ميزان أبي

.

    اعتاد واعتدت…….

   علمني الحكمة، فلا أثور ولا يعلو صوتي؛ ولا أشكو من شيء إلى غيره؛ لكن إخوتي كانوا يثورون ولا يهدأون إلا بعد أن يكون الجيران قد عرفوا عنهم أسرارنا؛ لم يكن يصيح فيهم أو يراجعهم أو حتى يعاتبهم، ولم أكن أغضب عندما يراني فيراجعني بذنوبهم، كنت أضحك ساخراً في نفسي كلما استدعاني؛ وأظل على دهشتي منهم ومنه حتى يعاودون ويعاود، لم أكن أتذمر، كما لم أعقد في أي مرة مقارنة بيني وبينهم، ولا حتى اهتممت فسألت نفسي لماذا يُحمِّلني كل ذنوبهم؟!

   علمني أبي القناعة، فأرضى بما يضعه أمامي وقت أن تضمنا “طبلية” العشاء، لكن عيني كانت تسبقني فأردها خجلاً فأرى نصيبي كالعادة أقل من أنصبة إخوتي، كان الصمت لغتي وأنا أطيل من زمن جلوسي في مكاني، ولا أنتهي إلا بعد أن يكونوا قد أجهزوا على ما تحت أيديهم، ثم ينبرون فيمدونها ليتخطفوا مني ما تبقى من نصيبي، وكنت أنتظر أن يزعق فيهم بآية من آياته فيردهم حتى لا يجورون، لكنه لم يكن يهتم إلا بالنظر لي، فأرى في وجهه كل آيات غضبه، فأخفض رأسي، وأكبح نظري، ولا أعترض، فقط كنت أضحك في نفسي ساخراً، وأنا أقوم لأغسل يدي من أديم الطعام، وأحرص كعادتي على نظافة فمي فيظل معطراً برائحة الصابون التي تشبه رائحة الورود التي أعشقها والتي ضاق من جذورها الأصيص القديم.

   ألزمني أبي مساراً لا أحيده إلى غيره، وشدد غير مرة أن ألتزم بأمره فلا أتوه، لكن إخوتي جميعاً كانت لهم طرقهم ومساراتهم المتشعبة، كانوا يذهبون ويعودون دون أن يضلوا في أي مرة الطريق، كما كانوا قادرين على  وصل مسالكهم بدربي، لكن أبي الذي كان يزعجه إن خالفته في صغيرة من التوافه العابرة لم يراجعهم ولم يعب عليهم أفعالهم أو عصيانهم له، كنت في حيرتي منه ومنهم، فأعود لأضحك في نفسي ساخراً حتى يعاودون ويعاود وأنا أحتشد لفاصل جديد من تلك الفصول المتكررة.

   أمرني أبي ألا أنظر في أشياء غيري فأرضى بمصروفي الذي يقرره، وكان لا يتورع في مرات كثيرة من تقليله لصالح شقيق أو شقيقة، حتى وصل به الحال في بعض المرات إلى منعه تماماً، وحرماني من أجلهم، لم أكن أهتم ولم أسع إلى مراجعته أو معاتبته، فقط كنت أضحك ساخراً وأنا أنظر إلى يديه الاثنتين متسائلاً: كيف تبسط بيد وتقتر بأخرى، ولما كانت الإجابة تعييني كنت أنظر في وجهه، ثم أعود ضاحكاً بسخريتي التي اعتدتها وأنا أرى اخوتي يسرفون وهم يصرفون، وكان أبي لا يتورع في كسر حصالتي، وتوزيع مدخراتي عليهم، وكنت أعاود الضحك والسخرية وأنا أتعجب من قليلي الذي يغريهم جميعاً، فيرونه أكثر مما في أيديهم، فلا يتحرجون في الطلب أو السؤال، وكنت كعادتي أضحك في نفسي حتى نبتت بذور الحنظل دون أن يصلها ماء في أصيص الورد العتيق!

   عاش أبي كهولته وشيخوخته، ولما غزاه المرض تحججوا كلهم، فاتكأت على ما معي فلم تمتد يدي، ولم يمدوا أيديهم بالمساعدة.

