عندما سافر أبو العلاء المعري إلى بغداد وعاد!

     أبو العلاء المعري علم من أعلام العربية وآدابها؛ ولا يعرف غيرهُ قد أتى بمثل ما أتى به؛ فهو العالم الذي أحاط باللغة وجمالياتها وأسرارها وصرفها في جميع شئونه وأغراضه الفنية؛ فطوعها ووظفها أحسن توظيف شعراً ونثراً. وقد امتدت معرفته ليحيط بفلسفة اليونان؛ وحكمة كل من الهند وفارس؛ ولم يكن ذلك بالغريب عليه وهو الذي اشتهر بقوة الذاكرة وسرعة الحفظ؛ وكان في حياته أكثر من أثار الجدل والمناقشة؛ بل وما زالت سيرته وتاريخه وفنه مجالاً للجدل والمناقشة حتى اليوم؛ وفي السطور التالية نحاول التعرف عليه وأسباب رحلته إلى بغداد.

 متى ومن أين جاء؟

   في يوم قد مالت شمسه نحو المغيب ولد أبو العلاء في يوم السابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة 362 للهجرة بمدينة تقع في واد بين مرتفعات يقال لها “معرة النعمان”؛ وهي مدينة تقع بين مدينتي حلب وحماة بالشام؛ وهي كذلك مركز قضاء تابع لحلب؛ وتحتوي على كثير من المساجد منها المسجد القديم الذي يضم ضريحه. 

اسمه ولقبه وكنيته

   هو أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد التنوخي؛ وقد سماه أبوه أحمد؛ وكناه بأبي العلاء؛ والظاهر أنهم كانوا يكنون أولادهم في ذلك الوقت منذ حداثة سنهم؛ ويؤكد أبو العلاء ذلك بقوله:

من عثرة القوم أن كنوا وليدهم            

أبا فلان ولم ينسل ولا بلغا

    وهو من بيت علم ورئاسة؛ فأبوه من العلماء، وجده وجد جده كلهم تولوا قضاء المعرة.   كانت حياته كلها فواجع؛ ولعل أولها ذهاب بصره وهو ما يزال في الرابعة من عمره إثر إصابته بمرض الجدري؛ على أن ما فقده من بصر قد استعاض عنه بحدة بصيرته؛ وشدة ذكائه؛ وقوة حافظته. ولم يكن ثائراً على عماه؛ فقد سمعه الثعالبي يقول ضمن ما قال:

 ” … أنا أحمد الله على العمى؛ كما يحمده غيري على البصر؛ فقد صنع بي، وأحسن بي إذ كفاني رؤية الثقلاء والبغضاء”.

   إلا أن هذه العاهة فرضت عليه نوعاً معيناً من العلم؛ فقد ألزمته العلوم النقلية والنظرية مما تعنى به الحافظة؛ ويعتمد على المخيلة؛ كاللغة والدين والشعر ووسائلها من النحو والصرف والعروض

عصره

    لقد وجد أبو العلاء في عصر بلغت فيه الثقافة الإسلامية أعلى ذراها معتمدة على مصادرها التراثية ومستفيدة من علوم الأمم المجاورة كاليونان والهند وفارس؛ وفي هذا العصر سطت علوم اللغة والدين والفقه والتفسير والشعر والأدب والكيمياء والرياضيات …ألخ، وكانت الشيخوخة قد بدأت تتمكن من الدولة العباسية، وسرت العلة في أطرافها، وتكالب الكثيرون على المال والجاه والسلطان؛ وفي وسط هذه الظروف والأحوال تتلمذ أبو العلاء وبدأت رحلته مع العلم وكان العلم هو قضيته التي وهبها جل حياته

الطريق إلى بغداد

     في السادسة والثلاثين من عمره تقريباً شد الرحال إلى بغداد وقد فسر البعض هذه الرحلة بتفسيرات منها:

  • أن عامل أو أمير حلب عارض أبا العلاء في وقف له؛ فسار إلى بغداد متظلماً شاكياً.
  • في حين يقول ابن العديم إنه رحل لطلب العلم والاستكثار منه، والاطلاع على الكتب التي ببغداد
  • وربما يكون الرأي الأخير هو الرأي الأولى بالثقة والاحترام لأنه من ناحية أقرب إلى زهد أبي العلاء، ومن ناحية أخرى فهناك خطاب له إلى خاله “على بن سبيكة” يؤكد المعنى السابق إذ يقول: “والذي أقدمني تلك البلاد فكان دار الكتب فيها”
  • في حين يرى د. طه حسين أن حب العلم؛ وطلب الشهرة؛ وسعة العيش؛ وبغض الحياة السياسية في حلب؛ وما ألت إليه من الاختلاف والمحن والفتن؛ هي التي كونت في نفس أبي العلاء عزمه على الرحلة من بلاد الشام إلى العراق

