المكتبة…
شيخة الفجرية / وفاء الشامسي
إلى الدكتورة العزيزة وفاء الشامسي
تحية وبعد
أودُّ الاطمئنان عليك وعلى عائلتك في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها العالم بسبب جائحة كورونا، الذي فرض علينا البقاء الإجباري في البيوت، مما جعلنا نلتفت ونقترب من صديقة تقيم في بيوتنا، وهي المكتبة؛ التي آزرتنا في محنة كورونا.
الآن خطر ببالي سؤال، هل لا يزال مفهوم كلمة المكتبة يعني الحيز المكاني، حيث تُباع فيه الكُتب والقرطاسيات معاً؟ أم أن هذا المفهوم تطوَّر، وأصبح مواكبا للمستجدات الإلكترونية، حيث يتم تخزين الكتاب الإلكتروني أيضاً؟
كتبت إليك حول هذا الأمر، لأنك كاتبة رائعة، متعددة المواهب، لك إصدارات جميلة في أدب الطفل وأدب الناشئة، وأعلم أن للمكتبة اهتمام كبير في حياتك اليومية، كاتبة وقارئة.
أمَّا بالنسبة لي، فقد كانت أول مكتبة عرفتها، هي تلك التي قام والدي بتأسيسها لي منذ كنت في المرحلة الابتدائية، لم أكن أستطيع قراءتها بسبب عدم مقدرتي على فهمها، أتذكر ذلك الصداع المتعب الذي يصيبني ما أن فتحت إحدى تلك الكتب لقراءتها أمام والدي، كانت الكتب كبيرة الحجم والعناوين والمواضيع، كنت أراقب تزايد الكتب التي يشتريها والدي، ويطلب مني وضعها في أرفف مكتبة لا تتعدى الثلاثة أمتار، كان يشير للكتب الكبيرة ويقول لي: ستقرئينها ما أن تصلي للمرحلة الثانوية، بينما يطلب مني قراءة تلك الكتب الأخف وزناً.
يكتفي والدي بالصمت بينما أقرأ عليه ما كتب في كل كتاب، مع مرور السنين تكوّنت لدي مكتبة تضم مئات الكتب، فجأة، جاء إعصار “جونو”، الذي تعرضت له السلطنة في يونيو 2007م، لم نتعرض للإعصار مباشرة، ولكن كمية مياه الأمطار كانت كبيرة جداً لدرجة دخول ماء المطر إلى بيتنا، تبللت مكتبتي ولم أنتبه لذلك، تكوّمت الرمة حول الكتب، وأنا في غفلة عنها، إلى أن جاء يوم الصاعقة التي صدمت فيه بانقضاض العثّة على كتبي جميعها، أتذكر منها: مختار الصحاح وتحفة الأعيان للسالمي.
بكيت كثيراً قبل أن أنقل الخبر لوالدي الذي صعق حين أخبرته أن مكتبتي ذهبت في مهب “جونو”، قال لي بعدها بصوت حزين: “ما أقدر أشتري لك نفس الكتب، يمكن أشتري لك عدد بسيط”.
حزَّ في قلبي أن أتسبب بخيبة ظن والدي بي، فأنا التي لم تستطع الحفاظ على مكتبة بحجم المكتبة التي كوَّنها لي، وعدته أن تكون لدي مكتبة أكثر ضخامة من تلك التي فقدتها، بعد سنتين من تلك الحادثة، أخبرت والدي أنه بدأت بتكوين مجموعة من الكتب الإلكترونية، يصل مجموعها إلى أضعاف ما فقدت، كان يسألني عن عناوين محددة، وأخبره أنني قد حصلت عليها، بحيزٍ مكاني وسعر أقل مما كانت عليه المكتبة الأخرى.
أود أن تخبريني عن مكتبتك الخاصة، وطريقتك في التعامل معها، ما هي أولوياتك في اختيار ما يدخل إليها من جديد المعارف والعلوم؛ أنتظر رسالتك بلهفة المتشوق للمعرفة.