   في المساءات كانوا يتحلقون حول سريره وكان لا يتأخر فيرفع يده بالدعاء لهم، بينما أنا منهمك في ترتيب فراشه، وتنظيف مرحاضه؛ وكنت أعجب أنه يذكرهم جميعاً دوني وهو يدعو ويلح في الدعاء، ولم أكن أملك إلا الضحك ساخراً، فيغادرني سقمي، وأبرأ من كل أدراني، وأعود جديداً، بينما يظلوا هم على أحوالهم!

   عندما أوصى أبي، أوصى لهم جميعاً ولم تشملني بالطبع قائمته، سرت إليه وأنا أضحك في سري ساخراً، ولما اقتربت منه وجدته مثلي يضحك ساخراً، اقتربت منه فمد يده وأمسك بيدي وشدني إليه، وأصبحت في حيرة لما وضع الأخرى فوق رأسي وانساب لسانه في الدعاء، بالرغم مني رفعت رأسي فرأيت وجهه من جديد، وددت لو أطلت النظر لكنه قطع حيرتي، وزاد من دهشتي وهو يناولني ميزاناً قديماً ضاعت كفتاه!.  

عندما سافر أبو العلاء المعري إلى بغداد وعاد!

     أبو العلاء المعري علم من أعلام العربية وآدابها؛ ولا يعرف غيرهُ قد أتى بمثل ما أتى به؛ فهو العالم الذي أحاط باللغة وجمالياتها وأسرارها وصرفها في جميع شئونه وأغراضه الفنية؛ فطوعها ووظفها أحسن توظيف شعراً ونثراً. وقد امتدت معرفته ليحيط بفلسفة اليونان؛ وحكمة كل من الهند وفارس؛ ولم يكن ذلك بالغريب عليه وهو الذي اشتهر بقوة الذاكرة وسرعة الحفظ؛ وكان في حياته أكثر من أثار الجدل والمناقشة؛ بل وما زالت سيرته وتاريخه وفنه مجالاً للجدل والمناقشة حتى اليوم؛ وفي السطور التالية نحاول التعرف عليه وأسباب رحلته إلى بغداد.

 متى ومن أين جاء؟

   في يوم قد مالت شمسه نحو المغيب ولد أبو العلاء في يوم السابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة 362 للهجرة بمدينة تقع في واد بين مرتفعات يقال لها “معرة النعمان”؛ وهي مدينة تقع بين مدينتي حلب وحماة بالشام؛ وهي كذلك مركز قضاء تابع لحلب؛ وتحتوي على كثير من المساجد منها المسجد القديم الذي يضم ضريحه. 

اسمه ولقبه وكنيته

   هو أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد التنوخي؛ وقد سماه أبوه أحمد؛ وكناه بأبي العلاء؛ والظاهر أنهم كانوا يكنون أولادهم في ذلك الوقت منذ حداثة سنهم؛ ويؤكد أبو العلاء ذلك بقوله:

من عثرة القوم أن كنوا وليدهم            

أبا فلان ولم ينسل ولا بلغا

    وهو من بيت علم ورئاسة؛ فأبوه من العلماء، وجده وجد جده كلهم تولوا قضاء المعرة.   كانت حياته كلها فواجع؛ ولعل أولها ذهاب بصره وهو ما يزال في الرابعة من عمره إثر إصابته بمرض الجدري؛ على أن ما فقده من بصر قد استعاض عنه بحدة بصيرته؛ وشدة ذكائه؛ وقوة حافظته. ولم يكن ثائراً على عماه؛ فقد سمعه الثعالبي يقول ضمن ما قال:

 ” … أنا أحمد الله على العمى؛ كما يحمده غيري على البصر؛ فقد صنع بي، وأحسن بي إذ كفاني رؤية الثقلاء والبغضاء”.

