فإن الدروس القصيرة أكثر وقعاً على النفوس
قريب الله محمد الباز السنهوري
ضمن زياراتي المتكررة لمكتبة قطر الوطنية (الدوحة –قطر) دائما تكون هناك مفاجأة، وهي ربح على حصيلة زياراتي، أحيانا ألتقي بوجوه اعتدت على مقابلتها، أحيانا ألتقي بصديق حجبتني مشاغل الأيام من اللقاء به، وأحيانا تقع عيني على كتاب بعنوان جديد يكون حافزاً لي للمرة القادمة.
فاليوم وقبل أن أبتدر قراءة صفحات كتابي المُختار، جلس مقابلاً لي رجل وضيئ بابتسامة يملؤها اللطف تحدثك بلسان الحال أنت أقرب من في المشتركات وحبال التواصل بيننا، وبالفعل ألقى علي التحية بلسان عربي مبين. فرددت له التحية وختمتها “بصديق” هو د. محمد صباح الوتودي من الهند، أحد حراس اللغة العربية تحدثاً وكتابة وتدريسا وتبليغاً لها عبر مجلته الإلكترونية ” مجلة اللغة “
فجمعت دفتي الكتاب وفتح الرجل لي قلبه ليعبر عن حبه للغة الضاد. فالرجل مع الفصاحة يجيد أصول الحكاية خفيفة الظل باللغة الفصيحة مما جعلني مستمعاً جيدًا له. فهي دقائق معدودة ولكنها فتحت أنهار من التعارف وجداول من المثاقفة،..فإن الدروس القصيرة أكثر وقعاً على النفوس حقاً..
ومن ضمن تبادلنا في الحديث أخبرني برغبته القوية في أن يتعود لسانه على التكلم مع العرب لتعزيز لغته وبعض اللهجات، فسررت باختياره إياي وكثير من العرب يجلسون في المكتبة من حولي. فدارت بيننا مناقشات حول اللغة العربية خاصة واللغات عامة. فقلت له “إن اللغة لها وظائف وغايات وحدود. ومما لايخفى على شريف علمكم وشرف قدركم فإن اللغة العربية لها غاية، فالحد الأدنى من تعلمها هو التواصل والتخاطب بمفهوم المعرفة التامة وأرفعها شأنا وأسماها هو معرفة المراد عموماً والمخصوص منها لمعرفة القرآن وعلومه. فقد أسندت لها هذه المهمة بلا منازع كما لم يكن في اللغات الأخرى حول العالم المعروف والمجهول منه والتي تعتمد في المقام الأول على الترجمة فأعلم أن المنقول ناقص وإن كمل، فاللغة العربية هي سند المعرفة والإدراك الكامل في التفاسير لمعرفة بيان القرآن الكريم فذاك شرف آخر تقلدته لغة الضاد على ماهي عليه من رفعة، ونجد أن طلاب اللغة هم أكثر الناس ذوقاً وأرهف إحساساً فإن تعبيرها مريح للنفس وكلماتها جذابة تبعث في النفس الطمأنينة سواء أن كانت تلاوة أو شعراً أو نثراً أو قل ضرباً من ضروب التعبير المتاح. فمن نصيحتي وأنا الفقير لها هي المبادرة بالانضمام إلى مجموعة الأندية العربية “توستماسترز”. واقترحت له بمتابعة التعليم الإلكتروني في موقع الجزيرة وبعض المواقع الإلكترونية التي تدرج وتنشط في التعليم المجاني للغة لغير الناطقين بها والمبتدئين والمتمرسين ولا غنى عن أشعار العرب استماعاً وقراءة” فالسمع مقدم على القراءة قال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36). سورة الإسراء.
وأخيرًا، قبل أن نغادر جلستنا تلك، مد إلي دفتراً وقال لي “أكتب لي شيئا من علمك” فتذكرت قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حينما سأله رجل عن العلم فأجابه: “إن العلم أكثر من أن أكتب به إليك ولكن إذا استطعت أن تلقى الله كاف اللسان عن أعراض المسلمين، خفيف الظهر من دمائهم، خميص البطن من أموالهم لازما لجماعتهم، فافعل”
فشكرت له حسن ظنه بي (ومازحته سأكتب لك الكثير من جهلي فضحك) فجبرت خاطره بكلمات كانت سبباً لهذا المقال ولا يعلم أنه كان معلمي قبل أن يطلب مني شيئا أكتبه له على دفتر مذكراته الجميل والذي يحوي مكان لكتابة التاريخ أولًا، ثم مكان مقابلة الأستاذ الضيف واسم الأستاذ، بعده موضوع الدرس. فكتبت له “طالب علم” تحت الإسم وبعض ما جاء في صدر المقال أو نحو الموضوع “تعارف” وأخبرته عن سروري بالتعارف معه وسعادتي بلقائي به مع جزيل الشكر وأزيد الشكر شكراً لله ومن ثم بالتحية لك صديقي العزيز دكتور/ محمد صباح، أسأل الله أن يبارك جهدك ويجعلك نوراً يستضاء به ومهنداً لهذه اللغة ناصراَ لها. والحمد لله الذي جعل من بين الأعاجم من هم أكثر عروبة.
شكرا جزيلاً
دامت مودتي لكم