مقر الخلافة وقلعة الثقافة

     كانت بغداد هي عاصمة الخلافة العباسية؛ ومقر الأشراف؛ وملتقى الأمم من عرب ومن عجم؛ وقبلة العلماء والأدباء والرواة؛ ومنها مجالات الأدب والمناظرة والوعظ؛ وعلى هذا فإن كل إنسان كان يهواها التماساً للعلم؛ أو الرزق؛ أو الشهرة؛ أو تقربا من الخلافة؛ وكانت ببغداد مكتبتان عامتان إحداهما “بيت الحكمة” التي أسسها هارون الرشيد وهي خزانة العلماء؛ أما الثانية فهي مكتبة سابور “سابور بن أزدشير” وزير بهاء الدولة في الكرخ سنة 381 للهجرة؛ وسميت هذه المكتبة كذلك باسم دار العلم؛ وكان عبد السلام بن الحسين البصري العالم باللغة والأدب والقرآن أمينا عليها؛ وكان صديقاً لأبي العلاء وعرض عليه ما بها من كتب؛ هذا بالإضافة إلى العديد من المكتبات الخاصة منها مكتبة ابن صاحب النعمان ومكتبة الفتح بن خاقان وغيرهما.

   وفي بغداد كان يسعى إلى دروس العلماء ومجالسهم كما يسعى الند إلى الند؛ والنظير إلى النظير؛ كما اشترك في المجامع الأدبية الخاصة والعامة فكان يحضر المجلس الفلسفي الذي كان يعقد كل يوم جمعة بدار عبد السلام البصري.

إلا المرتضى والربعي

  وفي مسجد المنصور كان الشعراء ينشدون قصائدهم؛ وكان “أبو العلاء” يحضر هذه المجالس وربما كان ينشد أشعاره فيها؛ وكان يحضر أيضاً مجلس “الشريف المرتضى” وكانت صلته بهذه الأسرة قوية إلى حد ما؛ إلا أن المرتضى كان يكرهه في حين كان هو يحمل له الود والحب، بل كان يرى فيه أشعر المحدثين، ويفضله على بشار ومن بعده كـ “أبي نواس” و”أبي تمام” إلا أن ذلك لم يغير من رأي المرتضى وموقفه منه واخذ يتتبع عيوبه، فقال “أبو العلاء” في إحدى الندوات لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قوله ” لك يا منازل في القلوب منازل” لكفاه ذلك فضلاً؛ فغضب المرتضى وأمر بإخراجه، ويقول المؤرخون ” فسحب برجله حتى أُخرج”؛ ثم قال المرتضى للحاضرين: أتدرون لم اختار الأعمى هذه القصيدة دون غيرها؟؛ قالوا لا؛ قال إنها إنما عرض بقوله:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص

فهي الشهادة لي أني كامل

     وهكذا بدأت أولى الصعوبات التي واجهت أبا العلاء في بغداد؛ على أنه لم يترك بيتاً من بيوت العلم ببغداد إلا وقصده ولا مجلساً من مجالس الأدب إلا وحضره؛ وقد أقر له البغداديون بحفظه وعلمه باللغة، كما شهدوا بأنه شاعر أصيل مبدع.

      وإذا كان أبو العلاء قد أراد أن يطيب له المقام ببغداد إلا أن الظروف لم تسعفه؛ فيذكر أنه لما قدم بغداد دخل على “علي بن عيسى الربعي” ليقرأ عليه شيئاً من النحو؛ فقال له الربعي: ليصعد الاصطبل، فخرج غاضباً ولم يعد إليه!

   ويروى أيضاً أنه دخل يوماً ما مجلس المرتضى فعثر بإنسان؛ فقال له من هذا الكلب؟؛ فرد عليه أبو العلاء بقوله: بل الكلب هو من لا يعرف أن للكلب سبعين اسماً؛ فثار المرتضى وتعقب له، ورد أبو العلاء عليه.