   إلا أن هذه العاهة فرضت عليه نوعاً معيناً من العلم؛ فقد ألزمته العلوم النقلية والنظرية مما تعنى به الحافظة؛ ويعتمد على المخيلة؛ كاللغة والدين والشعر ووسائلها من النحو والصرف والعروض

عصره

    لقد وجد أبو العلاء في عصر بلغت فيه الثقافة الإسلامية أعلى ذراها معتمدة على مصادرها التراثية ومستفيدة من علوم الأمم المجاورة كاليونان والهند وفارس؛ وفي هذا العصر سطت علوم اللغة والدين والفقه والتفسير والشعر والأدب والكيمياء والرياضيات …ألخ، وكانت الشيخوخة قد بدأت تتمكن من الدولة العباسية، وسرت العلة في أطرافها، وتكالب الكثيرون على المال والجاه والسلطان؛ وفي وسط هذه الظروف والأحوال تتلمذ أبو العلاء وبدأت رحلته مع العلم وكان العلم هو قضيته التي وهبها جل حياته

الطريق إلى بغداد

     في السادسة والثلاثين من عمره تقريباً شد الرحال إلى بغداد وقد فسر البعض هذه الرحلة بتفسيرات منها:

  • أن عامل أو أمير حلب عارض أبا العلاء في وقف له؛ فسار إلى بغداد متظلماً شاكياً.
  • في حين يقول ابن العديم إنه رحل لطلب العلم والاستكثار منه، والاطلاع على الكتب التي ببغداد
  • وربما يكون الرأي الأخير هو الرأي الأولى بالثقة والاحترام لأنه من ناحية أقرب إلى زهد أبي العلاء، ومن ناحية أخرى فهناك خطاب له إلى خاله “على بن سبيكة” يؤكد المعنى السابق إذ يقول: “والذي أقدمني تلك البلاد فكان دار الكتب فيها”
  • في حين يرى د. طه حسين أن حب العلم؛ وطلب الشهرة؛ وسعة العيش؛ وبغض الحياة السياسية في حلب؛ وما ألت إليه من الاختلاف والمحن والفتن؛ هي التي كونت في نفس أبي العلاء عزمه على الرحلة من بلاد الشام إلى العراق

مقر الخلافة وقلعة الثقافة

     كانت بغداد هي عاصمة الخلافة العباسية؛ ومقر الأشراف؛ وملتقى الأمم من عرب ومن عجم؛ وقبلة العلماء والأدباء والرواة؛ ومنها مجالات الأدب والمناظرة والوعظ؛ وعلى هذا فإن كل إنسان كان يهواها التماساً للعلم؛ أو الرزق؛ أو الشهرة؛ أو تقربا من الخلافة؛ وكانت ببغداد مكتبتان عامتان إحداهما “بيت الحكمة” التي أسسها هارون الرشيد وهي خزانة العلماء؛ أما الثانية فهي مكتبة سابور “سابور بن أزدشير” وزير بهاء الدولة في الكرخ سنة 381 للهجرة؛ وسميت هذه المكتبة كذلك باسم دار العلم؛ وكان عبد السلام بن الحسين البصري العالم باللغة والأدب والقرآن أمينا عليها؛ وكان صديقاً لأبي العلاء وعرض عليه ما بها من كتب؛ هذا بالإضافة إلى العديد من المكتبات الخاصة منها مكتبة ابن صاحب النعمان ومكتبة الفتح بن خاقان وغيرهما.

   وفي بغداد كان يسعى إلى دروس العلماء ومجالسهم كما يسعى الند إلى الند؛ والنظير إلى النظير؛ كما اشترك في المجامع الأدبية الخاصة والعامة فكان يحضر المجلس الفلسفي الذي كان يعقد كل يوم جمعة بدار عبد السلام البصري.

إلا المرتضى والربعي

  وفي مسجد المنصور كان الشعراء ينشدون قصائدهم؛ وكان “أبو العلاء” يحضر هذه المجالس وربما كان ينشد أشعاره فيها؛ وكان يحضر أيضاً مجلس “الشريف المرتضى” وكانت صلته بهذه الأسرة قوية إلى حد ما؛ إلا أن المرتضى كان يكرهه في حين كان هو يحمل له الود والحب، بل كان يرى فيه أشعر المحدثين، ويفضله على بشار ومن بعده كـ “أبي نواس” و”أبي تمام” إلا أن ذلك لم يغير من رأي المرتضى وموقفه منه واخذ يتتبع عيوبه، فقال “أبو العلاء” في إحدى الندوات لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قوله ” لك يا منازل في القلوب منازل” لكفاه ذلك فضلاً؛ فغضب المرتضى وأمر بإخراجه، ويقول المؤرخون ” فسحب برجله حتى أُخرج”؛ ثم قال المرتضى للحاضرين: أتدرون لم اختار الأعمى هذه القصيدة دون غيرها؟؛ قالوا لا؛ قال إنها إنما عرض بقوله:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص

فهي الشهادة لي أني كامل

     وهكذا بدأت أولى الصعوبات التي واجهت أبا العلاء في بغداد؛ على أنه لم يترك بيتاً من بيوت العلم ببغداد إلا وقصده ولا مجلساً من مجالس الأدب إلا وحضره؛ وقد أقر له البغداديون بحفظه وعلمه باللغة، كما شهدوا بأنه شاعر أصيل مبدع.

