رحيل تحت أزيز القصف: شهادة على ليلة الغارة

غادرت وزوجتي التي رافقتني طيلة أيام الحرب بيتي فجر يوم السبت الثامن والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر، في تمام الساعة 4:20 فجراً، قبيل آذان الفجر بساعةٍ ونيفٍ، وذلك بعد عشر ساعات من الغارة العنيفة، غارة المطارق، التي استهدفت سماحة مقر إقامة السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله.

لما كان بيتي لا يبعد أكثر من 500 متراً عن المكان الذي استهدف بالغارة، وكان من السهولة علينا أن نرى من شرفة منزلي الشارع العام المؤدي إلى المقر المستهدف، فقد شعرنا بقوة الانفجار، الذي عصف بالبيت فاهتزت جنباته، وتحرك من مكانه لشدة الانفجار الكنب وأثاث البيت، الذي لم يهتز أو يضطرب، بل تزلزل وتحرك من مكانه علواً وانخفاضاً.

استمرت الغارة 100 ثانية، كانت كافية لنا أن نفكر فيما يحدث، وأن نتساءل ما الذي يجري، ولم يكن يدر في خلدنا أن الغارة بعيدة عنا، فقد ظننا أنها استهدفت بيتنا، أو محيط سكننا، وأن البيت لا شك قد قصف، وأنه عما قليل سينهار بنا وعلينا.

لكن المائة ثانية كانت كفيلة بأن نلتقط أنفاسنا، ونغادر صالون البيت الذي شعرنا به يضطرب تحت أقدامنا، وأقبلت علي زوجتي جزعة لكنها كانت للحق واثقة، فعانقتني وقالت نستشهد معاً، لا نفترق عن بعضنا ويستشهد أحدنا دون الآخر، وعانقتني لا خوفاً، بل يقيناً أن ساعة الأجل قد حانت، وأن الشهادة دنت، فأرادتها أن تكون لنا معاً، وسكنت طيلة ثواني القصف، وران الصمت بعدها، ولزمنا مكاننا ولم نتحرك، بل لم نجرؤ أن نفتح الشرفة ونطل منها إلى الشارع، إلا بعد أن سمعنا أصوات الجيران، وحركة السيارات، والأبواق العالية، والدخان الكثيف المنبعث من هناك، من مكان الغارة.

توقفت الغارات، وغابت الطائرات، وبدأت وسائل الإعلام تتناقل الأخبار وتتكهن، كلٌ يعلن أن المستهدف فلان أو فلانٌ، ولكن أحداً لم يكن يتوقع أو يتجرأ أن يتوقع أن المستهدف بالغارة كان سماحة السيد حسن نصر الله.

كانت الغارة قبيل أقل من ساعة من آذان المغرب، صليت وزوجتي صلاة المغرب جماعةً معاً، فكانت صلاة خوفٍ وكانت سكينةً في آن، إذ توقفنا عن التفكير، وعجزنا عن القرار، ولكن شوارع المنطقة لم تخل من المغادرين، ومن سكان المنطقة “الهاربين خوفاً، فقد كانت الغارة حقاً مروعةً جداً.

ولما كان الكثير من أصدقائي وإخواني يعرفون أن بيتي يقع قريباً من مكان الغارة، وهو في قلب الضاحية الجنوبية، بين برج البراجنة وحارة حريك، فقد انهالت علينا الاتصالات من لبنان ومن خارجه، من بناتي المقيمات مع أزواجهن في تركيا، والثالثة المقيمة وزوجها في الشويفات، قريباً من الضاحية الجنوبية لبيروت، التي لم تسلم بعد ذلك من الغارات الإسرائيلية.

توالت الاتصالات من كل الجهات، حتى أن أهلي وأهل زوجتي في غزة، رغم ظروفهم الصعبة، والحرب الهمجية التي يشنها العدو عليهم، وحالة النزوح المتكرر التي فرضت عليهم أكثر من مرةٍ، حتى غدوا جميعاً بلا بيوت تؤويهم، ولا مكانٍ يجمعهم، في ظل الجوع والخوف والحرمان، إلا أنهم شعروا بالخوف علينا وأصروا على أن نغادر المنطقة، التي يبدو أنها ستكون في الأيام القادمة خطرة، وستكون مرشحة لمزيدٍ من الغارات وعمليات القصف المستمرة، واستغلت ابنتي وزوجها إصرار أهلي في غزة على مغادرة بيتي، فكثفا اتصالاتهما، وألحا علي بطريقةٍ لم أتمكن بسببها من إخفاء ضيقي وتذمري من إلحاحهما، إلا أنهما أصرا وواصلا اتصالاتهما.

