أنا والسلمي حكيمان والشاعر الأيروري
عبد الحفيظ الندوي
استلمت البارحة نسخة من ديوان شعر للكاتب الكبير موسى الأيروري الذي أرجو من الله تعالى أن يديم ظله إلى أن يرث العباقرة في قرض الشعر بديار كيرالا . وجدته أبا محظوظا قدم له ابن موهوب ولم أر طيلة حياتي ولدا أشبه بأبيه في شاعريته أكثر من هلال موسى لأبيه و لما قمت بمطالعة ديوان الوالد تيقنت أن هذا الشبل من ذاك الأسد ….
والشاعر الشيخ موسى حفظه الله عندما يكتب يكتب من القلب ولا محالة أن الذي يخرج من قلب صادق يصعد إلى القلوب المخلصة وأثبت ذلك من ديوان ” دعني وشأني” والعنوان خير شاهد أنه متفرد في عمله ولم يكتبِ الشاعر تكسبا ولا ارتزاقا وقرأت دواوين شعرية للشاعر أحمد شوقي وراجعت غرائبها على الأستاذ المرحوم محي الدين علي و درست مبادئ العروض والقوافي على الشيخ المرحوم نور الدين سي سي الأزهري و هذه الذكريات الجميلة غمرتني إذ كنت أمر بأشعار أبي هلال فوجدت فيها اختلاجات نفسية ومحاولات خيالية مقتبسا من نصوص دينية ، مُرَكِّزاً على أصول علمية ، منبها إلى هفوات عشوائية ، سارًّا لقرائه الجدد ومسايرا لزمانه المستجد الذي هو فيه ..
ولا يهمل خلفيات وما جريات العالم وقد أغنى بخياله وزوال جفاء الآخرين ويذكر أيام قرضه للأشعار منذ نعومة أظفاره وأيام إقامته في قرى وبلدات مجاورة لمسقط رأسه ..
ومن إيجابيات هذا الشاعر أنه لا ينسى ما حوله من الحوادث والوقائع السياسية مع ما يلزم من وصف الطبيعة الخلابة وأيام نضاله مع إخوانه من أجل اللغة التي عاشقها ويكتب لها أروع مخمسات هذا العقد التي وجدت فيها ما أشبعتنى بعد جوع وعطش شدیدین بعد عقدين من الزمن الذي عشته في استحسان صفي الدين الحلي و معروف الرصافي ولا يكتب الشاعر مدحا ولا مرثية إلا وله منهما حرقة في قلبه مثل ما كتب في ذكرى أحمد علي المولوي لأنه ليس مجرد تنويه بخصوص شخص وإنما كان تشجيعا لهمم معلمي اللغة العربية بكيرالا أيام نضالهم مع الحكومة
ويذكر الشاعر كل ما مر بها من مراحل نموه العقلي تطور شعره مثل قوله في ” أم فخوز” بحيث يأتي باستعارة جديدة للصرح العلمي الكبير الذي حقق لإنجاب كثير من رجال العلم ألا وهو كلية روضة العلوم التي تخرج فيها واغترف من مناهلها الفياضة
وكان كعادة شعراء زمانه يهدي للعروسين لوحات فنية رائعة ولكنه فاق نظراءه إذ قدم أروع شعر في تهنئة بمناسبة عروس إحدى طالباته و أما أشعاره التي كتبت للتقديم في المشاعرات فلا تسأل عن تفننها وتنوعها ومن أجملها ما قدم في مشاعرة بجامعة كاليكوت و اسم الكتاب مستعار من ذلك الشعر الرائع الذي لا مثيل له في أشعار بني مليبار قديما وحديثا وهو الشعر المحوري الذي يدور حوله الأشعار حوله لمتانة ألفاظه وجزالة معانيه و الآخر فيه ‘ إبليس أتى ‘ لما فيه من تشخيص واستعارة من لفظ إبليس في قوله
ولينصرف إبليس منكم ولتعد فيكم نصيحة دينكم لا تفزعوا
وبعض أشعاره موجهة إلى أحب أناس إلى الشاعر كطلابه و أبناء إخوانه وأصدقائه ويستعمل لهم ألفاظا تدل على التشفيق والمحبة وبعضها مجرد خیال يأتي فيه بالصور اللفظية التي لا يوفق الجميع للاتيان بمثلها في عصر ما بعد الحداثة من ذكريات الماضي و المراسلات الأخوية وتنويه أهل الضاد و مدح فضلاء الخلائق وتعليم أخلاقيات مع أن كلها أو جلها ملتزمة بالروي و تقنين القوافي و تفعيلات العروض وأما أناشيده فحدثوا عنها ولا حرج .. لأن معظمها قيلت في مناسبات تعطي الشاعر ضرورته للخروج من إطار الشعر رغم أنها لا تخرج من الإيقاع المهدوف في عامة أشعاره سواء قيلت للكبار والصغار وأما في أناشيد الأطفال أحسست فيه غيرته الشديدة لدينه وعقائده وتجاربه الربانية في تعليم اللغة العربية بإعطائهم بصغار العلم قبل كباره و هذا شأن الربانيين القدامى الذين ضحوا بنفسهم ونفيسهم لتوعية الصغار عن طريق استراتيجيات التدريس لتزويدهم بالمبادئ اللغوية والأخلاق الفاضلة عن طريق الآيات الكونية وتلقين القيم والمثل العليا للأجيال الجديدة وفَدتْ نفسي وما ملكت يمني لهذا الفارس صدّق فيه ظنوني بأنه أب محظوظ لابن موهوب كما أسلفت ووأيقنت أنه هو الشاعر لهذا الزمان وأنا والأستاذ السلمي والآخرون مجرد حكماء ولا نزكي على الله أحدا..