      وإذا كان أبو العلاء قد أراد أن يطيب له المقام ببغداد إلا أن الظروف لم تسعفه؛ فيذكر أنه لما قدم بغداد دخل على “علي بن عيسى الربعي” ليقرأ عليه شيئاً من النحو؛ فقال له الربعي: ليصعد الاصطبل، فخرج غاضباً ولم يعد إليه!

   ويروى أيضاً أنه دخل يوماً ما مجلس المرتضى فعثر بإنسان؛ فقال له من هذا الكلب؟؛ فرد عليه أبو العلاء بقوله: بل الكلب هو من لا يعرف أن للكلب سبعين اسماً؛ فثار المرتضى وتعقب له، ورد أبو العلاء عليه.

    ولعله بعد كل ذلك قد أصبحت حياته لا تستقيم ببغداد لأن أخلاقه لم تكن أخلاق الرجل ألاجتماعي الذي يستطيع أن يأخذ من الناس وأن يعطيهم، وإنما كان دقيق الحس، رقيق الشعور؛ سريع الثأر؛ سريع رد الفعل؛ ولعل قضيته مع الشريف المرتضى؛ ومع أبي الحسن الربعي لدليل على ذلك؛ فإذا ما أضفنا على ذلك شهرته التي نالها في بغداد والتي لم يظفر فيها إلا بالحسد من جانب أقرانه؛ لأدركنا انه لم يكن له في بغداد من مقام ولا حتى أمل في مقام!

 التفكير في العودة

     كان لإدراكه في التقشف؛ مع قلة ماله وحنينه إلى أمه في المعرة أن أخذ يصغى بملء وجدانه الجريح إلى قصيدة كان أخوه قد أرسلها له وسأله العودة ناقماً على بغداد أن اجتذبت ببريقها الخادع ذلك الماجد الأبي الكريم ومن أبيات تلك القصيدة:

أنت العروس يروق ظاهر أمرها           

وتكون شيئاً في اليقين وعاراً

شغفا بدار العلم فيك وقلبه                   

مازال رتعاً للعلوم وداراً

     إلى أي مدى كان أخوه يحس بما يقابله أبو العلاء من مصاعب وألم؛ وهكذا فقد عزم على الرحيل؛ لأنه ذلك الإنسان الذي لا يملك إلا سلاحاً واحداً مغلولاً؛ في حين كان لأعدائه أسلحة أخرى تغلب سلاحه ولا يملكها هو؛ منها المكر؛ ولؤم النفاق؛ ومرونة في الخلق والطبع؛ ويقول أبو العلاء: “وقد كنت أظن أن الأيام تسمح بالإقامة لي هناك فإذا الضاربة أحجا بعراقها؛ والخادمة أبخل بصربتها (الصربة واحدة الصرب وهي اللبن الحقين الحامض)، والعبد أشح بكراعه، والغراب أضن بتمرته!  وبدأت رحلة الإياب نفسياُ وهو ما يزال في العراق ويفكر في المعرة؛ فودع بغداد وداع محزون لفراقها؛ وحدد تاريخ عودته من بغداد باليوم والشهر والسنة فقال في رسالة إلى أخيه وسرت عن بغداد لست بقيت من شهر رمضان وذلك عام 340 للهجرة؛ بعد فترة حافلة من حياته قضاها في بغداد التي حزن كثيراً لفراقها؛ على الرغم مما ألم به فيها؛ وتقدر هذه المدة بحوالي عام وتسعة أشهر لقد ذهب إلى بغداد للاستزادة؛ فصار فيها ندا للجميع من أقرانه؛ وليس هناك من دليل على ذلك أكثر من اعتراف أهل بغداد بذلك.