    ولعله بعد كل ذلك قد أصبحت حياته لا تستقيم ببغداد لأن أخلاقه لم تكن أخلاق الرجل ألاجتماعي الذي يستطيع أن يأخذ من الناس وأن يعطيهم، وإنما كان دقيق الحس، رقيق الشعور؛ سريع الثأر؛ سريع رد الفعل؛ ولعل قضيته مع الشريف المرتضى؛ ومع أبي الحسن الربعي لدليل على ذلك؛ فإذا ما أضفنا على ذلك شهرته التي نالها في بغداد والتي لم يظفر فيها إلا بالحسد من جانب أقرانه؛ لأدركنا انه لم يكن له في بغداد من مقام ولا حتى أمل في مقام!

 التفكير في العودة

     كان لإدراكه في التقشف؛ مع قلة ماله وحنينه إلى أمه في المعرة أن أخذ يصغى بملء وجدانه الجريح إلى قصيدة كان أخوه قد أرسلها له وسأله العودة ناقماً على بغداد أن اجتذبت ببريقها الخادع ذلك الماجد الأبي الكريم ومن أبيات تلك القصيدة:

أنت العروس يروق ظاهر أمرها           

وتكون شيئاً في اليقين وعاراً

شغفا بدار العلم فيك وقلبه                   

مازال رتعاً للعلوم وداراً

     إلى أي مدى كان أخوه يحس بما يقابله أبو العلاء من مصاعب وألم؛ وهكذا فقد عزم على الرحيل؛ لأنه ذلك الإنسان الذي لا يملك إلا سلاحاً واحداً مغلولاً؛ في حين كان لأعدائه أسلحة أخرى تغلب سلاحه ولا يملكها هو؛ منها المكر؛ ولؤم النفاق؛ ومرونة في الخلق والطبع؛ ويقول أبو العلاء: “وقد كنت أظن أن الأيام تسمح بالإقامة لي هناك فإذا الضاربة أحجا بعراقها؛ والخادمة أبخل بصربتها (الصربة واحدة الصرب وهي اللبن الحقين الحامض)، والعبد أشح بكراعه، والغراب أضن بتمرته!  وبدأت رحلة الإياب نفسياُ وهو ما يزال في العراق ويفكر في المعرة؛ فودع بغداد وداع محزون لفراقها؛ وحدد تاريخ عودته من بغداد باليوم والشهر والسنة فقال في رسالة إلى أخيه وسرت عن بغداد لست بقيت من شهر رمضان وذلك عام 340 للهجرة؛ بعد فترة حافلة من حياته قضاها في بغداد التي حزن كثيراً لفراقها؛ على الرغم مما ألم به فيها؛ وتقدر هذه المدة بحوالي عام وتسعة أشهر لقد ذهب إلى بغداد للاستزادة؛ فصار فيها ندا للجميع من أقرانه؛ وليس هناك من دليل على ذلك أكثر من اعتراف أهل بغداد بذلك.

وأمضى لياليه في طريق العودة يجتر الذكريات حتى بلغه نعي أمه ولم يكن قد وصل بعد؛ فكان لذلك وقعه المؤلم في نفسه المعذبة بالألم والحزن، وآب الضرير إلى بيته.

(محمد جراح كاتب وروائي وإعلامي مصري وعضو اتحاد كتاب مصر)

 المراجع

  1. د عائشة عبد الرحمن؛ أبو العلاء المعري؛ أعلام العرب؛ العدد 38 عام 1965م
  2. د طه حسين؛ تجديد ذكرى أبي العلاء؛ القاهرة 1951م
  3. د عبد المجيد دياب؛ أبو العلاء الزاهد المفتري عليه؛ القاهرة 1986

الحاج واريان كونات كونج أحمد: الرجل الحديدي لولاية كيرلا

محمد ارشاد ( الجامعة الإسلامية بشانتابورام، كيرالا)

