الحاج واريان كونات كونج أحمد: الرجل الحديدي لولاية كيرلا
محمد ارشاد ( الجامعة الإسلامية بشانتابورام، كيرالا)
كلما جاب المستعمرون بلادا ارتفعت الفتن والفساد في جميع الأصقاع التي رست سفن أساطيل المحتلين، وأزاحوا أمن المواطنين أينما نزلوا، ونهبوا أموالهم، وسلبوا شرفهم، وسطوا على معايشهم، وحرّش المحتلون الغزاة بين المجتمعات التي كانت تعيش مئات السنين بمشاعر من الود والمحبة والوئام، وزرعوا في قلوبهم فتنة التفرقة الدينية وفكرة التعصب الطائفي. فعاش الناس تحت سلطتهم مستضعفين ومضطهدين. بينما اشتدت أعمالهم الشنيعة القبيحة فكّر المواطنون عن الانفكاك من ظلمهم ورغبوا في استقلال بلادهم من أيدي المستعمرين، وانتهجوا سبلا لمجابهة أعدائهم، ومن أهمها مقاومة الملباريين ضد الإمبراطورية البريطانية في عام 1921 تحت قيادة الشهيد الحاج واريان كونات، ولا نخط تلك الأيام والذكريات إلا بماء الذهب وسيبقى اسم هذا الأمير جزءا لا ينفك عن تاريخ صراع الملابار في سبيل تحرير البلاد.
أبصر الشهيد الحاج واريان كونات النور عام 1866في قرية نيلي كوت القريبة من منجيري في مقاطعة ملابرم، وهو سليل الحاج محي الدين كوتي الذي ناهد عدوه الإمبراطورية البريطانية بكل شدة، وما استكان أمامهم ولا استسلم طول حياته حتى رحل إلى جوار الله تعالى. ووالدته كونجي عائشة التي ربّت أبناءها تربية دينية وأشعلت في نفوسهم شهاب الجهاد ونار النضال، وعوَّدَتْهم زيارة مقبرة الشهداء واستماع غناء ملحمي لغزوة بدر وغناء ملحمي لحرب مالابرم، وهذا شجّعه على الانتقام على أفعال المستعمرين. وكانت أسرة أحمد مشهورة بالتضحية نفوسهم لتحرير البلاد، وعائلته لها باع طويل في ساحة القتال حتى استشهد بعض منهم في سبيل الجهاد وطُردوا إلى أماكن بعيدة،كان أحمد تقيا لله تعالى في سره وعلانيته، وعادلا في حكمه، ومجالدا لأعدائه، مما استحق به بجدارة للقب ’الرجل الحديدي‘ نظرا إلى شجاعته ومغاورته. تعلّم أحمد من كونجي كمّو مولاّ العلوم الدينية الابتدائية ثم التحق بمدرسة المسجد الجامع ولّونكاد وتلمذ على علي مسليار. أثّرت مصاحبة علي مسليار في نقاوة قلبه وصفائه وإرشاده إلى درب الحق والصواب، ومكّنت ملكته في القراءة وقدرته على الكتابة في اللغة المليالمية وهي اللغة أمّه والانجليزية والعربية، وسياحته إلى بلدان مختلفة من توسيع آفاقه العلمية في فنون متنوعة، ورحلته للحج وحياته في مكة المكرمة أثّرت في علمه وفكره، واحتكاكه مع العلماء من أنحاء العالم أظهر له أفكارا جديدة ونقّى آراءه من الرطب والثمين.