وأمضى لياليه في طريق العودة يجتر الذكريات حتى بلغه نعي أمه ولم يكن قد وصل بعد؛ فكان لذلك وقعه المؤلم في نفسه المعذبة بالألم والحزن، وآب الضرير إلى بيته.

(محمد جراح كاتب وروائي وإعلامي مصري وعضو اتحاد كتاب مصر)

 المراجع

  1. د عائشة عبد الرحمن؛ أبو العلاء المعري؛ أعلام العرب؛ العدد 38 عام 1965م
  2. د طه حسين؛ تجديد ذكرى أبي العلاء؛ القاهرة 1951م
  3. د عبد المجيد دياب؛ أبو العلاء الزاهد المفتري عليه؛ القاهرة 1986

جامع المدينة التعليمية معمار عجيب

المهندس أحمد المهندي

———————————————

جامع المدينة التعليمية صليت فيه ولله الحمد ووجدت راحة وطمأنينة وهدوءا وسكينة. هذا الجامع مفروش بفرش جميل وانيق ومريح للنفس ولا تشعر بالازعاج او الضوضاء من الاصوات الخارجية وكذلك مرافقه معمولة بشكل رائع ومميز.

‏هو جامع فريد من نوعه على مستوى العالم. يقع هذا الجامع في المدينة التعليمية وما يميزه هو تلك المنارتان العجيبتان في التصميم الجذاب والجامع يعتبر جزءا من كلية الدراسات الاسلامية بجامعة حمد بن خليفة وفي تصميمه المعماري دعوة للتفكر في العلم والإيمان.

صممه المهندس المعماري والخطاط العراقي طه الهيتي. طريقة الكتابة على مأذنته بالخط العربي ولكن بشكل رأسي إلى الأعلى ليجذب نظر المشاهد إلى السماء في تأمل للعقيدة والرسالة. تدعم الجامع خمسةُ أعمدة كل منها يمثل أحد أركان الإسلام: الشهادة والصلاة والزكاة والصيام والحج.

على الرغم من أن جامع المدينة التعليمية يُعد مسجداً مجتمعياً لمنطقة الريان المحيطة به إلا أنه يجسّد التوافق بين الإسلام والحداثة ويرحّب بالمصلين بشكل عام. يتسع الجامع لاستضافة 1,800 مصل في ساحة الصلاة الرئيسية و1,000 في الفناء الخارجي. يضم جامع المدينة التعليمية في ساحاته الخارجية أربعة ينابيع تسحب المياه إلى حديقة في وسط المبنى ويمثل كل من هذه الينابيع أنهار الجنة الأربعة الواردة في القرآن الكريم: الماء والعسل واللبن والخمر.

بالقرب من الجامع توجد حديقة القرآن النباتية التي تزيّنها النباتات الوارد ذكرها في القرآن الكريم إلى جانب نباتات البيئة القطرية. ويرتكز تصميم مبنى الجامع على مفهومَي «الاستنارة» و»العلم» ويهدف إلى إحياء النموذج التراثي للمسجد الذي يجمع ما بين العبادة والمعرفة في مكان واحد.

يقدّم الجامع برامج دينية وتعليمية ومسابقات وينظّم فعاليات مجتمعية متنوعة خصوصاً في المناسبات الدينية من قبيل شهر رمضان في حين أنّه يوفّر لمرتاديه خدمات الترجمة بالإنجليزية والأوردو بالإضافة إلى لغة الإشارة في كلّ الخطب والدروس.

يقوم المبنى على خمسة أعمدة كبيرة تأتي لتمثّل أركان الإسلام الخمسة وقد كُتبت على كلّ واحدمنها آية قرآنية تدلّ على الركن المقصود. على العمود الأوّل نقرأ آية «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً». على الثاني «إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً». على الثالث «فاعلم أنّه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات». على الرابع «يا أيّها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتّقون». وعلى الخامس «خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم والله سميعٌ عليم». كذلك زُيّن المحراب بحروف من ذهب خُطَّت بها آية «فَوَلِّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره».

وتُعَدّ منارتا الجامع من أطول المنارات في المنطقة إذ يصل طول كلّ واحدة منهما إلى نحو 90 متراً وهما تشيران إلى اتّجاه الكعبة قبلة المسلمين. ذلك هو جامع المدينة التعليمية مع المنارتين العجيبتين.

