ظلال على جدار الروح

يلف الصمت أبعادي ظلاما
ويزرع في مسافاتي سهاما

وتحملني هبوب الريح ذكرى
وتسكب في مآقيّ الهلاما

تواجهني المرايا بانكساري
فأفتقد الأماكن والمقاما

وأطرق صامتا، والصمت جرح
كسابق عهده كان الختاما

أأهرب من يديّ لكي أراها
تشيّد حول خطواتي الخياما؟

وأرجع للبدايات اضطرارا
كمن فرضوا على الرفض التزاما

أنا الوجع الذي يمتد سرّا
كجذر يشتهي الموت الزؤاما

أنا الطفل الذي ضلّت خطاه
فألفى العمر منفًى واصطداما

يصادق ظلّه في كل درب
ويحسب صمته العالي اهتماما

أنا الصوت الذي قد جف لحنا
كصخر بات ينشق انقساما

تكسّر في حناجر مغلَقاتٍ
فما أفضى إلى الدنيا كلاما

أنا النهر الذي تاهت خطاه
فأهدى للصحارى الاغتراما

أخبئ في التجاعيد انهزامي
كمن قد دسّ في ثلج ضراما

وأكتب فوق جدران التجلي
حروفا لا ترى فيها انسجاما

فإن ضحكت شِفاهي دون قصد
يسحّ الدمع شلّالا مداما

فتبصرني العيون ولا تراني
سوى طيف يزيد بها القتاما

أنا المنفي سرت إلى بلادٍ
أقاسم شعبها خبزا حراما

شوارعها تراقبني اشتباها
وترمقني بعينيها اتهاما

أنا الجرح المقيّد في كياني
حصان قد أعدّوا له لجاما

إذا حرّكت أطرافي قليلا
أحسّ القيد يزداد اضطراما

أنا الشوق الذي أضحى رمادا
وكل ملامحي أضحت رُكاما

أرى في اليقظة الأحلام وهما
وكل مطامحي أمسَت مناما

وأهرب من منامي نحو صحوٍ
فألقى الصحو أغلالا عظاما

أسافر في الخراب كأن ظلي
تجسد من رماد لا عظاما

وأسأل كل بابٍ عن مفازٍ
فيغلق دون تنهيدي اعتصاما

أنا الناي الذي قد شاخ يوما
فأخفى عن كواهله السقاما

تهاوى في ثقوب الصمت لحنا
وصار أنينه العالي اتهاما

أنا المفتاح ضاع بغير بابٍ
أنا المهد الذي أمسى حطاما

أنا المشنوق من حبل التمني
يرى في كل تنهيدٍ حماما

أنا العطر المسافر في رياحٍ
يفتش عن دوارقه هياما

فلا قلب يضم شذاه يوما
ولا أفق يحدده ختاما

أنا العطشان في صحراء روحي
أقايض ماء أيامي سلاما

وما نلت السلام أو ارتواءً
فزدت به على ظمئي أواما

أنا الصوت الغريب بأرض تيهٍ
ينادي: من لهذا النبض رامَا؟

فلا يأتيه غير صدى شحوبٍ
على أشلاء ذات الصوت حاما

سكنت الصمت حتى صار بيتي
فأورثني على صمتي وساما

أنا الجرح العميق بلا ضمادٍ
تعايش لم يعد يرجو التئاما

أنا المطر الخجول أتى لأرضٍ
يواسي الجرح شحّا مستداما

يبلل وجهها الدامي ويمضي
فيوقظ من بهذا الكون ناما

عسى يأتي الربيع بعيد لأيٍّ
فتزهر كل أزهار الخزامى

رثاء السيد محمد علي شهاب 

يا عين جودي بالدموع وسلمى 

روح الامام النور فينا الراحلا

وا حُزنَ قلبي إذ غدا من دونِهِ

دربُ الهُدى متزلزلًا ومُضْحِلَا

قد كانَ فينا كالسحابِ إذا أتى

يروي القلوبَ ويُنعشُ الآمالَا

حَفِظَ الشريعةَ، واستقامَ على الهدى

ما مَالَ يومًا، أو أرادَ مَزالَا

يا مَن سقى الناسَ المحبةَ والتقى

وغدا لأهلِ الحقِّ حصنًا عالِيَا

قد كنتَ صَمتًا حين ينطقُ جاهلٌ

لكنْ كلامُك كانَ ضوءًا جَالِيَا

ما كنتَ إلا رحمةً تمشي على

أرضِ التواضعِ، لا تَزِلُّ مِقالَا

علّمتنا أن السلامَ عقيدةٌ

وأنّ صدقَ القولِ خيرُ مجالَا

رحلتَ عنا، يا شهابُ، فهل لنا

من بعد نورِك مرشدٌ أو والِيَا؟

فالناسُ تبكي، والمدارسُ أُقفِلَتْ

والعلمُ صارَ ينوحُ في أوصالِهَا

والمنبرُ المكسوُّ بالحرفِ الندي

ما عادَ يسمعُ صوتَك المِرسالَا

أبقيت فينا المكارم كلها

ما مات من منح الوفا اجيالا

يا سيدي، نمْ في القبورِ مكرَّمًا

فدعاؤُنا لكَ يملأُ الآصالَا

كتابة إلى الله

يا ربّ، ماذا حلّ بالكون؟

قد صار الهلاك يقرع الأبوابْ

أنُزّل العذاب، يا ربّ السما؟

أم شمسُنا تطلع من المحراب؟

إسرائيل وإيران يعدّان

لحروبِ دَمارٍ… ولا مَنابْ

ونحن نُجلى من أوطاننا

كأنّ البلاد غدت سرابْ

وقد أُخرجنا من أرضنا ظلما،

ونحن بأحلام الرجوعِ غرابْ

والحاكم الظالم لا يرحم،

بل زاد في الظلم والعذابْ

فأنجدْنا، يا ربّ الأكوان،

وامسحْ جراح القلب بالجوابْ

وانصر عبادك من مِحن الدهر،

فأنت العليم، وأنت المُهابْ

…………….