كلما جاب المستعمرون بلادا ارتفعت الفتن والفساد في جميع الأصقاع التي رست سفن أساطيل المحتلين، وأزاحوا أمن المواطنين أينما نزلوا، ونهبوا أموالهم، وسلبوا شرفهم، وسطوا على معايشهم، وحرّش المحتلون الغزاة بين المجتمعات التي كانت تعيش مئات السنين بمشاعر من الود والمحبة والوئام، وزرعوا في قلوبهم فتنة التفرقة الدينية وفكرة التعصب الطائفي. فعاش الناس تحت سلطتهم مستضعفين ومضطهدين. بينما اشتدت أعمالهم الشنيعة القبيحة فكّر المواطنون عن الانفكاك من ظلمهم ورغبوا في استقلال بلادهم من أيدي المستعمرين، وانتهجوا سبلا لمجابهة أعدائهم، ومن أهمها مقاومة الملباريين ضد الإمبراطورية البريطانية في عام 1921 تحت قيادة الشهيد الحاج واريان كونات، ولا نخط تلك الأيام والذكريات إلا بماء الذهب وسيبقى اسم هذا الأمير جزءا لا ينفك عن تاريخ صراع الملابار في سبيل تحرير البلاد.

أبصر الشهيد الحاج واريان كونات النور عام 1866في قرية نيلي كوت القريبة من منجيري في مقاطعة ملابرم، وهو سليل الحاج محي الدين كوتي الذي ناهد عدوه الإمبراطورية البريطانية بكل شدة، وما استكان أمامهم ولا استسلم طول حياته حتى رحل إلى جوار الله تعالى. ووالدته كونجي عائشة التي ربّت أبناءها تربية دينية وأشعلت في نفوسهم شهاب الجهاد ونار النضال، وعوَّدَتْهم زيارة مقبرة الشهداء واستماع غناء ملحمي لغزوة بدر وغناء ملحمي لحرب مالابرم، وهذا شجّعه على الانتقام على أفعال المستعمرين. وكانت أسرة أحمد مشهورة بالتضحية نفوسهم لتحرير البلاد، وعائلته لها باع طويل في ساحة القتال حتى استشهد بعض منهم في سبيل الجهاد وطُردوا إلى أماكن بعيدة،كان أحمد تقيا لله تعالى في سره وعلانيته، وعادلا في حكمه، ومجالدا لأعدائه، مما استحق به بجدارة للقب ’الرجل الحديدي‘ نظرا إلى شجاعته ومغاورته. تعلّم أحمد من كونجي كمّو مولاّ العلوم الدينية الابتدائية ثم التحق بمدرسة المسجد الجامع ولّونكاد وتلمذ على علي مسليار. أثّرت مصاحبة علي مسليار في نقاوة قلبه وصفائه وإرشاده إلى درب الحق والصواب، ومكّنت ملكته في القراءة وقدرته على الكتابة في اللغة المليالمية وهي اللغة أمّه والانجليزية والعربية، وسياحته إلى بلدان مختلفة من توسيع آفاقه العلمية في فنون متنوعة، ورحلته للحج وحياته في مكة المكرمة أثّرت في علمه وفكره، واحتكاكه مع العلماء من أنحاء العالم أظهر له أفكارا جديدة ونقّى آراءه من الرطب والثمين.

