المصطفى

من وجه المصطفى وجه الجمال بدا

وبأخلاقه نغم الجمال شدى

رسالته كالعطر نشرها

فعطرت قلبا كان بمحمد قد اقتدى

هو نور الكون برمته

بالأمان عن العالمين انفرد

فيا سبحان مبدعه

بالدين زينه وبالقرآن يتصف

حبيبنا بحسنه رأيت

قمر الكون بعيني ينخسف

فسال الغار يعرف نوره

وخديجة والورى بصدقه اعترف

هو شرف الدين وقلعته

فطوبى وبشرى لمن على سنته يغترف

ثبوته في كل تحية وذكرته

فكان ذكره دواء أزال عن فؤادي الصدا

وأزيلت بشفاعته يوم رحيلنا

أوجاعا برمتها والكمد

حبي لرسولنا وكفى

قبل أمي وابني ووالدي

فليس شعري بحرا إن أقبلت على مدحه

وأمام باب مدحه شعري هذا يرتجف

أحمد والصلاة وتحية السلام له

بعدد حبات المطر والنجوم

الشعراء ومدى تأثيرهم على المجتمع

حمدا لله حمدا يليق بكماله, والشكر له على كل حال, الذي جعل الشعر ديوان العرب و عنوان الأدب, و  جعل الشعراء قليل العدد في زمرة العباد , كأنهم جمرة في الرماد, مصليا على خير الأنام , الذي أوتي مجامع الكلام, و على آله وصحبه الكرام.

إننا لو رجعنا إلى صفحات التاريخ عن الشعراء عامة و عن شعراء العربية خاصة سنجد انهم كانوا جزءا مهما في المجتمع , و كانوا بمثابة الإعلاميين في أوقات السلم و السلام , و السفراء في حال الحروب و الأحداث . فضلا عما تنبع من أفواههم من الحكم وقيمة الأخلاقية.

فذاع نفوذهم في البلاد وانتشر أخبارهم بين الأقطار وقد أكد هذا المعني المتنبي وهو يصف نفسه معترفا بقوة تأثير قصائده و يقول:

           وما الدهر إلا من رواة قصائدي         إذا قلت شعرا أصبح الدهر له منشدا

           فسار به من لا يسير مشمّرا              وغنّى به من لا يغني مغردا.

يقول زهير بن أبي سلمى:

             سترحل بالمطيّ قصائدي          حتى تحل على بني ورقاء

             مدحا لهم يتوارثون ثنائها         رهن لآخرهم بطول بقاء.

فهذه دلالة واضحة تشير إلى مدى تأثيرهم على المجتمع, و لا يكلفهم في ذلك سوى أن ينفثوا في عقد القوافي ليسحروا كل سامع , ثم ليتركوا مهمة التغريد للرواة حتى تناقلتها الأيام إلى أقصى نقطة في البلاد.

و كانوا ينشدون السلام, و يرغّبون في ذلك , بطريقتهم  الخاصة , ليتركوا في  النفوس ما  يميلها إلى ميدان الصفح و التسامح .

و من الشعراء الذين برزوا في هذا المضمار زهير بن أبي سلمى و ذلك لما وقعت حرب داحس و غبراء, التي أدت إلى أن ضاع تحت السيف خلق كثير , حتى قام السيدان و هما : الحارث بن عوف المري وهرم بن سنان المري بالصلح بين الطرفين و حقنا الدماء حيث قاما بدفع الدية لكل من الطرفين , فقال فيهما زهير و هو يثني عليهما و يحذّر القوم من عدم الوقوع في مثل هذا المعزق, و ضم ذلك في معلقته الشهيرة:

               أم أمّ أوفي دمنة لم تكلم       بحومانة الدراع فالمتلثم.

إلى قوله:

        يمينا لنعم السيدان وجدتما            على كل حال من سحيل ومبرم.

        تداركتما عبسا وذبيان بعدما         تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم.

       وقد قلتما إن ندرك السلم واسعا       بمال ومعروف من الأمر نسلم.

       فأصبحتما منها على خير موطن     بعيدين فيها من عقوق ومأثم.