هو سيد الكونين

 دعني أغني نور مجد والعلى

بجوار عرش الله من قبل الجلاَ

فإذا أردتَ لكي تصوغ قصيدة

عن وصفه فدع اللسان مهللاَ

رجل تقمص بالصفاء وقيمة

دينية في عصر ذي غير الوَلاَ

رجل تسمى بالأمين في الصبا

بلسان وحشي الجهالة والوُلاَ

رجل تشجع بانتقام تبسم

لعدوه فاصنع بما له فاعلاَ

رجل عريق طيب أخلاقه

سيماءه تقوى الوكالة كاملاَ

تفاعلي يا غار ثور تارةً

عن سيدي سندي غدًا متفاعلاَ

يا نخلة الطائف قومي وارقصي

رقص السعيد تمايلاً وتدللاَ

يا عاصف التاريخ قف لي وأتني

نحيي صحيف العرب حينًا مقبلاَ

لا تفخري مدن الكبائر فاندمي

إنهما عليا عليكم نائلاَ

النائلان يسميان بمكة

ومدينة وجدا الأثور الأفضلاَ

ها لك تحتاج الصحيفة مدحه

فاقبض لديك الحبل والسلاسلاَ

رجل ينزل رحمة للعالمين

هو سيد الكونين دوما وانجلَى

فجرت قلمي من عميق محبتي

لأقول عنك مفاعلا مستفعلاَ

من جانب السموم أسمع روحه

حيث الحمائم غردت لي غزلا

شعري يحق نهاية لكنه

قلبي يصب بمدحه ما زائلاَ

عشق دمشق

————

أَلَا يَــا لَائِـمِـي فِــي الْـحُبِّ رِفْـقًا

فَـكَمْ مِـنْ فَـارِسٍ قَدْ مَاتَ عِشْقًا

وَكَـمْ مِـنْ هَـائِمٍ فِـي حُـبِّ لَيْلَى

فَـكَيْفَ بِـحَالِ مَـنْ يَـهْوَى دِمَشْقَا

هَـوَاهَا فِـي سَـوَادِ الْـعَيْنِ رَسْـمٌ

سَـيُـخْـبِـرُهَا إِذَا أَعْـيَـيْـتُ نُـطْـقًـا

إِذَا أَبْـصَـرْتُ وَجْـهَـكِ مِــنْ بَـعِـيدٍ،

رَأَيْــتُ الْـكَوْنَ فِـي عَـيْنَيْكِ أَرْقَـى

أَنَـا الْـوَلْهَانُ، فِـي عِـشْقٍ وَقَلْبِي

إِذَا ذُكِـــرَ الْـحَـبِـيبُ يَـزِيـدُ خَـفَـقَا

وَلَــوْ خُـيِّـرْتُ فِــي مَـوْتِـي بِـيَـوْمٍ

عَـلَى رِمْـشِ الْـعُيُونِ أَمُوتُ شَنْقَا

أَرَاكِ بِـعَـيْـنِ قَـلْـبِي حِـيـنَ أَغْـفُـو

وَأَمَّــــا إِنْ صَــحَــوْتُ أَرَاكِ حَــقَّــا

عَـلَى خَـدَّيْكِ زَهْـرُ الـرَّوْضِ يَـزْهُو

وَفِـي شَـفَتَيْكِ شَـهْدٌ فَـاضَ دَفْقَا

أرَى بَــوْحَ الـنَّـسِيمِ لَـهَـا يُـنَاغِي

عَـلَـى الْـخَـدَّيْنِ طَـلُّ الـصُّبْحِ رَقَّـا

فَـفِـيكِ الــرُّوحُ تَـسْـمُو لِـلْمَعَالِي

إِلَــى حَــدِّ الـسَّـمَاءِ تَـكَادُ تَـرْقَى