نشأ أحمد شاهدا لفضائح أعمال المستعمرين على أراضيه وأعراض أهله، واستغل الإقطاعيون الفلاحين المتخلفين مع البريطانيين بزيادة الضرائب والاعتداء على أراضيهم وتعيينهم في الأعمال الشاقة دون شفقة، هكذا يطول ظلمهم حتى يكل لسان على ذكر جميعها. وفي عام 1920 أوغسطس 18 قدم مهاتما غاندي ومولانا شوكة علي إلى كالكوت من أجل ترويج حركة الخلافة والمؤتمر الوطني الهندي وترسيخ التضامن بين المسلمين والهندوسين. شارك الحاج واريان كونات معهم وانضم في حركتهم حتى صار داعية إلى حركة اللاعنف والعصيان المدني، ولكن فهم الحاج واريان كونات أن خطوات غاندي لا تضر بأعدائهم بل تزيد الطين بلة. وكانت هذه الأوقات صاخبة بالأحداث الجسام حيث عذّب البريطانيون المساكين عذابا شديدا، واعتدوا عليهم كل الاعتداء حتى تجرؤوا على اعتقال زعيم الخلافة علي مسليار. ومن هنا ثارت الثورة غضبا على فظائع تصرفات المعتدين ودار رحى الحرب بينهم. تخلف واريان كونات من حركة الخلافة آنذلك، وجمع الناس وخاطبهم عن حاجة الجهاد وتحرير البلاد، وانضم الفلاحون والمتخلفون وكل من عاشوا عيشة رديئة تحت قيود المستعمرين، وأثر كلام الحاج واريام كونات المصقع في قلوب آلاف من الناس، عزموا أن يوقفوا البريطانيين في حدهم، واحتشد المسلمون والهندوس أن يقاتلوا ضد المعاندين وانخرط كثير من الناسفي جيشه الذي واجه العدو وأبلوا بلاء شديدا وجعلوا الحاج واريان كونات قائدا لهم وأصبح كمثل النجم الذي يسري به الساري. ترأس متقاعدون من الأعمال العسكرية لتدريب الجنودية الذين احتشدوا في صفوفه على استعمال الأسلحة العسكرية، وقد أقض على البريطانيين مضجعهم التحام المواطنين وشرّد نوم الإقطاعيين قلقا.حاول الحاج أن يجمع الهندوس تحت مظلته لتقوية جيشه عددا وقوة، وكان أول خطوة الجيش هجوم مركز الشرطة قصدا على اقتناء أسلحة حديثة كالبندقية والخناجر، ولما اضطرمت نار الحرب تأبّق الجيش البريطاني من عيون المناضلين وانسحبوا من ميدان الحرب ولاذوا إلى ملاجئهم خوفا من المقاتلين. أسس الحاج واريان كونات دولة تسمى ’الحكم الموازي‘ بعد الاصطدام بالبريطانين ومناوشات كثيرة، وكان عمره آنذلك خمسة وخمسين تقريبا، وصار واريان كونات زعيما لهم وتولى السلطة من المستعمرين وتولى لجام الحكومة حتى يمتد حكمه إلى ستة أشهر، وكل العجب أنه استولى على البريطانيين عندما تسلطوا على ربع العالم، حتى اتصف الصحافي البريطاني بذلك كأنه غربت شمس الإمبروطورية في مالابار وافتقد عرش سلطتهم فيها.
عاش الناس خلال هذه الفترة عيشة راضية وحياة طيبة، مبعدين عن آلام العذاب والأوجاع، وكسبوا معايشهم بدون الغش، وتملكوا الدار ليمكثوا بها والأرض ليزرعوا فيها، واضطر المحاربون المواطنون في ساحة الحرب أن يقاتل مع ثلاث طوائف من البريطانية والإقاطعيين من المسلمين والهندوسين كل من يؤثرون المال والمصالح الشخصية على الوطن وحريته. خلال الحرب نشروا أكاذيب وافتراءات عارية من الحجج. ومن خطيرتها: وقد أشاعوا أن الحاج واريام كونان يجبر الهندوسيين على اعتناق الإسلام ويكرههم على تبديل دينهم ويحاول لبناء دولة الإسلام ويقود حملة قتل الهندوسيين، وكانت نتيجتها أن انتشرت الأكاذيب والإفتراءات التي لا أساس لها من الحق. والحقيقة أنه كان ضد إجبار الهندوسين على اعتناق الإسلام وكان يعاقب كل من يثير الفوضى في المجتمع والتفرقة بين الديانتين، ووضع حد قطع اليد لمن يسرق أموال الهندوسين وتعذيابات شديدة على من يهتك حرمة الأديان وأعراض النساء.
وكان المعسكر البريطاني يتحين الفرصة للقضاء على الجيوش المحاربين ويسعى على قتلهم وعلى رأسهم هيج كوك، ونصبوا الأفخاخ في كل البقعات من أجل الوصول إلى هدفهم، وفي عام 1992 يناير 6 قبضت الشرطة البريطانية بطلنا الحاج واريام كونان بالخيانة، وربطته بالسلاسل، وجرتّه مقيدا عبر الطريق. وفي عام1922 يانير 20 الساعة العاشر صباحا أطلقت عليه ومن معه الرصاص بعد حسابهم في المحكمة البريطانية، وأحرقوا جثته مع الوثائق والبيانت ليمحوا آثار حياته وحركاته من وجه الأرض. واستقبل الحاج واريام كونان الشهادة بكل سعادة وطمأنينة. وكان كلمته الأخيرة التي اسفرت لنا عن صموده وعزته: ’نحن نتمنى أن يكون موتنا بالعزة، سمعت أنكم تنفذون حكم الإعدام بستر العيون وإطلاق النار من الخلف، وآخر أمنيتي أن تطلقوا النار على صدري من الأمام دون ستر عيوني‘.