حيّ الجزائر موطني

بقلم بلعربي فريدة

_______________

في حبك أهيم فخرا

ففيك أصلي ومولدي

في حبك أهيم شوقا

فأنت لي كالنبع الملهم

دمت تاجا على رأسي

وسوارا في معصمي

أدافع عنك بسلاحي

ولساني وقلمي ومكسبي

في حبك يشذو الكلام

ويطيب خاطري ومسمعي

في حبك تزهو المشاعر

ويفيض قلبي ومدمعي

فيك أفراحي ونجاحي

وأحزاني ومأتمي

بك أرتقي وأحلق وأعود

ففي ثراك مرقدي

كيف أبعد عنك؟

وأعيش في ربوع المهجرِ

وأنا أعيش فيك حرا طليقا

هنيئا كالطفل المدلل

وطني منك السلام

وإليك السلام وإليك مرجعي

الله أكبر …..الله اكبر

حيّ الجزائر موطني

تأثير الكلمة

 نهلة ناصف    

تم عقد اجتماع من قبل مديرة مدرسة النهضة من أجل تطوير المدرسة والارتقاء بطلابها فقام أحد الأساتذة بطرح فكرة تزويد الحصص المدرسية بحصة كحصة الألعاب وتسمى بحصة تعديل السلوك والارتقاء اللفظي بالكلمات نظرا لانشغال أولياء الأمور عن ذويهم وتقويم سلوكهم فيأتي هنا دور المدرسة الذي سميت التربية قبل التعليم ويعد بها من بداية الصف الأول لأن كما تعلمون التعليم في الصغر كنقش على حجر ومن خلالها نستطيع بث روح الانسانية والرحمة والخلق الذي بعث بها رسولنا الكريم،  تم الاجماع على أنها فكرة رائعة وسيتم اعتمادها حصة أساسية، دخلت أستاذة ثريا الفصل ذات الصف الأول وألقت عليهم التحية وشرعت بالحديث عن موضوع تأثيرالكلمة.

 قال الله عز وجل ( وقولو للناس حسنا ) سورة البقرة ٨٢: ٨٣

كلام الله حق فحينما يأمرنا بالقول الحسن إذآَ الموضوع مهم وسبحانه من جعل الكلمة الطيبة صدقة سأوضح لكم بطريقة بسيطة كيفية تأثير الكلمة على القلب وطلبت منهم أن يقوموا بإخراج اسكتشات الرسم وطلبت برسم شجرة فكلما أخطئ طفل كلما مسح وأعاد الرسم إلى أن تكسرت الورقة وبهتت ألوانها وأصبحت لا شكل لها ولا تصلح للرسم مرة أخرى، أخبرتهم هكذا القلوب  احذرو الكلمة فهي كفيلة أن تجعلنا ننام دون استيقاظ وإليكم بعض الكلمات المصححة الذي يجب عليكم التدرب عليها في المنزل إلى حين أن نلتقي الأسبوع القادم بإذن الله

شحات … اسمه بيسأل من فضل الله

معاق … اسمه ذوي الاحتياجات الخاصة

أخرس … اسمه أبكم

عجوز … اسمه مسن

أعمى … اسمه كفيف

مشلول  … اسمه قعيد

تتدربو جيدآَ على هذه الكلمات حتى لا تجرحوا أحدا بسوء تعبيركم وتذكروا بأن كل هين لين سهل اللسان قريب من قلوب الناس.

التفكير داخل الصندوق وخارجه

العربي لعرج (الأديب والناقد العربي)

يجمع الفلاسفة وأصحاب الرأي على أن الإنسان ليس حرا في تفكيره، فالصحيح أن الشخص كل ذات عاقلة وواعية تتحمل مسؤولية أفعالها الأخلاقية والقانونية والاجتماعية. وأن الحرية نعني بها استقلالية الذات فكرا وتصرفا، وتخلصها من معظم الإكراهات لإنجاز فعل أو الإمساك به، فإن الضرورة تجعله رهين إكراهات وحتميات لا بد وأن تحصل في ظروف معينة

دعاة التنمية البشرية.