أَيَـــا نَــفْـحَ الـرَّبِـيعِ يَـضُـوعُ طِـيـبًا

فَـتَـنْـشَقُ عِـطْـرَهُ الْأَرواحُ نَـشْـقَا

وَيَـسْـكَرُ مَــنْ يَــرَى يَـوْمًـا رُبَـاهَا

بِــــلَا خَــمْــرٍ وَلَا يَــحْـتَـاجُ زِقَّــــا

أَيَــا بَــرَدَى وَفِــي قَـلْـبِي حَـنِينٌ

يَــكَـادُ يُــحَـرِّقُ الْأَحْــشَـاءَ حَـرْقًـا

دِمَشْقُ هَوَاكِ فِي الشِّرْيَانِ نَبْضٌ

وَمَــنْ يَـهْـوَاكِ يَـعْـرِفْ ذَاكَ صِـدْقَا

دِمَـشْـقُ وَفِـيـكِ لِــلْأَرْوَاحِ سِـحْـرٌ

أَرَى الْـعُشَّاقَ فِـي عَيْنَيْكِ غَرْقَى

رُبَــــاكِ تُــعَـانِـقُ الْــجَـوْزَاءَ تِـيـهًـا

فَـتَـضْرِبُ حَـوْلَـهَا الـنَّجْمَاتُ طَـوْقَا

فَـهَلْ لِـلْعَاشِقِ الْمَجْرُوحِ سُكْنَى

سِـوَى قَـلْبٍ عَـلَى كَفَّيْكِ يُلْقَى؟

وَفِــي نَـجْوَى الْـمَآذِنِ بَـوْحُ صَـبٍّ

سَــتُــدْرِكُـهُ، إِذَا الــنَّـاقُـوسُ دَقَّ

دِمَـشْقُ، وَفِـيكِ لِـلْمَعْنَى طَـرِيقٌ

إِذَا كُـــلُّ الـــدُّرُوبِ تَـصِـيرُ زَلْـقَـى

تَـلِـينُ الــرُّوحُ مِــنْ طِـيبِ الـتَّكَايَا

وَمِـنْ زَيْـتِ الـسِّرَاجِ تَـصِيرُ أَنْـقَى

هَـــوَى الْأَوْطَـــانِ تَــيَّـارٌ شَــدِيـدٌ

وَيُـصْـعَقُ نَـبْـضُهُ الْـعُشَّاقَ صَـعْقًا

فَــهَـلْ بَــعْـدَ الْــهَـوَى إِلَّا افْـتِـتَانٌ

مَـتَى ألْـقَى لِـهَذَا الْـعِشْقِ عِتْقًا

وَكَـمْ هَـبَّتْ عَـلَى الـشُّهَدَاءِ رِيـحٌ

تُـقَـبِّـلُ جُـرْحَـهُـمْ صَــبًـا وَشَـوْقَـا

دِمَـشْـقُ، وَسَـيْـفُكِ الْـفُولَاذُ رَمْـزٌ

لِأَنَّـــكِ مَـــا رَضِـيـتِ الـدَّهْـرَ رِقًّــا

كَــرَرْتِ عَـلَى الـطُّغَاةِ بِـكُلِّ حَـزْمٍ

فَـمَـا لِـلـظُّلْمِ فِــي دُنْـيَـاكِ حَـقًّـا

فـفِي نَـقْشِ الْـعُصُورِ لَـهَا سُطُورٌ

لِــذَا فِـيـهَا الْـبَـيَانُ يَـفِيضُ عُـمْقَا

هُـنَـا الـتَّارِيخُ كَـمْ سَـجَّلْتِ فَـخْرًا

وَكَــمْ رَفَـعَـتْ بــكِ الْأَيَّــامُ عُـنْـقَا

هُـنَـا الْـفَـارُوقُ قَـدْ خَـطَّ الْأَمَـانِي

وَفَـجْـرُ الـنُّـورِ فِـي الْأَرْجَـاءِ شَـقَّ

أَتَـى الْـجَرَّاحُ وَابْـنُ الْـعَاصِ سَعْيًا

يَـقُـودَانِ الْـجُـيُوشَ إِلَـيْـكِ سَـبْـقًا

مُــعَـاوِيَـةُ الَّــــذِي بَــهَـرَ الْـبَـرَايَـا