لم نصغ السمع لأحد، وقررنا كلانا، أنا وزوجتي أن نبقى في بيتنا ولا نغادر، وأن ننتظر حتى الصباح، فقد تهدأ الأحداث وينقشع الغبار عن حقيقة ما جرى، وأيدني أحد الأخوة الثقات إذ التقيته في مسجد الحي في صلاة العشاء، فأشار علي ألا أغادر، وأن الغارة يتيمة، ولن يكون لها ما بعدها.

لكن صديقي هذا الذي نصحني بالبقاء، غادر بيته والمنطقة قبل منتصف الليل، بعد ساعاتٍ قليلةٍ من نصحه لي بالبقاء، ورغم مغادرته وأنا أثق فيه، فقد آثرت البقاء في البيت، في حين أن كل جيراني قد غادروا المبنى، وسكان الحي قد أخلوا أماكنهم.

لكن زوجتي التي نزلت عليها السكينة، وبرد قلبها لقرارنا بالبقاء، أسكتت بناتها، وردت على المتصلين علينا بإلحاحٍ للمغادرة، وأخبرتهم أننا سنبقى ولن نغادر، ونحن نشعر بالراحة لقرارنا، وقد سلمنا أنفسنا لله، وأودعناه حياتنا وأرواحنا، ونحن لسنا أغلى من أهلنا في غزة، وأرواحنا ليست أعز على الله عز وجل من أرواحهم الطاهرة البريئة، ولا أغلى ممن يسقطون في لبنان انتصاراً لغزة ونصرةً لفلسطين ومقاومتها الشريفة.

للحق فإن زوجتي قد ساعدتني في قراري بالبقاء، ساعدتني بقبولها وتسليمها، وبصمتها وطمأنينتها، وتوكلها على الله سبحانه وتعالى، واستحضارها لأهلها وأهلنا جميعاً في قطاع غزة، ومن أهلها وأهلي في غزة من سقطوا شهداء وارتقوا إلى العلياء، فما كان منها إلا أن أصابها النعاس وكأن الله عز وجل قد بعثه عليها فنامت، واستغرقت في نومها وسلمت أمرها لله عز وجل ولم تدر ما يدور حولها.

خلال نومها، ولساعاتٍ ثلاث، لم تتوقف الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، في محيط بيتنا وبالقرب منه، وفي حينا والمناطق المجاورة، غاراتٌ عنيفةٌ جداً، وأصوات صواريخ المسيرات أكاد أسمع أزيزها قبل أن تنفجر، وقد كثرت الانفجارات وتكثفت الغارات، وأصابني التوتر الشديد من كثرة اتصالات بنتي المقيمة في الشويفات، التي كانت تسمع وترى، فأصابها الخوف والقلق علينا، فألحت في اتصالاتها، وضغطت علي بمكالماتها، فقررت إهمال اتصالاتها، وعدم الرد عليها، بينما زوجتي تنام بالقرب مني، وكلما سمعت أصوات القصف أو شعرت بغاراتٍ تهز أركان البيت، لا أجد إلا أن أضمها إلي لئلا تسمع شيئاً، ولئلا تستيقظ من نومها مذعورةً خائفةً.

لكنها فجأة استيقظت، وكانت الغارات قد اشتدت وتواصلت، وعادت ابنتي وزوجها للاتصال بنا بإلحاحٍ من جديد، وقد كان زوجها يرقب من منزله المرتفع نسبياً في الشويفات، ويرى الأماكن المستهدفة من الغارات والأماكن المقصودة، فأصر بدوره على أن الأوضاع باتت خطرة، وأن الخروج والمغادرة باتت ضرورية، لكننا لم نكن نستطيع المغادرة في هذه اللحظات لو أننا قررنا، فالغارات كانت كثيفة ومتوالية، وقاسية وعنيفة، وبعضها كان مزلزلاً ومرعباً.