 وكانوا منهم أي الشعراء أرباب الحكم و أولوا القيم, و العبارات المطرزة بالشجاعة و المروءة و الكرم و حسن الضيافة فكانت لها تأثير إلى حد بعيد في أعماق النفوس . فهذا شنفري و هو يظهر عزمه و شجاعته و يبدي قوة صبره و تحمّله الأذى. يقول في لاميته:

     أَقِيْمُوا بني أُمي صُدُورَ مَطِيِّكُمْ           فإني إلى قَوْمٍ سِوَاكُمْ لأَمْيَلُ

إلى أن قال:

    وأسْتَفُّ تُرْبَ الأرضِ كيْ لا يَرَى لَهْ    عَلَيَّ من الطَّوْلِ امْرُؤٌ مُتَطَوِّلُ

   فإنّي لَمَوْلَى الصَّبْرِ أَجْتابُ بَزَّهُ           على مِثْلِ قَلْبِ السِّمْعِ والحَزْمَ أَفْعَلُ.

و كذلك المتأمل في قصائد عروة بن الورد و عنترة بن شداد, و جملة الصعاليك عامة , فإنك ترى فيهم الشخصية الشجاع  الكرم  و غيرها من الشخصيات , و الناس بطبيعتهم يعجبهم هذا الجنس من البشر.

و مضت هذه السنة عليهم حتى عند ظهور الإسلام.

فنرى النابغة الجعدي و هو من المعمرين و هو يمدح النبي و الصحابة الكرام في قصيدة طويلة و يقول فيها:

              بلغنا السماء مجدنا وجدودنا       وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا.

فقال النبي سائلا له: (أين المظهر يا أبا ليلى). فقال (الجنة) فقال النبي: (أجل إن شاء الله)(2).

و كذلك حسان بن ثابت حين أمره النبي بهجاء المشركين فقال: (اهجهم – أو هاجهم – و جبريل معك)(3) و ذلك يوم قريظة عندما خانوا العهد.

و كعب بن زهير صاحب البردة و صاحب القصيدة المشهورة:

                 بنات سعاد فقلبي اليوم متبول    متيّم إرثها لم يجز مكبول.  

إلى أن قال:

                إنّ الرسول لسيف يستضاء به        مهنّد من سيوف الله مسلول.

                في عصبة من قريش قال قائلهم      ببطن مكّة لمّا أسلوا زولوا.

هذا ومع كونهم ظرفاء و خفة دمهم و طرافتهم , تتيح لهم فرصة تعلق المجتمع بهم , بما فيها من تسلية للقلوب , و انسيابها مع الذاكرة .

و روي أن بشار بن برد حكى بعدما مات حماره و يقول: رأيت حماري البارحة في النوم, فقلت له: ويلك لم متَّ ؟ فقال الحمار: أنسيت أنك ركبتني يوم كذا و كذا و أنك مررت بي على باب الأصفهاني فرأيت أتانا ( أنثي حمار ) عبد بابه فعشقتها, حتى متُّ بها كمدا.

ثم أنشدني الحمار:

         سيّدي مل بعناني نحو باب الأصفهاني     إن بالباب أتانا فضلت كلّ أتان.

         تيمتني يوم رحنا بثناياها الحسان           و بغنج و دلال سل جسمي و براني.

        ولها خد أسيل مثل خدّ الشيفران            فبها متّ و لو عشت إذاً طال هواني.(4)

فقال رجل من القوم …. و ما الشيفران يا أبا معاذ؟ فقال بشار: هذا من غريب الحمار, فإذا لقيته مرّة ثانية سألته!!

 و من ذلك ما حكي أن الشاعر ربيعة بن عامر المقلب بالدارمي, أنه حضر إليه أحد التجار و هو يشكو نفاذ كل الخمارات التي يبيعها عدا السوداء بل لم يشتريها أحد.

فنظم الشاعر قصيدة ليتغنى بها أحد الشعراء في المدينة فقال فيها:

        قل للمليحة في الخمار الأسود      ماذا فعلت بناسك متعبد.

        قد كان شمّر للصلاة ثيابه          حتى وقفته له بباب المسجد.

        ردي عليه صلاته و صيامه        فلا تقتليه بحق دين محمد(4).