وَدَعْــكَ مِــنَ الَّــذِي قَـالُـوهُ لَـفْقًا

لَــقَـدْ سَــاسَ الْـخَـلَائِقَ بِـاقْـتِدَارٍ

وَأَحْـدَثَ فِـي مَـجَالِ الْـحُكْمِ فَـرْقَا

بِـفِـطْنَتِهِ الَّـتِـي أَعْـطَـتْ دُرُوسًــا

بِـشَـعْرَتِهِ الَّـتِـي سَـتَـظَلُّ وُثْـقَى

لَــقَـدْ دَانَــتْ لَــهُ الْـبُـلْدَانُ غَـرْبًـا

كَـمَـا دَانَــتْ لَــهُ الْأَمْـصَـارُ شَـرْقًا

وَيَــأْتِـي جَــاهِـلٌ كَـالـتَّـيْسِ غِــرٌّ

تَـشَـبَّعَ مِــنْ حِــذَاءِ الْـقَـوْمِ لَـعْقًا

يَــحُــكُّ بِــقَـرْنِـهِ جَــبَـلًا عَـظِـيـمًا

يَـظُـنُّ الْـحَـكَّ يُـحْـدِثُ فِـيهِ خَـرْقًا

بَـلَاهَـا الـدَّهْـرُ فِــي نَــذْلٍ جَـبَانٍ

بِـــهِ رَحِـــمُ الْـخَـبَاثَةِ كَــانَ عَــقَّ

كَـجِـيفَةِ هِــرَّةٍ فِــي حَـمْـئِ بِـئْرٍ

إِذَا نَــاوَلْـتَـهَـا كَــلْــبًـا لَأَعْـــقَــى

وَكَـــانَ مُـهَـرِّجًـا يَــهْـذِي كَـثِـيـرًا

تَـجَـمَّـعَ حَــوْلَـهُ بُــلْـهٌ وَحَـمْـقَـى

غَــبِــيٌّ أَحْــمَــقُ وَبِــــهِ جُــنُـونُ

وَقَــالُـوا حَـــازَ فَـلْـسَـفَةً وَحِـذْقَـا

يَـــظُــنُّ بِـــأَنَّــهُ دِيــــكٌ فَــصِـيـحٌ

إِذَا خَــضَــعَ الــدَّجَـاجُ لَـــهُ وَنَـــقَّ

وَسَــلَّـطَ كُـــلَّ مُـنْـحَـرِفٍ دَعِـــيٍّ

لِتُزْهَقَ أَنْفُسُ الضُّعَفَاءِ زُهْقًا

وَلَــمَّـا جَـــاءَ أَهْــلُ الْـحَـقِّ حَــالًا

بِـعُـمْقِ الـلَّـيْلِ قَــدْ وَلَّــى وَهَــقَّ

أَتَــى الـدَّجَّـالُ بِـاسْمِ الـدِّينِ زُورًا

لِـيُـنْـقِـذَ فِـيـهَـا طَـائِـفَـةً وَعِــرْقًـا

بِــجَـيْـشٍ مِــــنْ بَــرَابِـرَةٍ فِــظَـاظٍ

لِـيَـقْـتُـلَ أَهْـلَـهَـا ذَبْــحًـا وَخَـنْـقًـا

حَـقِـيـقَـتُهُ بِــــهِ حِــقْــدٌ دَفِــيــنٌ

مُـذِ الْإِسْـلَامُ طَـحَّ الـشِّرْكَ مَحْقًا

فَــظَـنَّ سَـيَـهْدِمُ الْإِسْــلَامَ دِيـنًـا

وَيَـنْـشُـرُ بَـعْـدَهُ شِـرْكًـا وَفِـسْـقًا

وَلَــكِـنْ كِـلْـمَـةُ الْأَحْـــرَارِ كَــانَـتْ

أَلَا تَـــبًّــا لِــمُـنْـحَـرِفٍ وَسُــحْـقًـا

سَـنَـقْـطَعُ دَابِـــرَ الْأَعْـــدَاءِ حَــالًا

لِـتُـصْـبِـحَ أَوْجُــــهُ الْأَشْـــرَارِ زُرْقَ