فالتصور الحديث والمشاع من الأسئلة الجوهرية تصب من صياغة أحدثها مجموعة من دعاة التنمية البشرية وتعني أن الإنسان وجب عليه التفكير خارج الصندوق ككتاب لمؤلفه ديان ديكون ومايك فانس فصار فكرا ومرجعية متبعة. وهكذا فالإشكالية صحيحة في بعدها النظري،غير أنها لا تسلم من انتقادات تجعلها في قلب العاصفة حول الظروف التي صاغتها وكذا الخلفية الايديولوجية والفلسفية وراء استيقاظها بعد أن عرفت صراعا ونقاشا في قلب ألمانيا في بداية القرن العشرين. معارضون لهذا التصور يرونه مثالي وأفلاطوني، وولد قيصريا في مجتمع عربي هجين عصي عن التصنيف، ويجعل من الإنسان أعمى وأضل ويسبح في مجموعة من العلوم والإيديولوجيات غير المعتادة بالنسبة إليه.

فالأساس النظري لهذا التصور صحيح في شقه المعرفي والنفسي والصحي ومنه: أن يغير الإنسان وضعه، ويبتعد عن الأنظمة النمطية التي تجعله يشعر بالسأم والملل والتقزز جراء الوضع الراهن من كوارث وحروب وصراعات وجشع وطمع وأوضاع سلبية، وأن يرسم التغيير المنشود، وأن يستحدث عادة محددة نحو الإبداع، من أجل أن يأخذ حمام داخلي يستطيع به غسل أفكاره وتجعل له مساحة نفسية في جدوله الزمني والنفسي.

العصف الدهني من القواعد التي تعمل على طرح الكثير من الأفكار السلبية والأخطاء من أجل أخرى إيجابية وصحيحة إلى حد ما، تبعث الشعور بالنشوة والتحسن الشعوري للفرد. أضف الى ذلك الانشغال بالبحث وتوسيع الخيال، والتخلص من السلبية التي تعيق الفرد وتكبل طاقاته وتجنب القوى السيئة التي تكسب العادات الخبيثة. والسؤال الجوهري، ماهي خلفيات هذا المشروع الغربي وهل يستطيع النجاح داخل تربة عربية عصية وهجينة؟ تجعل من الحاجة إليه والضرورة مقياسا اعتباريا لكل رد فعل سليم.

فما هي حركة التفكير خارج الصندوق؟

فحركة التفكير خارج الصندوق: تلخيص بعد الاضطرابات في الفكر وبين الحزب البديل لأجل ألمانيا querdenken بعدالحداثة لجماعة والتي نشرت معلومات مغلوطة أو مفبركة تعمل على تقويض النظام الحاكم. وتركز على نفي الاضطرابات التي يعاني منها الفكر ما بعد الحداثة كالنفور من الهيكلة والنسبوية كأساس للتفكير، وتقبل التناقض المنطقي والوقوف ضد مبدأ القاعدة المشتركة.

تأثير الحداثة على أوروبا:

إذن فأوروبا عرفت حداثة وخلخلة في النظم والأفكار في جميع مناحي الحياة الفكرية والبنيوية وعمتها تفاصيل شتى في أسسها النظرية والتطبيقية، وتمخضت عنها فئة من الفلاسفة ونقاد الوضع السياسي والمستفيدين من الوضع القائم فانتقدوا وأصروا على أن الإنسان مستعبد داخل شبكة مفاهيمية من الايديولوجيات والسياسات ودعاة نفي النفي وتم خلالها رسم قواعد جديدة في التفكير في أمريكا وأوروبا لتجاوز التفكير الديني الروحاني واستبداله بقواعد جديدة تعالج الإحباط والاكتئاب في صفوف الكتاب والمفكرين جسدتها كتابات الشعراء رامبو واليوت الأرض الخراب، وشعراء المهجر سؤال البحث عن الذات، وروايات كويلهوا وكارسيا مركيز وهمنغواي.

كل هذه الأفكار الأوروبية تميزت خلالها بطبيعتين اثنتين كرد فعل للتفكير داخل وخارج الصندوق جسدتها أطروحتا الفلاسفة في كيفة التعامل مع الغير لتجاوز الأزمات الداخلية. تعامل داخلي انبنى على أسس فلسفية تنظر إلى الغير المحلي بأنه إنسان سام تربطني به علاقة إنسانية وجدانية وتمثلت في مؤلفات كانط نقد العقل الخالص لديكارت واعتبرت العلاقة مع الغير صداقة قائمة على الاحترام المتبادل، بعد أخلاقي لا يقوم على مصالح ومنافع معينة.

