وشهد له شاهدون من أهلهم: العلماء الفرنسيون: أعظم الشهادات لشخصية محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم

وإن مما عرفنا وتأكد لدينا بيقين، أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، بعث رحمة لكافة الثقلين: الجن والإنس، والملائكة، وما سخر لهم من الجمادات والنباتات وسائر ما خلق على وجه الأرض. وكان خلقه القرآن، كما شهدت به عائشة أم المؤمنين حين سئلت عن خلقه صلى الله عليه وسلم. وكانت سيرته معطرة محمودة إلى الأبد، مؤثرة في القلوب، مغيرة للأفكار والنفوس، كما سمعنا من تاريخ ودرسنا من قصص، من خضعت نفوسهم وبدلوا دينهم أمام وجهه الشريف وخلقه الكريم، مع أنهم كانوا من زعماء المشركين وأشد الناس للمسلمين عدوى.

وأفضل شهادة عرفها الإنسان لخلقه صلى الله عليه وسلم هي شهادة الله له بالعظمة حين وصفه في كلامه: {إنك لعلى خلق عظيم}. ولكن من الأسف البالغ، كما يكون المدح والذم وجهين لعملة واحدة، متى كان المدح من ناحية كان الذم من ناحية أخرى. فلدينا من قديم الزمان، منذ بدأ دعوة التوحيد، من يفسد في ذلك الجسم الشريف وفي خلقه العظيم بإنتاج أكاذيب وتلفيقات وخرافات ليس لها أي أصل ولا أساس. وصفوفهم تمتد من أبي لهب الذي تبه في أول دعوة قام بها، إلى آخر المستشرقين الذين يستمرون في بذل جهدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالته الإسلامية. وأيضا لا أنكر الكتاب والمؤلفين غير المسلمين الذين قاموا برأي عادل منصف بعد إدراك الحق والفهم العميق، حيث وصفوا الرسول بما فيه من أخلاق سنية بلا زيادة ولا نقصان. حتى منهم من قبل الحق ودخل في الإسلام داعيا ومناديا بعد انقضاء شطر أول حياتهم في شتم الرسول ووضعه في قفص الاتهام.

وفي هذه المقالة، يحاول الكاتب على تسليط الضوء على أقوال علماء الفرنسيين المستشرقين غير المسلمين المعترفين في كل أرجاء الغرب والشرق، عن حياة رسول الله وشخصيته التي أثرت في قلوبهم حتى دفعت بعضهم إلى قبول الإسلام والقيام داعيين ومنادين إلى التوحيد.

نحن في عصر قليل فيه من لا يشتكي، ومن لا يتحدث أو يشارك في مناقشة أو كلام عن محمد صلى الله عليه وسلم، مسلما كان أو كافرا. ولكن أكثر ما نسمع فيه من سلبيات ملفقة بعين الحسد والحقد، واتهامات تتهم بعين الغضب والإحن، خاصة من مستشرقي أوروبا المتعصبين على قلوبهم في هدم الإسلام ودحض رسوله صورة وسيرة. كم نسمع ونقرأ يوميا أخبارا تبشع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقلامهم وأقوالهم وأفعالهم، أكثرهم متعصبون في أقلامهم، متطرفون في دينهم، خلطوا السم بالدس والقطن بالبرسيم عند توصيفهم وتعريفهم على النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن من المبقي للآمال والرجاء، أن هناك بعض الكتاب والمؤلفين المنصفين في الكتابة والتعريف بلا أي ميل إلى يمين ولا شمال، ولا زيادة ولا نقصان، كتبوا وأدوا عملهم قائمين على الحق والصدق، ناظرين بعمق الفحص والبحث، أيا كان دينهم وأيا كان رجال الذين يبحثون عنه.

جوستاف لوبون: “محمد بعد الهجرة”

أنقهوا وتنبهوا أيها الحاسدون في خلقه وخلقه، والتفتوا إلى الحقائق وانكصوا مما قلتم فيه، ولمن وصف الرسول صلى الله عليه وسلم جبارا غليظ الجبين فظا هروبا، ولمن صوره ورسمه مقاتلا دمويا، أن يسمع ويلتفت إلى ما قاله جوستاف لوبون (1841-1931)، أحد أشهر فلاسفة العصر، طبيب ومؤرخ فرنسي عمل في أوروبا وآسيا وشمال إفريقيا، وكاتب مشهور في علم الآثار وعلم الأنثروبولوجيا. إنه بحث وفحص حياة محمد صلى الله عليه وسلم تحقيقا موضوعيا بلا ميل إلى يمين ولا شمال ولا تعصب، حيث كان مسيحيا. وبعد ألف كتابه المشهور “حضارة العرب”، وفيه شمل بابا عن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم مسمى “محمد بعد الهجرة”، حتى بعد نشره تلقى هذا الباب شهرة أكثر مما حصلت عليه الكتاب بأسه. وبعد تحقيقه وتفحصه لحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تأثر قلبه بها تأثيرا عميقا حتى أعترف بها وجهر بها في كتابه، حين قال ردا على من يصفه ويتهمه بحب القتال الدموي: “إن محمدا كان يتجلى برباطة جأش عند الشدائد وبالاعتدال عند النصر، وهذه الصفات لا تستوفى إلا في قائد عظيم بعيد عن العشوة وخلق الانتقام”.