يَــمُـوتُ الْأَعْـــوَرُ الــدَّجَّـالُ قَـهْـرًا

لِـنَـجْعَلَهُ، بِـذَاتِ الْـكَأْسِ يُـسْقَى

وَمِـنْ هَـوْلِ الْـمُصِيبَةِ بَـاتَ يَـبْكِي

وَيَــضْــرِبُ رَأْسَـــهُ لَـطْـمًـا وَلَــقًّـا

وَمِــنْ بَـعْـدِ الْـمَـخَاضِ أَتَـى وَلِـيدٌ

بِــهِ رَحِــمُ الـرِّجَـالِ هَـمَـى وَبَـقَّا

أَتَــى مِــنْ بَـعْـدِ إِرْهَــاصٍ طَـوِيلٍ

لِـيَـنْزِعَ عَـنْ رِقَـابِ الـشَّعْبِ رِبْـقَا

وَيُــعْـلِـنُ فَــجْــرَ مِــيـلَادٍ جَــدِيـدٍ

يَـفِـيـضُ سَـحَـابُـهُ غـيـثـا وَوَدْقًــا

دِمَـشْـقُ وَوَجْـهُـهَا الْأُمَـوِيُّ فَـخْرٌ

لِـنَـفْـخِ الـصُّـورِ عَـامِـرَةً سَـتَـبْقَى

وفي عينيــــــك نور الصــــــــبر يبدو

سِــــــــــــنون القهر وارثُها اغـــترابُ

ومـا وُجـــد الكلامُ ولا اصطلاحُ[1]

وســـــــيم يا صديقي أنـت نــــــــور

 يعـــــــود إلى بــلادك، وانشـــــراحُ

ترى الأحبابَ، يملؤهم ســــــــــرور 

وفي عـــــــينيك بِشْــــــــــــر وارتـياحُ

رجـــعتَ اليومَ تُربَ الدارِ شـــــوقا

كـأنّ الأرضَ ينظرها الـصــــــباحُ

تُقَــــبِّل تُـــــربَ شــــــامٍ مِن قُراها

فتذْكــــرُ منه رائحــــةً تُــــــــــراحُ[2]

فقـــــال لـك التــــــرابُ أيا غـــلامُ

نزلتَ على جبــــينٍ فـــــــــيه فــــاحُ[3]

تعـــــــــطّرْ مِن عُطورِ الشــــــام شَمّا

وعـــــــطَّرَهُ كِـــــــفاحُك والسّـــلاحُ

هنا وطــــــــنٌ بنى مجـــــــدَ النـــضالِ 

وها قدْ عاد يـبـتـســــــــمُ الكِفـاحُ

وفي عينيــــــك نور الصــــــــبر يبدو

تعافى منه قَــــــرحُـك والجِــــــراحُ

رأى خِــلّا [4]خلـيلا في صِــــــباهُ 

فعانقَه إخاءَ الـودّ، صاحُــــــــــــــوا[5]

فــــــقال لـــه أيا صــــاحٍ[6] زمـانُ

تــــــــفـــــــرقنا به والناسُ راحُـــــوا

وها قــــــد عـــــادت الأيــــام عـودا

جـــــــــــــميلا، عاد هـــــزلك والمزاح

ســــــترجـــــــــع دارنا ودّا وأمـــــنا

ليســــــــــكن في رُباها الاســـــتراحُ


[1] . ما وجدت المبررات أو المصطلحات في قواميس العالم الجديد عن هذا القهر والاغتراب الذي لا مثيل له في تاريخ سوريا