فلم يلبث إلا برهة بعد انتشار القصيدة و نفذت الخمارات لدى التاجر.

فكل هذه المواقف إشارات لما يملكه الشعراء من قوة تأثير على أهل زمانهم و ناهيك عن قوة الإجادة و الإبداع , فقد ملكوا زمامهما , و سبقوا كل منافس عليهما. فخرجوا بهما من زحمة العيّ إلى فسحة الفصاحة. وعلى رأسهم سيد الشعراء أبو الطيب المتنبي و أبوا العلاء المعري و أبوا فراس الحمداني و أبو نواس صاحي الخمريات و أبو التمام صاحب التمائم الشعرية و الحلاج صاحب العشقيات الإلهية و غيرهم.

فالقارئ عن هؤلاء يدرك تماما ما يحتوي ذاكرتهم من سحر الحلال. فلا تسع المقام بهم هنا , فهذه نبذة ميسرة مختصرة جدا عن هؤلاء الكائنات المتأثرة على الكوكب الجميل إطلالا من بابه الآخر.

قد يطول إن أردنا ذكر موافق التي أظهرت الشعراء فيها قوة تأثيرهم , و المتألم يدرك ذلك , و الإشارة تكفي اللبيب . و كما أن هذه المواقف توحي لنا بالاهتمام بهذا الفن و أهله ,  وذلك أن الشعراء حرّاس ثقافة اللغوية و حمّال رايتها , و ملقّحي بذرتها , فهذه توفي لهم شرف المهنة.

هوامش:

1 مكانة الشعر عند العرب نقلا عن موضوع كم\ بتصرف

2 البداية و النهاية لابن كثير ج\ 6 ص\ 187 و كذلك في الكشاف للزمخشري

3 صحيح البخاري م\ 4 ص\ 112 ك\ بدء الخلق ب\ ذكر الملائكة.

4 كتاب تزيين الأسواق في أخبار العشاق لداود الأنطاكي ص\ 150

المرجع والمصادر:

_ طرائف الشعراء و مجالس الأدباء لنجيب البعيني دار المناهل للطباعة و النشر ط\ الأولى.

_الشعر و الشعراء لابن قتيبة لأحمد محمد شاكر.

_ كتاب صحيح للبخاري

السماء لا تمطر ذهبًا

نتساءل لماذا أدعو ربي كثيرًا ولم يستجب لي؟ هل لم يسمع صوتي؟ وتطرح رؤوسنا أسئلة كثيرة لا حصر لها!! ولكن دعني أسألك قبل أن تتساقط تلك الأسئلة التي برأسك، إلى فقدان الإيمان وتزعزع الثقة في الإله. هل قدمتَ خطوة نحو مبتغاك؟ السماء، يا عزيزي، لا تمطر ذهبًا ولا فضة عليك، عليك ببذل الجهد والسعي. دعني أوضح لك أكثر، كان الله قادرًا على أن ينزل على السيدة مريم العذراء الرطب دون عناء وهي أم نبي، ولكن ليُعلمنا الله درسًا في ضرورة السعي. قال لها: “هُزي إليكِ بجذع النخلة تُساقط عليكِ رُطبًا جنيًا” (سورة مريم، الآية 25). ومن الدروس المستفادة من هذه القصة هو أهمية العمل. فهل تستطيع هذه السيدة التي وضعت للتو أن تهُز نخلة أو تحرك ورقة من مكانها؟ لا، ولكن كل ذلك كان من جنس العمل ليُعلمنا الله أننا لا نستطيع الحصول على ما نريد دون جهد وسعي. إذًا، يأتي السعي أولًا ثم العمل.

دعني أسألك لماذا هربت السيدة هاجر في هذا الحر الشديد بين جبلي الصفا والمروة وهي زوجة نبي وأم نبي؟ كان كل ذلك من أجل أن تبحث عن قافلة مارة تساعدهم. هذا كله كان من جنس السعي. كانت تستطيع البقاء في مكانها والاعتماد على أن الله سيساعدهم، ولكن كما ذكرت أن السماء لا تمطر ذهبًا وفضة، لذلك أمرهم الله بالسعي. ولماذا لم يتفجر ينبوع الماء تحت قدمي سيدنا إسماعيل دون أن يركل الأرض بقدميه عدة مرات؟ أيعقل أن يتسبب ركل طفل رضيع بفجوات المياه؟ ولكن كل هذا يُظهر وجوب السعي مع العمل.