وأيضا رد على من يصوره جبارا هاربا لا يشارك في الحرب بل يجبر أصحابه، بقوله: “كان محمد مقاتلا حذقا لا يهرب أمام المخاطر ولا يلقى بنفسه إلى التهلكة، وكان يعلم أصحابه الشجاعة والإقدام”. وأيضا مدح لوبون حكمته في وضع حجر الأسود عند اختلاف العرب وسائر القبائل حين تجديد بناء الكعبة، فقام محمد صلى الله عليه وسلم بحل سديد في تحليل قضية حجر الأسود. وقد امتدح أيضا وحدة أمة العربية حيث قال: “جمع محمد قبل وفاته كلمة العرب وخلق منهم أمة واحدة خاضعة لدين واحد مطيعة لزعيم واحد، وفي هذه إنجازات كبرى لم تتحقق في ديانتي اليهودية والنصرانية اللتين سبقتا الإسلام”. وقد رد لوبون ردا شديدا سديدا في كتابه على رأي تيودور نولدك في كتابه تاريخ العرب عن ظاهرة الوحي، حيث قال: “إن ظاهرة الوحي ليست بحق، بل هي خرافات لفقهها محمد ونشرها بين أصحابه”.

وما أعترف به وسجله لوبون في كتابه هو شهادة كبرى لصدق الرسول وما ادعى به وأتاه، مع أنه ليس بمسلم بل هو مسيحي أنصف وعدل في قراءته وكتابه حتى أدرك الحق واعترف به. ومن أعظم ما قاله لوبون في صفة النبي التي لا بد من تسجيلها في صفحات التاريخ بحروف الذهب ونقشها: “إذا قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم، كان محمد من أعظم من عرفه التاريخ”. وأيضا قال موصفا معاملة النبي مع قريش: “عامل محمد قريشا الذين ظلوا أعداء له عشرة سنين بلطف وحلم، وأنقذهم من ثورة أصحابه على ما مروا به من مشقة، مكتفيا بمسح سور الكعبة وتطهيرها من الأصنام التي أمر بإسقاطها على وجوهها وطهرها”.

ألفونس دي لامارتين: في تعريف النبي صلى الله عليه وسلم

لامارتين الشاعر الفرنسي العالم الشهير، أحد كبار مؤيدي الثورة الفرنسية وأحد النبلاء الفرنسيين، إنه درس عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبحث موضوعيا وكتب كتابا مسمى تاريخ التركية، وفيه شمل فصلا عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد نظر إليه بعين العدل والإنصاف بلا تعصب ولا ميل، مع أنه مسيحي الدين، ولم يعامله كما يعامله أكثر كتاب المستشرقين. وأنا أضيف هنا قوله المشهور الذي قاله في رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من ذا الذي يجريء من ناحية البشرية على تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد، وهو الرجل الذي أظهر أعظم منه عند النظر إلى جميع المقاييس التي تقاس بها عظمة الإنسان”. وأيضا قال مخاطبا قومه: “أترون محمدا صاحب خداع وتدليس وصاحب الأباطيل؟ أقول لا، بعد علمنا بالتاريخ وفحصنا لسيرته، وأن الخداع والتدليس والباطل والإفك وكل تلك الصفات هي التي ألصقت بمن وصف محمدا بها”.

وأيضا قال لامارتين ردا على من يصفه صاحب إمبراطورية عاشق للظلم والعنف، بقوله: “لم يطمع محمد إلى تكوين إمبراطورية، حتى بعد ما حصل على فرص زاخرة من فتحات ونصر، بل قام بالدعوة الخالصة إلى الدين بلا إكراه كما أمر به القرآن حيث {لا إكراه في الدين}”. وأيضا سجل في كتابه أنه يتهم العلماء عليه اتهامات لأنه صاحب دين باطل وأفكار مزيقة، وأنا أيضا كنت منهم، ولكن بعد ما نظرت وبحثت في سيرته، أدركت عنه أنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات وعلى كل ما ينتهاك قيم الإنسانية. فأي شهادة أو حجة يحتاج المستشرقون لتصديق النبي وسيرته أقوى من شهادة بعض المعترفين بينهم من قومهم؟ في الحقيقة، إنما لم يعترفوا به بسبب عنادهم وكرههم له، بل جعل الله في قلوبهم مرضا وفي آذانهم وقرا.