[2] . تُراحُ بمعنى تُشَمّ رائحة، أي تُوجد فيها رائحة تعبق بالحنين

[3] . رائحة العطر

[4] . صديق حميم

[5] . بكى الصديقان عند اللقاء بعد سنين وأطلق كل واحد منهما صوتا عاليا من الألم حتى بكى كل من كان حولهما

[6] . صديق

رُفعت الجلسة

…………………

(1) حديثُ الميزانِ المقلوبِ

مِنْ نَعيمٍ يُزهِرُ الحياةَ إِلى عَذابٍ مُقيمٍ،

أَهكذا حَكَمْتِ؟

أمْ هيَ لُعبةُ الأقدارِ العَمياءِ؟

تُصارِعينَ في جَلسةٍ خاطِفَةٍ،

صَرخَةٌ تُمَزِّقُ نَسيجَ الأيّامِ،

وضَربَةٌ بِعَصاكِ الثَّقيلةِ،

تَهدِمُ حُلمًا قد وُلِدَ في رَحِمِ اللَّيلِ الطَّويلِ.

كَيْفَ تَقضينَ؟

أَم تَستقينَ دُستورَكِ مِن شَريعةِ إبليسَ؟

كَيْفَ تُحوّلينَ الكَمالَ نَقصًا،

وتَخلُقينَ القُبحَ مِنَ الجَمالِ؟

يا مَن أَحلَلتِ المَلَاكَ شيطانًا،

وسَكَبتِ كَمالَ الرّوحِ في كأسِ النُّقصانِ.

أَسلَمتِني إِلى أَحضانِ الهلاكِ،

حيثُ تُسكِنُ رُوحي بَينَ الشَّياطينِ.

أيُّ قَضاءٍ هذا؟

يُبَدِّلُ مَعاييرَ الحياةِ،

ويُقَلِّبُ كفّتَيِ الميزانِ.

تَبًّا لِذلِكَ الحُكمِ الجائرِ،

ولألفِ لَعنَةٍ تَصدَحُ في وَجهِ الظُّلمِ،

حتى يَنهارَ قَصرُ القَهرِ،

وتَعودَ الكفّةُ لِتَزِنَ الحَقيقةَ.

……

(2) حديثُ الفناءِ والعدمِ

ما كنتُ لِأحكُمَ بقلبِكِ،

لَكِنَّكِ أَنزَلْتِ صاعِقَةً أَشْعَلَتْ ظَلامَ رُوحي،

وَتَرَكْتِنِي عَالقًا في رَحِمِ ذِكراكِ،

حُبِّي لَكِ… لَيْسَ اختيارًا،

بَل هُوَ نَبضٌ يَنسَابُ في دَمي،

وَزَفْرَةُ رُوحٍ تُنادِي بِاسمِكِ في أَبَديَّةِ الصَّمتِ.

أنتِ…

جُزءٌ لا يَفنى مِنِّي،

الفَرَحُ يَتألَّقُ في وَهجِ قُربِكِ،

وَالأَلَمُ يَطولُ في مَسَافَاتِ الغِيابِ.

إِذا فَقَدتُكِ،

تَسقُطُ السَّماءُ على رُوحي،

وَإِذا امْتَلَكْتُكِ،

تَفيضُ الدُّنيا حَياةً في صَدري.

أنتِ النُّورُ الَّذِي يَغزِلُ فَجْرًا مِنْ ظَلامِ أَيَّامي،

وَأنتِ المَاءُ الَّذِي يَروي عَطشي الأبَديَّ،

حَتَّى حِينَ تَذوبُ الأحلامُ في نَهْرِ اللَّيلِ،

تَشْرُقِينَ في داخِلِي كَمَا لا يُشْرِقُ أَحَدٌ.

……

(3) حديثُ الدفاعِ

اِسمَعي دِفاعِي،

ما كُنتُ يَومًا صَخرًا أَصَمَّا،

بَل كانَ صَوْتِي يُسَبِّحُ بحُبِّكِ،

فَتَأَلَّقَ كِبْرِياؤُكِ كالقَمَرِ فَوْقَ أَمْواجِ البِحارِ.