يثيرني كثيرًا مزاح الشباب عندما يطلبون من الله أن يهديهم إلى طريق الرشاد، ثم يبتسمون ويقولون إنهم حاولوا كثيرًا ولكن دون جدوى. عزيزي الشاب، دعني أسألك، هل أخبرت الله بذلك؟ هل قلت له أنك تحبه وترغب في التقرب منه؟ هل بذلت مجهودًا مثلما تفعل من أجل من تحب؟ إذًا، لماذا تطلب شيئًا دون أن تسعى إليه وتعمل من أجله؟

يأتي أيضًا إلي سمعي كثيرًا أنني أرغب في التغيير في شخصيتي وأنني أدعو الله كثيرًا لمساعدتي، ولكن دون جدوى. هل قدمت خطوة نحو هدفك ليساعدك الله؟ لا تنتظر شيئًا دون أن تسعى نحوه بخطوة واحدة.

إذًا، لتحقيق مبتغاك، لا تعتمد على الانتظار فقط، بل انطلق نحو هدفك واعمل بجد. العمل هو السبيل لتحقيق النتائج. كما أكد الله في كتابه الكريم “وأن للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى” (سورة النجم، الآيات 39-40). فكن على استعداد لبذل الجهد والسعي، وستبهرك النتائج.

عن التكرار

نظرية (التجربة والخطأ) أو (النظرية الارتباطية) هي إحدى نظريات علم النفس السلوكي، وخلاصتها أن عملية التعلم هي حاصل الربط بين (المثير) و(الاستجابة) وتقوى أو تضعف بمدى قوة هذا الترابط، بمعني أن التمرين المستمر لنفس العمل يؤدي لتقوية ارتباط المثير بالاستجابة أي أن الإنسان أو الحيوان لا يتعلم إلا بالتَّكرار المستمر.

في عام 1898م وضع عالم النفس التربوي (إدوارد ثورندايك) أسس تلك النظرية بعد تجربته الشهيرة التي أجراها على قطة جائعة وضعها داخل صندوق لا يُفتح إلا عن طريق سحابة، وعلى القطة أن تسحبها ليُفتح لها الباب حتى تتمكن من الخروج، ووضع طعاماً ذا رائحة نفاذة بجانب الصندوق، فكان من المستحيل على القطة الوصول إلى ذلك الطعام إلا إذا كان بإمكانها فتح الباب والخروج منه.

في البداية تحركت القطة بشكل عشوائي داخل الصندوق ثم أخذت تعض في القضبان وتدفع أقدامها محاولةً الضغط على جدار الصندوق، لكن بعد ساعات من تجربة هذه الاستجابات غير الفعالة، قامت القطة بشد السحابة عن طريق الخطأ فوصلت إلى الاستجابة الصحيحة وفُتح باب الصندوق وتمكنت القطة من الخروج والحصول على الطعام الموضوع بجانب الصندوق.

وضع (ثورندايك) القطة داخل الصندوق مرة أخرى لكنها في هذه المرة استغرقت وقتاً أقل لشد السحابة، وفي كل مرة يكرر فيها التجربة تتقلص المدة الزمنية التي تستغرقها القطة لفتح الصندوق حتى إنها بعد عدة محاولات على مدى أسبوع استطاعت فتح الصندوق في دقيقة واحدة، وهو ما يعني انخفاض زمن الاستجابة، وأن القطة تعلمت الخدعة أخيرًا، ثم أصبحت تشد السحابة بمجرد وضعها في الصندوق، ومن هنا وُضع مصطلح (التعلم من التجربة والخطأ)؛ لأن عدد التجارب أدى إلى انخفاض عدد الأخطاء.

وبذلك وجد أن التمرين والممارسة المستمرة لنفس العمل يؤدي لتقوية ارتباط المثير بالاستجابة، و(المثير) بالتجربة طبعاً هو (الطعام)، و(الاستجابة) هي (فتح الصندوق)، أي أن القطة ستتعلم بالتكرار المستمر، ثم أجرى نفس التجربة على عدد كبير من القطط وخرج بنفس النتيجة.