نشأ أحمد شاهدا لفضائح أعمال المستعمرين على أراضيه وأعراض أهله، واستغل الإقطاعيون الفلاحين المتخلفين مع البريطانيين بزيادة الضرائب والاعتداء على أراضيهم وتعيينهم في الأعمال الشاقة دون شفقة، هكذا يطول ظلمهم حتى يكل لسان على ذكر جميعها. وفي عام 1920 أوغسطس 18 قدم مهاتما غاندي ومولانا شوكة علي إلى كالكوت من أجل ترويج حركة الخلافة والمؤتمر الوطني الهندي وترسيخ التضامن بين المسلمين والهندوسين. شارك الحاج واريان كونات معهم وانضم في حركتهم حتى صار داعية إلى حركة اللاعنف والعصيان المدني، ولكن فهم الحاج واريان كونات أن خطوات غاندي لا تضر بأعدائهم بل تزيد الطين بلة. وكانت هذه الأوقات صاخبة بالأحداث الجسام حيث عذّب البريطانيون المساكين عذابا شديدا، واعتدوا عليهم كل الاعتداء حتى تجرؤوا على اعتقال زعيم الخلافة علي مسليار. ومن هنا ثارت الثورة غضبا على فظائع تصرفات المعتدين ودار رحى الحرب بينهم. تخلف واريان كونات من حركة الخلافة آنذلك، وجمع الناس وخاطبهم عن حاجة الجهاد وتحرير البلاد، وانضم الفلاحون والمتخلفون وكل من عاشوا عيشة رديئة تحت قيود المستعمرين، وأثر كلام الحاج واريام كونات المصقع في قلوب آلاف من الناس، عزموا أن يوقفوا البريطانيين في حدهم، واحتشد المسلمون والهندوس أن يقاتلوا ضد المعاندين وانخرط كثير من الناسفي جيشه الذي واجه العدو وأبلوا بلاء شديدا وجعلوا الحاج واريان كونات قائدا لهم وأصبح كمثل النجم الذي يسري به الساري. ترأس متقاعدون من الأعمال العسكرية لتدريب الجنودية الذين احتشدوا في صفوفه على استعمال الأسلحة العسكرية، وقد أقض على البريطانيين مضجعهم التحام المواطنين وشرّد نوم الإقطاعيين قلقا.حاول الحاج أن يجمع الهندوس تحت مظلته لتقوية جيشه عددا وقوة، وكان أول خطوة الجيش هجوم مركز الشرطة قصدا على اقتناء أسلحة حديثة كالبندقية والخناجر، ولما اضطرمت نار الحرب تأبّق الجيش البريطاني من عيون المناضلين وانسحبوا من ميدان الحرب ولاذوا إلى ملاجئهم خوفا من المقاتلين. أسس الحاج واريان كونات دولة تسمى ’الحكم الموازي‘ بعد الاصطدام بالبريطانين ومناوشات كثيرة، وكان عمره آنذلك خمسة وخمسين تقريبا، وصار واريان كونات زعيما لهم وتولى السلطة من المستعمرين وتولى لجام الحكومة حتى يمتد حكمه إلى ستة أشهر، وكل العجب أنه استولى على البريطانيين عندما تسلطوا على ربع العالم، حتى اتصف الصحافي البريطاني بذلك كأنه غربت شمس الإمبروطورية في مالابار وافتقد عرش سلطتهم فيها.

عاش الناس خلال هذه الفترة عيشة راضية وحياة طيبة، مبعدين عن آلام العذاب والأوجاع، وكسبوا معايشهم بدون الغش، وتملكوا الدار ليمكثوا بها والأرض ليزرعوا فيها، واضطر المحاربون المواطنون في ساحة الحرب أن يقاتل مع ثلاث طوائف من البريطانية والإقاطعيين من المسلمين والهندوسين كل من يؤثرون المال والمصالح الشخصية على الوطن وحريته. خلال الحرب نشروا أكاذيب وافتراءات عارية من الحجج. ومن خطيرتها: وقد أشاعوا أن الحاج واريام كونان يجبر الهندوسيين على اعتناق الإسلام ويكرههم على تبديل دينهم ويحاول لبناء دولة الإسلام ويقود حملة قتل الهندوسيين، وكانت نتيجتها أن انتشرت الأكاذيب والإفتراءات التي لا أساس لها من الحق. والحقيقة أنه كان ضد إجبار الهندوسين على اعتناق الإسلام وكان يعاقب كل من يثير الفوضى في المجتمع والتفرقة بين الديانتين، ووضع حد قطع اليد لمن يسرق أموال الهندوسين وتعذيابات شديدة على من يهتك حرمة الأديان وأعراض النساء.

وكان المعسكر البريطاني يتحين الفرصة للقضاء على الجيوش المحاربين ويسعى على قتلهم وعلى رأسهم هيج كوك، ونصبوا الأفخاخ في كل البقعات من أجل الوصول إلى هدفهم، وفي عام 1992 يناير 6 قبضت الشرطة البريطانية بطلنا الحاج واريام كونان بالخيانة، وربطته بالسلاسل، وجرتّه مقيدا عبر الطريق. وفي عام1922 يانير 20 الساعة العاشر صباحا أطلقت عليه ومن معه الرصاص بعد حسابهم في المحكمة البريطانية، وأحرقوا جثته مع الوثائق والبيانت ليمحوا آثار حياته وحركاته من وجه الأرض. واستقبل الحاج واريام كونان الشهادة بكل سعادة وطمأنينة. وكان كلمته الأخيرة التي اسفرت لنا عن صموده وعزته: ’نحن نتمنى أن يكون موتنا بالعزة، سمعت أنكم تنفذون حكم الإعدام بستر العيون وإطلاق النار من الخلف، وآخر أمنيتي أن تطلقوا النار على صدري من الأمام دون ستر عيوني‘.