تَأمَّلِي عَيْنَيَّ،

أَمَا رَأَيْتِ فِيهِمَا نُورًا شَقَّ طَرِيقَهُ عَبْرَ وِسَادَتِكِ المُعْتَمَةِ؟

وَحِينَ كانت يَدَايَ تَحْتَضِنُكِ،

أَلْقَيْتُ بكِ في حَضْنِ المَلائِكَةِ،

هَارِبًا بكِ مِن شِبَاكِ صَيَّادٍ لا يَرْحَمُ.

وَقَدَمَيَّ، لَطالَمَا حَمَلْتُكِ،

تَسَابَقَتْ بِكِ الرِّيَاحُ إِلَى جَنَّاتٍ لَمْ تَرَيْهَا عَيْنَاكِ قَطُّ،

جَنَّاتٍ تُزهِرُ بِأَلْوَانِ الأَمَلِ.

وَالآنَ،

هَلْ يَجُوزُ لِلفِرَاقِ أَنْ يَغْلِبَنَا؟

أَلَا نَلْتَقِي مَرَّةً أُخْرَى،

لِتُصَدِّقِي تَارِيخِي الْمَكْتُوبِ بِنَبْضِ قَلْبِي؟

وَلِتَأوِينِي فِي رَحِمِ رُوحِكِ، كَمَا كُنتُ أُوَلَّ مَرَّةٍ.

……

(4) حديثُ الصَّاعِقَةِ

حِينَ رَفَعْتِ كَفَّكِ وَأَعْلَنْتِ القَرَارَ،

كانَ صَوْتُكِ كَسَيْفٍ يَشُقُّ الضَّبابَ،

فَتَصَدَّعَ كِيَانِي،

وَتَاهَتْ جُدْرَانُ قَلْبِي كَقَلْعَةٍ عَتِيقَةٍ،

تُحَطِّمُهَا مَوْجَةُ زَحْفٍ لا يَرْحَمُ.

غَادَرْتِني،

وَتَرَكْتِني وَاقِفًا عَلَى حَافَّةِ العَدَمِ،

حَيْثُ الصَّمْتُ يَحْتَضِنُ صَدَى خُطُواتِكِ،

يَضِيعُ فِي مُتَاهَةِ الزَّمَانِ.

كَأَنَّنِي وَرَقَةُ خَرِيفٍ،

اِقْتُلِعَتْ مِنْ غُصْنِهَا،

تَتَلَوَّى فِي الهَوَاءِ،

بَاحِثَةً عَنْ أَرْضٍ تَحْتَضِنُهَا أَوْ تَبْتَلِعُهَا.

لَمْ أَصْرُخْ،

فَصَوْتِي كَانَ مَكْبَّلًا بِقُيُودِ الحَيْرَةِ،

لَكِنَّ دَمِي فَاضَ فِي عُرُوقِي صَرَاخًا،

وَكُلُّ خَلِيَّةٍ فِيهِ شَهِقَتْ أَلَمًا.

رَأَيْتُ العَالَمَ يَنْطَفِئُ مِنْ حَوْلِي،

أَضْوَاؤُهُ تَتَلاشَى وَاحِدًا تِلْوَ الآخَرِ،

حَتَّى أَصْبَحَتْ عَيْنِي سَجِينَةَ ظَلاَمٍ أَبَدِيٍّ.

وَأَخِيرًا،

أَصْبَحْتُ قَفَصًا مِنَ العَذَابِ،

أَسِيرًا فِي مَحْكَمةِ الفَقْدِ،

حَيْثُ لا حُكْمَ إِلَّا الأَلَمُ،

وَلا قَاضِي إِلَّا الذِّكْرَيَاتِ.

……

(5) حديثُ اللَّعنةِ

اِنْشَقَّتِ السَّماءُ لِسَطْوَةِ حُكْمِكِ،

وَخَطَفَ بَرْقُها الأبْصارَ،

تَصَلَّبَتِ الصُّخورُ ذُعْرًا أمامَ قَسْوَتِكِ،

وَارْتَجَّتِ الأرضُ مِنْ وَطْأَةِ الألَمِ،

وَفَرَّ النُّورُ مُذْعُورًا، لِيَذُوبَ في أَحْضانِ العَدَمِ.

دَفَنْتِ العَدالَةَ تَحْتَ رُكامِ الغابِ،

وَأَعْلَنْتِ شَريعَةَ الوَحْشِ وَالدَّمِ،

وَتَظُنِّينَ أَنَّكِ أَصَبْتِ!