وبهذا التكرار تحصل المَلَكَة في العلم والأدب وتتكون الذائقة وتتشكل اللغات، والمَلَكَةُ هي الصفة الراسخة التي تكتسبها النفس بالتكرار والممارسة، والتي تقود إلى الحفظ والفهم وسائر الأعمال الفكرية والجسدية بسرعة وسهولة، وإن كل الأفعال التي يمارسها الإنسان لا بُدَّ وأن تعود آثارها على نفسه حتى تثبت في لحظةٍ ما بقوة التكرار وبتنمية الملكة والمهارة.

أخبرني صديقي طبيب النسا والتوليد في بداية عمله أن حالة الولادة القيصرية تستغرق ما يزيد عن ساعة ونصف، وقد وصل بعد الحالة التسعين إلى ثلث ساعة تقريباً، ويصعب أن يقل الوقت عن ذلك لا لقلة مهارته لكن لسبب طبي يتعلق بالتأثير على الأنسجة وغيرها.

ودائماً ما أشدد على أهمية التكرار، ولا أحب لنفسي أو لغيري الاستسلام من المرات الأولى لاكتساب مهارة أو تعلم شيء جديد؛ لأنه لا سبيل لتعلُّم العزف على البيانو إلا بتكرار اللعب المستمر على مفاتيح البيانو، هذا هو السبيل وتلك هي المسألة الموصلة للتعلم والإتقان.. فواصل العزف.

اليومَ شيءٌ وغدًا مثلُهُ 

من نُخبِ العلمِ التي تُلتَقَطْ

يُحصِّلُ المَرء بها حكمةً 

وإنما السيلُ اجتماعُ النقطْ

يَا دُرَّة الشَّرْق 

بَيْرُوت يَا تَوْأَمٌ عَرُوبَة مِصْرَنَا

يَا دُرَّة الشَّرْق الزبيح فداكِ . 

لَو مسكِ الْغَدْر المسون بشرقنا

ثَارَت جحافل أَرْضَنَا لثراكِ . 

زَئِيرٌ أَسَد الْبَرِّيَّة بالفلاء محزرا

نَمْل الجحور بِالْغَدَاة ثراكِ . 

قَد يَغْدُوَا عَشِيَّة ليلةً أَو صُبْحِهَا

فَبَاب عُرَيْنَة مثرثراً إلَّا آكِ . 

آثَار أَقْدَم الْأَسْوَد فِى يَوْم الْعُدّى

تُقَص أَفْعَال الرِّجَال غُداكِ . 

فقرى عَيْنٍ إنْ أَلَم بِالدِّيَار تَصَدَّع

جرحً نداوى و نصون خطاكِ . 

بَيْرُوت يَا قَبْلَه الْعُشَّاق ونَهْجِهَا

يَا فَيْض حبً بالجوى للماكِ . 

يَا سِحْرٌ فَاضَ مِنْ الْجِبَالِ فَأَشْرَق  

صُبْح الْبَرِّيَّة بِالرُّبَيِّع هواكِ . 

أنتِ الْجَمَال والسِّحْر فِيك تَجَمُّلًا

بِوَقْعَة أَوْ دُونَهُ الدَّلَّال حواكِ . 

كُسِرَت يَدًا الْغَدْر أَشْعَلْت بسمائك  

أنات أيقظت للصباح بهاكِ . 

بَيْرُوت يَا أَرْضُ الْعَرُوبَة قَدْ حَوَى

ثراك النَّدَى مَجْدُك وعلاكِ . 

نَحْيَا نصون عَلَى مَرِّ الزَّمَان عَرُوبَة ؛ 

وأنتِ يَا بَيْرُوت دُرَّة بهواكِ . 