هذا ولك وافر التقدير
تحياتي: شيخة الفجرية
الرد
إلى العزيزة والصديقة شيخة الفجرية
تحية ودٍ خالصة، وبعد،،،
فإني تلقيتُ ببالغ الفرح رسالتك المعنونة بـ” مكتبتي في مهبّ جونو”، وآلمني المصير الذي آلت إليه تلك الكنوز الثمينة، فلا تلقِ باللوم على نفسك، خصوصًا أنك استطعتِ تجاوز الأمر والشروع بما هو أفضل، وجعلتِ إلى جانب ما تبقى في مكتبتك الورقية مكتبةً إلكترونية، ولا أعتقد أنك كنتِ ستقومين بذلك لولا تلك العثّة المعتدية.
صحيحٌ بأن الحصول على مكتبة لم يكن بالأمر الهيّن في سني عمرنا الأولى، ولكنه حلمٌ طالما سعينا لتحقيقه صديقتي، وأعتقد أننا نجحنا في نهاية المطاف.
أذكر بأني كنتُ أتسلل لمكتبة جدي – رحمه الله- وأحاول فك رموز تلك الكتب الكثيرة، والثقيلة التي كان يضعها في مكتبته الخاصة. وحين لاحظ جدي شغفي بمكتبته، أدناني منه، وكان يقرأ على مسامعي بصوته الشجي، وطلب من والدي أن يحضر لي ما يناسبني. لقد كنتُ طفلة صغيرة؛ لذلك اختار لي والدي إحضار مجلة ماجد، وبعض الأعداد القديمة من مجلة شعرية كانت تصدر في أبوظبي حيث يعمل، ومنها كوّنت الرف الأول لمكتبتي الخاصة.
وعندما التحقت بالمدرسة، كنت أقضي أوقات الفراغ في القراءة والمطالعة في المكتبة، ولم تتوانى معلمتي في المرحلة الابتدائية عن إعارتي بعض الكتب التي كانت قد أحضرتها من مصر، وهذا ما دفعني لأن اقتطع جزءًا من مصروفي اليومي، حتى إذا ما ذهبنا في رحلة مدرسية، طلبت من مشرفة الرحلة أن تأخذنا إلى مكان تُباع فيه الكتب.
أنا أحب القراءة كثيرًا، وكنت أقتصر على القراءة في مجالات محددة، ولكن الحياة علمتني أن أوسّع دائرة اهتماماتي، وأن أقرأ في كل العلوم، ولا أخفي عليك بأن هذا كان له كبير الأثر في صقل ذائقتي، وتوسيع مداركي.
إن لي يا صديقتي مكتبتي الخاصة في المنزل، وقد ملأتها بكثير من الكتب، في البداية اقتنيت أمهات الكتب والمعاجم، ثم توجّهت إلى كتب التخصص في التربية والنحو والبلاغة وغيرها من علوم اللغة، وهناك كتب التاريخ والسير والتراجم، وكتب علم النفس، ولأني شغوفة بأدب الأطفال واليافعين فإني شرعت بشراء كل ما أجده في طريقي، لأني آمنت بأن كل ما كُتب يستحق القراءة، فمن الكتب الجيدة أتعلّم وأصقل قلمي، ومن الرديء أتحاشى أن أقع في كبوة الحرف أو المعنى.
سأخبرك بأمر طريف، حاولت أن تكون لي مكتبة الكترونية، لكني لم أتأقلم معها، ولم أحببها كما أحب كتبي الورقية التي أحب ملمسها، ورائحتها، وأتعامل معها وكأنها أطفالي. وفي الوقت الذي يحين فيه موعد تنظيف الرفوف لا أحد يقوم بذلك غيري؛ لأني لا أثق بالآخرين.
في الحقيقة هناك مكتبة أخرى وضعتها في صالة الدور الأول، بالقرب من غرفة نومي، أعرّج عليها قبل النوم، وبعده، لأنني لا أتخيل أن أقضي الوقت دون كتاب، وأنت بالتأكيد تتفهمين ذلك كونك قارئة من الطراز الرفيع، وقد لمحتُ ذلك فيما تطرحينه بين فترة وأخرى في صفحتك الخاصة في (الفيس بوك).
أنا جد سعيدة لأننا نتبادل الحديث حول هذا الأمر، وأتمنى أن نكون على تواصل دائم، وكلي شوق لمعرفة جديدك في مكتبتك الالكترونية.
دمت بكل خير صديقتي.
وفاء
سلطنة عُمان