سيديو لويس: في وصف النبي صلى الله عليه وسلم

سيديو لويس (1808-1875)، مؤرخ ومستشرق فرنسي، وهو الابن الثاني لجان جاك إيمانويل سيديو، اهتم بدراسة التراث الشرقي، وقد طار صيته على مستوى العالم بكتابه المشهور خلاصة تاريخ العرب. وقد لخص عن محمد صلى الله عليه وسلم بقوله بعد تحقيق وتفحص عنه في كتابه: “لم يأت محمد بدين خاص بالعرب كما يتهمه به بعض المستشرقين، ولكن في الحقيقة هو دين إلهي لكافة الثقلين، ليس لجزيرة العرب فقط، كما أخطأوا بسبب أنه نزل بالعرب”. هذه هي شهادة كبرى ورد هائل لمن قام بالتلفيقات ضد محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه أحد المستشرقين المعترفين بينهم بالإنصاف والعدل.

ما قاله هليار بلوك: في محمد صلى الله عليه وسلم

هليار بلوك، مستشرق فرنسي وكاتب وأحد النبلاء المشهورين، حيث بحث ودرس عن العرب وحضارتهم وعن حياة الرسول، وأعلن بعد إدراك الحق أنه لم يخرج العرب للسلب والنهب وإنما خرجوا لنشر دين محمد ونشر المثل العليا. هذه الأقوال أصبحت مثيرة للجدل ومتداولة بكثرة، لأنه شهد بها وهو مسيحي معترف على مستوى العالم. وأيضا في كتابه محمد والقرآن، إن انتشار رسالة الإسلام معجزة حملت للإنسانية الخير والعطاء.

لويس شارل أنطوان دوزيه : في محمد صلى الله عليه وسلم

لويس شارل أنطوان دوزيه (1768-1800)، مستشرق فرنسي وكان جنرالا وبطلا قوميا. وما قاله دوزيه بعد تخصص وتمحيص في سيرة النبي: “قام محمد بإصلاح العباد وتهذيبهم عن الفساد وإرشادهم إلى الدين الصحيح”، أصبح رعدا وبرقا على من وصفه بالفساد وتخريب الأديان والأفكار، لأنه لا وجه لمسبين لمخالفته لسبب أنه منهم بل هو معترف بينهم.

إميل درغيم: في محمد صلى الله عليه وسلم

إميل درغيم (1858-1917)، مستشرق فرنسي وشخصية مشهورة في علم الاجتماع. حيث شهد ومدح حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “كان محمد حليما رفيقا رقيق القلب”. من هذه الشهادة يتبين كالشمس البازغة في رابعة النهار أنه لا يمكن لأحد أن يستر الحق إلى الأبد، بل إنه سيخرج إلى النور ويخيم بكل أطيافه فوق كل الأكاذيب والأباطيل. وأيضا شهد درغيم برحمته صلى الله عليه وسلم.

جول لايوم: في محمد صلى الله عليه وسلم

وما قاله وشهد به المستشرق الفرنسي جول لايوم (1806-1876)، صاحب كتاب تفصيل آيات القرآن الكريم (كتاب ألفه باللغة الفرنسية وترجمه محمد فؤاد عبد الباقي إلى العربية): “خلص محمد الأمم من تحجرها ورفعها إلى سبيل الرقي والعمران”، كان ضربا صارما وهبة شديدة لمن زعم أن الإسلام دين القرن السادس ليس فيه تجديد ولا تحديث بل القدم والقديم فقط.

محمد الرسول صلى الله عليه وسلم صفحة مفتوحة أمام القراء، السطور فيها يقرأ ويفهم على حسب قصد القارئ ووجهته. فمن سلم قصده لوجد الحق واستسلم، ومن فسد غرضه لكتم الحق وأنكره. وما سجلت أمامكم من اقتباسات للعلماء المنصفين القائمين للحق، هي شهادات انبثقت من شغف القلوب تعكس صدق صاحبها وتخرج الحقائق المسطورة وراء مظهر الأكاذيب. كما قال الشاعر: قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد، وينكر الفم طعم الماء من سقم، ضوء شخصية محمد صلى الله عليه وسلم أمام المنكرين لعظمته والحاسدين في رفعته قريب المكان لكن بعيد المنال. سيستضيء نوره فوق كل الأنوار، لأن نوره من نور الله جل وعلا.