مذكرات الياسمين المفقودة

 ١٥يناير ٢٠١٩

أيتها الياسمين ظللتُ معكِ طوال مائة وخمسين يوماً  وأنتِ تكتبين مائة وخمسين رسالة  واستطعتُ العثور على تلك المذكرات وهذا لا أعلم أن كان من حسن حظي أم كان قصاء وقدر ولكني أتأثر جداً لحال تلك الياسمين فقد رأيتكِ تتألمين وتذرفين الدموع حارة وكأنكِ كنتِ وردة فاحترقت قبل فوات الأوان وصار رائحتها العطرة مختلطة بالدخان المتصاعد المتفحم وسأضع اليوم بين يد القراء تلك المذكرات لعلهم  بأن الفراق ليس حلاً وإنما يعد مشكلة في حد ذاتها فماذا كانت رسائلكِ أيتها الياسمين .

الرسالة الأولى:
أيتها الياسمين الجميلة والفتاة المازحة كيف حولكِ الحب من فتاة لم تفارق شفتيها الابتسامة إلى فتاة شاردة العبوس ومتعكرة المزاج، الياسمين المرحة أصبح الحزن رفيقها والفرح عدوها هل كنتُ ضحية أم مجني عليها؟ كيف أحببتُ هكذا؟ حتى جرح قلبي بتلك الهيئة ! لا أري سوي انكسار القلب وحسرته أنا الياسمين المحترقة بنيران الهجر والفراق وصرت في معركة ضارية بين قلبي وعقلي، قلبي يريد الرجوع وعقلي يرفض ذلك ولكن ما زال قلبي ناقماً على ما فعلته وشعوري بالندم لا يوصف طال غيابك هذه المرة كثيراً ماذا فعلت أنا؟ حتى أجنى هذا العقاب المؤلم؟!
يتبع….

٢٤يناير ٢٠١٩ رسالة لن تصل

كيف تصبح قصة حب أحدنا كنجمة مضيئة؟ ثم ما تلبث أن تغرب وتحترق ماذا حدث ؟ حتى صارت قصة حبنا هكذا مجرد كلمات على حبر نرويها بدموعنا وآهاتنا ، أن الحب سعادته لا تدوم طويلاً حتى تتبعه الأحزان وكأنهما تعاهدا أما شروق تتبعه سعادة أو غروب ويتبعه احتراق ، ما زلت أؤمن أن القلب الذي أحب من الصعب أن ينسي وهذا ما حدث معي عندما احترقت قصة حبي وصارت رماد أكتب بعدما أصبت باكتئاب حاد الألوان صارت كلها سوداء باهتة تداخل اللون الأسود بالرمادي ، صار كل شيء حولي محترق ومشاعري التي تتصاعد منها دخان العذاب والشعور بالذنب أن بداية قصتي حدثت منذ أن دخل أحدهم حياتي وأصبح بطل قصتي التى لا يمكنني الاستغناء عنها ، يوم بعد يوم بدأنا نقترب من بعضنا يسمعني أجمل كلمات الغزل فكنت أحلق كفراشة في السماء وتهبط على برعم وردة أرجوانية ، لم أتوقع أبداً أن لكل شيء بداية احتراق ونهاية غروب لا يتبعه سوي الموت ، كنت أحبه حباً شديداً ولم أكن أعلم أن ثقتي ستحل محلها خيانة لا أجبر منها بسهولة ، بعدما تطمئن قلبه لاقترابه بدا عجولاً في الرحيل حتى رسائلي التي كان يرد عليها ملهوفاً باتت طي النسيان، لكم حاولت كثيراً أن يرجع ويعطينا فرصة للنجاة بحبنا ولا يضيعه ولكنه اختفي كذرة ملح ذابت في الماء بحثت طويلاً عنه فلم أجده ، وعندها تسلل الاكتئاب كجرثومة قتلتني كرهت الدنيا وكرهت كل شيء وبدأت أشعر بالاحتراق كل شيء يبدو خدعة في هذه الحياة ولهذا فإن أفضل الطرق أن وأكتب كل يوم ذكرياتي التي باتت تجربة مؤلمة كنت كل يوم أرسل رسالة مع سا عي البريد وكانت هذه إحدى تلك الرسائل التي بعثتها إليها من بين ١٥٠ رسالة كتبت في الرسالة( كيف حالك يا عزيزي؟ طال فراقنا هذه المرة ١٥٠ يوم ما زلت أبعث برسائلي مع رجل البريد ما زلت احتفظ بعدد الرسائل  التي كتبتها ١٥٠ رسالة أكتب ولا أجد منك رداً لم أتوقع أن فراقنا هكذا سيطول وأنك عند أول مشكلة تحدث معنا تنقطع هكذا أخبارك عني مازال قلبي ناقماً على ما فعلته وشعوري بالندم لا يوصف ما زلت حبيبتك ياسمين  هل ما زلت ساخطاً علىّ ، حاول الرجوع فقط وأنا أقسم لك لن أحاول فراقك  ثانية.

