة…
قد أغلقت ماما الباب!
أنا اطّلعت عبر الشباك قائمة على طاولتك. الغبار ثائر.
كانوا يرتدون أحذية ضخمة ويحملون بندقيات على ظهورهم. هل تصدّق بابا، بأنهم يطلقون النار على الصغار؟
ماذا أفعل… لو كانت لديَّ بندقية… أنا أيضا…!