سامحني

في لحظة يأس وأحباط وانطواء في الغرفة المظلمة؛ مع كل حتة مظلمة بداخلي من تلك الخيبات المتكررة مع بعض الاخفاقات المتتالية.

وجدت أحدهم في هيئة طيف أسود مخيف يُحدثني؛ هيا أنهي هذه الحياة البائسة، أنهي كل تلك الأزمات، جل الخلافات، المعاناة، الألم، لماذا لم تفعلها بعد؟ في يدك الحل لكي تحصل على الراحة لكنك ممتقع مكانك لا أدري هل أنت مسلوب الإرادة! لقد خلقك الله حراً كي تفعل بنفسك ما يحلو لك أنت مالكها فكيف لا يكون لك سلطان عليها؟ هل لا تعلم كيف السبيل لهذه العملية؟ دعني أخبرك بطرق مختلفة كي تفعلها لا تخف سوف أبلغك بطرق لا تجعلك تتألم إن كنت تخشى الألم.

بينما كنتُ أنصت إليه وهو يخبرني عن الطرق التي تجعلني أُؤدِّي تلك العملية الانتحارية، بدأت أفكاري تتمايل نحوه، أُحلِّل كل فكرة يطرحها. وحينما شد انتباهي إلى إحدى الطرق البسيطة، اقترب مني وأمسك بيدي كأنه يقودني نحو تدبير تلك الفعلة.

 وجدتُ طيفًا أبيض يشدّ يدي من يده، ويتشاجر معه قائلاً: دعه وشأنه، لا تنصت إليه. نعم، لقد خلقك الله حرًّا، لكن ليس لتقتل نفسك. صحيح أنك تملك زمام أمورك، ولديك حرية الاختيار، ولكن الله تعالى قد أخبرنا في كتابه العزيز. “ونفسٍ وما سواها ۞ فألهما فجورها وتقواها ۞ قد أفلح من زكاها۞ وقد خاب من داساها”

سورة الشمس الآية 7:10 المقصود هُنا أنك مسؤول مسؤولية تامة عن إفساد نفسك وإصلاحها، وليس المقصود بها جواز قتل النفس، وإنها أمانة ويجب الاعتناء بها لحين استردادها. لو أودعت عندك أمانة وأتلفتها أو تخلصت منها، فحين أعود وأسألك عنها، كيف ستجيبني وكيف ستردها إلي؟!

صراخٌ يملأ أرجاء الغرفة: “اتركوني وشأني! ما كان ينقصني إلا أنتم… كفى! لقد تعبت!” أنينٌ شديد، وألمٌ أنهكني

اقترب الطيف الأبيض وأمسك بيدي قائلاً: “اهدأ، أرجوك… فقط اهدأ، لا تُنصت له. الحياة هدية وهبنا الله إيّاها، ولا يجوز ردّ الهدايا بالجزع أو التخلّص منها، أنا أطلب منك شيئًا، فقط افعله، وستشعر بالسعادة…”

“ما هو هذا الشيء؟ لقد تعبت أخبرني به فوراً..”

“سامح نفسك، اعفو عنها”

اشتعل وجه الطيف الأسود غضباً وانصرف. بينما أنا بدأت بالإنصات له.

أنت بشر ووجدت لكي تخطئ وتتوب. الشيخ النقشبندي قال: “إن كان لا يرجوك إلا محسن فمن الذي يدعو ويرجو الآثام” وقد قال الله في كتابه الكريم “ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً” – سورة النساء الآية 110. وأخبرنا “ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون” – سورة يوسف الآية 87.

 ألم تسمع عن خطأ سيدنا نوح، وسيدنا يونس، وسيدنا يوسف، وجميع الأنبياء أخطأوا وتابوا؛ إذا خففت الحمل عن نفسك وسامحت نفسك على أخطاء الماضي سوف تستطيع أن تسامح كل من خذلك، وكل من مر في حياتك ولم يرحل قبل أن يزرع أشواكا في قلبك.

أنتحب؛ ولكنهم آذوني كثيراً وأود أن أنتقم منهم أدعو الله ليلا ونهارا أن يقتصّ منهم لما فعلوه بي.

يُهدهدني، ويقول: افعل كما فعل رسولنا الكريم ﷺ مع من آذوه من كفار قريش، حين سألوه: “ماذا أنت فاعل بنا يا رسول الله؟” فقال: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.

وحينما آذاه قوم ثقيف، بعث الله له ملك الجبال، وقال له: “إن شئتَ أُطبق عليهم الأخشبين”، لكنه ﷺ رفض، وقال: “بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا”. كان يعلم علم اليقين أنه لو دعا عليهم لأُجيبت دعوته، لكنه عفا، وسامح، وارتقى. لكن قلبي ليست بقلب النبي محمد.

لكنّك تستطيع أن تقتدي به، حتى يخفّ الحمل عن قلبك وتستطيع أن تعيش. فالقلب مثل السفينة: كلّما أثقله الحمل، أصبح مهددًا بالغرق، ولا يقوى على الصمود أمام أعتى الأمواج. الألم، الخذلان، والوجع… كلّها أعباء تُثقِل القلب، وتشدّك نحو الهاوية. اعف، اعف عن نفسك، لكي تستطيع أن تعفو عمن آذاك، اعف حتى يعفو الله عنك؛ وتذكر: العفو عن الآخرين لا يتحقق حقًا، إلا عندما تسامح نفسك أولًا، صدقني، إذا استطعت أن تغفر لنفسك تلك الأخطاء التي ارتكبتها من دون وعي، أو سابق نضج، أو معرفة، فأنت على بداية طريق الشفاء، ولو كانت لديك حينها الخبرة الكافية، لما كنت لتفعلها. لذلك أراد الله أن يعلمك إياها فأذن أن تمرّ بتلك التجربة، كي إذا واجهتك مجددًا، لا تقع في الخطأ نفسه. كي تنصح غيرك، وتقول له: “كنت مثلك، لا أعلم. لكنّ الله علّمني، ووضعني في طريقك كي لا تكرر خطئي.” وهذا من لطف الله بك ومن لطفه بي، كي يجعلني سبباً في ألا تكرر تلك الأخطاء، انظر إلى الأمر كمنحة، لا كمحنة، حينها فقط تستطيع أن تسامح الآخرين وستشعر بسلامٍ داخليّ عظيم.

 أنت وأنا وكل من يقرأ هذه الكلمات يجب أن يسامح نفسه ومن هنا تبدأ رحلة السلام الداخلي.