وذهب على خطه أوغستين كونت إذ اعتبر العلاقة مع الآخر مبنية على الصداقة الغيرية والغيرية هي الإيثار والدعوة لمحبة الغير. وتعامل ثان من مرجعية هيغل يرى من علاقة الإنسان مع الغير علاقة صراع حتى الموت،علاقة العبد والسيد كل ذات تسعى إلى نزع الاعتراف من الآخر.

ومنه استقى الغرب نظرته الشوفينية البرغماتية وتم تصدير الأزمات إلى الخارج بدواعي الحماية والاستعمار. وذهب مريدوهم إلى نزع الفتيل واستخدام أدوات وإجراءات فلسفية تدعو إلى فك النظر عن الأزمات الداخلية والتفكير في حلول بديلة نفسية علاجية تساعد على تغيير الفكر النمطي بأساليب منعشة تهذب الذوق السليم وتحيي الروح الداخلية.

إذن فالتفكير خارج الصندوق سليم من الناحية النظرية في بعده الصحي النفسي لكنه جرد المواطن من هويته السياسية والدينية والاجتماعية الاقتصادية. فالإنسان كائن اجتماعي كما يقول ابن خلدون ولن يعيش بمعزل عن العلاقات المتشعبة ويجمع كل المكونات والترابطات السالفة داخل منطقة جغرافية وتاريخية تجعل من الماضي والحاضر خلفيتان لبناء المستقبل ولتشكيل مجتمع حضاري ومدني يرتكز على أسس عقلية وواقعية، بعيدا عن الطوباوية والديكارتية. فلن نستطيع المسح على الطاولة وإن أكرهنا على ذلك، فالواقع أشد وأمر، فنحن لسنا أحرارا في اختيار جيناتنا ومدى صلابة تفكيرنا ولو غيرنا حقول تربيتنا أو مخيرين، فالإنسان صحيح أنه يولد صفحة بيضاء كما قال جون لوك ولكن التجربة والمحيط والنشأة الاجتماعية تزيد من خبراته وتزوده بمجموعة من المنبهات والتأثيرات التي اعتاد وسيعتاد على استعمالها وتختزن في الذاكرة والشعور، وفي حالة عدم تطبيقها سيشعر بالغثيان ويصاب بالهبل كالاسكندر المقدوني ونابوليون وهتلر الذين رغبوا في السيطرة على العالم.

كيف سيتخلص الإنسان من أفكاره الكاريزمية ويفكر خارج الصندوق الأسود؟

لقد مر العالم بمجموعة من الأزمات العالمية كالحرب العالمية الأولى1914\1918والأزمة الإقتصادية لسنة 1922|1929 وتلتها حرب عالمية ثالثة وحروب باردة تطلبت منه التعايش، وتغيير نمط التفكير.

فالآراء جد مختلفة، والواقع شيء آخر يحكمه الساسة من العقلاء والحمقى والرأسمال، ورغم ذلك فالاستقرار حلم كل فرد عاقل سوي ينشد ويؤمن بالإنسانية ونبذ الصراعات العنصرية العرقية والطبقية، ويجعل من السلم والسلام والأمن والأمان فلسفة رئيسية تنظم توجهاتنا وتربيتنا في تعاملنا مع الغير، وتطرح كل السلبيات والنفايات من التفكير القذر كالحقد والأنانية والاستحواذ والتملك الفردي والتسلط ونشر القيم الانسانية المتينة كالإيثار والصدق وحب الآخر من غير ضغوطات تجعلنا نفر من واقعنا إلى التفكير خارج الصندوق.

بمعنى آخر أن نعجز عن حل مشاكلنا الداخلية بمنطق مستبد وغير سليم يكرس العجز والتبعية والزبونية والمحسوبية والإتكالية، وفرض الأمر الواقع بشراء الذمم والمثقفين والفنانين في العالم ومعالجة هذه القتامة بالاستجداء بالغير من خارج الحدود أو بالأحرى من خارج الصدوق لا داخله.