لَكِنَّ التّاريخَ سَيَحْكُمُ عَلَيْكِ، بِجَلْدِ السِّنينِ،

وَسَيَلْعَنُكِ في كُلِّ صَفْحَةٍ مِنْ صَفَحاتِهِ.

أَنا، سَأَكْتُبُ عَنْكِ،

وَسَأَظَلُّ أَكْتُبُ،

حَتّى لَوْ نَفِدَتْ أَحْبارُ الوُجودِ،

سَأَكْتُبُ بِدِمائي على جَبِينِ الأبَدِ،

وَأُجْعِلُ الثَّقَلَيْنِ يَشْهَدونَ خَطاياكِ،

كَمَا يَلْعَنونَ إبْلِيسَ،

في المَشْرِقَيْنِ،

وَفي المَغْرِبَيْنِ.

……

(6) حديثُ الفَجْرِ الجَديدِ

لا زِلْتُ أَخِيطُ العَزيمَةَ،

أَجْدِلُها خَيْطًا خَيْطًا،

أَنْسُجُ مِنْ صَبْرِها حِبالًا لا تَنْقَطِعُ،

تُحَلِّقُ بي بَعيدًا عَنْ أَشْواكِ الطَّريقِ وَأَفْخاخِ الظَّلامِ.

لَنْ أَسْتَسْلِمَ،

سَأَغْمُرُ جِراحي العَميقَةَ بِآياتٍ

تَشْفِي الألَمَ،

وَتُبَدِّدُ الظُّلْمَ،

وَتَطْرُدُ شَياطِينَ البُؤْسِ مِنْ رُوحي.

لَنْ أَسْتَسْلِمَ،

سَأَبْنِيَ سَماءً جَديدةً، لَيْسَتْ كَسُحُبِكِ المُظْلِمَةِ،

بَلْ كَسُحُبِ غَيْثٍ يَرْوي وُجوهَ المَوْتى بِابْتِسامَةٍ،

وَيُضِيءُ لَيْلي بِنُجومِ الأمَلِ السّاطِعَةِ.

سَأَشُقُّ أَرْضًا لَيْسَتْ كَأَرْضِكِ،

فَأَرْضُكِ مَزَّقَتْها الزَّلازِلُ،

وَدُروبُها أَشْواكٌ تَمْتَصُّ الرِّقابَ،

لَكِنَّ أَرْضي… سَتَكونُ خَضْراءَ،

تُنْبِتُ أَحْلامًا ناضِجَةً،

تَمُدُّني بِالقُوَّةِ في كُلِّ خُطْوَةٍ.

لَنْ أَسْتَسْلِمَ،

سَأُبْصِرُ في العَتْمَةِ بِبَصيرَتي،

وَأَشُقُّ طَريقي بِنُورٍ لا يُطْفَأُ،

حَتّى أَكْتُبَ على وَجْهِ الحَياةِ حِكايةَ فَجْري الجَديدِ.

……

(7) حديثُ الوِلادَةِ

مِنْ أَعْماقِ السَّماءِ،

يَصْرُخُ الأمَلُ،

يُلَوِّحُ بِشُعْلَةِ النَّصْرِ،

تَتَوَهَّجُ في قَبْضَتِهِ.

تَشَقَّقَ صَدْرُ الغَمامِ،

وَأَطَلَّتِ الشَّمْسُ مُوَدِّعَةً عَتْمَةَ اللَّيْلِ البَهيمِ،

لِتَفيضَ شِفاهُها بِماءِ الحَياةِ،

يَنْثُرُ قَطَراتِهِ الأُولى على أَرْضٍ عَطْشَى،

يَسْقِي جُذوري الذّابِلَةَ بِالخُضْرَةِ وَالنَّماءِ.

تُصْغي أُذُني لِصَهيلِ الخُيولِ،

جِيادٌ تُعانِقُ أُفُقَ البُطولَةِ بِنَشْوَةِ الانْتِصارِ،

وَأَنا أَهْتِفُ: تَعالَ، أَيُّها الفارِسُ!

فَالتّاريخُ ما زالَ يَنْتَظِرُ خُطاكَ،

وَالمَعْرَكَةُ لَمْ تُطْوَ صَفَحاتُها بَعْدُ،

وَأَحْلامُنا الجَريحَةُ تُضِيءُ جِراحَها بِنُورِ الخُلودِ،

وَتَرْتَوي مِنْ دُموعِكَ أَمَلًا لا يَفْنى.