  ٣٠ يناير ٢٠١٩ 

مرحباً بك يا ساكن قلبي وقاهره كيف لك أن تكون بهذه القسوة؟!  الكثير من الرسائل التي بعثتها إليك ولم تجبيني يالك من محظوظ تعيش حياتك في رغد وأعيش في غياب الجب ، أتعلم ما سوء حظي أنني ما زلت أتذكرك برغم هذا الفراق قل لي كيف يمكنني أن أنسي تلك الذكريات والأيام ، أتذكر جيداً عندما تقابلنا أول مرة وكنا لا نعير لبعضنا انتباهاً ولكن حينما دق قلبي بسرعة علمت أنني قد وقعت أسيرة في حبك بربك يا صاحب القامة الطويلة كيف لك أن تتركني كل هذه الأيام وحيدة يأكلني الانتظار والحيرة بين البقاء بجوارك أو الذهاب بدون رجعة كل ساعي البريد يبدو على وجهه الضجر عندما يراني انتظره على أول الطريق وبيدي تلك الرسالة التى أعطيها تلو الأخري وعندما أهرول له على أمل أن يعطني ورقة مطوية تكون منك يتملكني الحزن بشدة فأن ساعي البريد يمد يده ليأخذ منى الرسالة ويحيني بهزة رأس منه وقد بدا على وجهه الجزع والضجر ثم أذهب نحو البيت وأدخل غرفتي في صمت مطبق وعيوني تنهمر بالدموع دخلت علىّ أمي والابتسامة تشع على شفتيها وقالت لي كلمة شعرت كأنها صاعقة قد وقعت على قلبي قبل سمعي وقد قالت ” ياسمين  أتي اليوم أحدهم لخطبتك ” شعرت كأن الدنيا ثقيلة وقلبي أثقل شيء في جسدي كان شعوري في تلك اللحظة أنني ما زلت وافية لعهدي ولكن هل ما زلت وافياً بعهدك؟ أجبني فأجابتك تحدد مصير كلانا أم أن نظل طوال الحياة حتى نشيب معاً أو تغلبني التجاعيد مع رجل غيرك مازال قلبي ينبض باسمك وعقلي يقول لي غير ذلك انتظر ردك بفارغ الصبر.

قلبي إذا قاسى النّوى من شِعْره

قَلبي إذا قاسى النَّوى مِن شِعْرِهِ
هِـي أنتِ هِنْدُ دواءُ شِعري ما لِيا

فَاخْضَوضَلَتْ أوزانُ شِعْري سَكْرَةً
مِنْ كَأسِ خَمْرِكِ هِندُ أنسى ما بِيـا

سَقِمَ الخيالُ وَما رَوى مَنِّي الهَوى
فَغَدَتْ مآقِي الوَجْدِ تَرثي حالِيا

يا هِندُ مَنْ لِلقَلْبِ في حَرِّ النَّوى
بَيني وبَينكِ شَيَّدُوهُ عالِيا

فَإلامَ يَنْأى الشِّعْرُ عَنِّي في الجَوى
فالشِّعْرُ يُبلِغُها سلامِي الحانِيا

وَإلامَ وَحْيي كُلَّما اسْتَجْدَيْتُهُ
قال الشُّعورُ بَدا إليهِ طاغِيـا

يا هِندُ ما ذَنبي إذا فاقَ الهَوى
وَحْيًا قَلَى، وَارى الثَّرى أشْعارِيـا

بَيني وَبَينكِ هِندُ شِعْرٌ لِي عَصى
وَيلي إذا الإيحاءُ ضَلَّ مَعانِيـا