اتفقت وزوجتي على أن نغادر في الصباح مهما كانت الظروف والأوضاع، وأن نبقى الليلة في بيتنا رغم أنه لم يبق أحدٌ في المبنى غيرنا، لكن هدوء القصف لدقائق طويلة، وتوقف الغارات فجأة، دفعنا لأن نفكر في مغادرة البيت بسرعةٍ، لكننا لم نبلغ أحداً بقرارنا، ولم نتصل بأحدٍ نخبره بعزمنا، فجمعنا القليل من متاعنا، وبعض حاجاتنا الخفيفة التي ظننا أننا نستطيع حملها، ونزلنا من البيت بارتباكٍ واضطرابٍ، حتى أن بعض أغراضنا قد سقطت على درج المبنى وتدحرجت وفسدت.

وهكذا خرجنا وغادرنا بيتنا في ضاحية بيروت الجنوبية ………

تبرز إسهامات الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي في ميدان الأدب العربي الإسلامي

خلاصة المقالة :

الشيخ الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي وخدماته الجليلة التي قدمها في مجال الدعوة والأدب والصحافة والذود عن الإسلام والمسلمين سواء في الهند أو خارج الهند ، وذلك بمقالاته وكتبه ومؤلفاته ، فكان رئيس تحرير جريدة ” الرائد ” ورئيس التحرير المشارك في مجلة ”البعث الإسلامي ” الصادرتين من ندوة العلماء ، لكناؤ من شمال الهند .

لقد أنجبت الهند عدداً لا بأس به من العلماء والأدباء والفقهاء والمحدثين والمفسرين الذين ذاع صيتهم في جميع البلدان الإسلامية بفضل مؤلفاتهم القيمة ، الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي أحد الأعلام البارزين المعاصرين الذين لهم سمعة طيبة في الأوساط الدينية والعلمية والاجتماعية داخل الهند وخارجها ، ويعتبر من كبار الكتّاب والصحفيين والمدرسين بالهند ، بل يضاهي في كتاباته الصحفية كبار الصحفيين العرب ، وقد نبعت من قلمه الكثير من المؤلفات والمقالات في الأدب والسيرة والصحافة وغيرها .

نسبه ومولده ونشأته وتعليمه :

ولد الأستاذ محمد واضح رشيد الندوي في عام 1932م ببلدة ” رائي بريلي ” في ولاية أترابراديش في شمال الهند ، وهو ابن أخت أبي الحسن علي الحسني الندوي والأخ الشقيق للشيخ محمد الرابع الحسني الندوي ، ولد الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي في أسرة طيبة ، فتربى على يد خاله سماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله ، درس العلوم الابتدائية في بيته وتلقى العربية والدراسات الإسلامية في دار العلوم ندوة العلماء ، لكناؤ ، ثم حصل على الليسانس في الإنجليزية من جامعة ” علي كراه ” الإسلامية ، ويعتبر من كبار الكتّاب والصحفيين والمدرسين بالهند ، قضى صبح حياته عام 1932م في بيت علم وتقى    ودين ، وفي أسرة ينتهي نسبها إلى سيدنا الحسن رضي الله تعالى عنه  ، وعمل في الإذاعة الهندية في القسم العربي لمدة عشرين سنة خلال الفترة    ( 1953 – 1973م ) ، له خبرة واسعة ومهارة كاملة في الترجمة ، قد توسعت معرفته السياسية والإجتماعية ، وبرع في الإنكليزية ، ونبغ في    الصحافة ، وقد استعرضت في المقالة مع قليل من الشرح لبعض أساتذته وتلاميذه .

بدأ حياته العملية بالقسم العربي بإذاعة عموم الهند بدلهي من عام 1953م إلى عام 1973م كمذيع ومترجم من الإنجليزية إلى العربية ، ومن خلال إقامته بدلهي وعمله في الإذاعة الهندية ، درس العلوم السياسية ، والاجتماعية ، ووسع ثقافته الإنجليزية ، ومعرفته عن سياسة الغرب ومجتمعاته ، وما حدث فيها من ثورات وانقلابات في مجالات الحياة الإنسانية في العصر الحديث ، وقام بنقل عدد من المقالات والبحوث العلمية والسياسية ، والتمثيليات ، والقصص العربية التي أذيعت من دلهي وعدد من الإذاعات العربية . وكانت هذه الفترة تمثـل مـرحلةً فاعـلةً في مشـوار حيـاته ، إذ سنحت له الفرصـة للتزود من العلوم السياسية والاجتماعية ، والإنجليزية واطلاعة على الغرب ومزايـا مجتمعاته والمشـاكل التي تعيشها وما طرأ عليها من ثورات وانقلابات ،  وأصبح أحد هيئة التدريس في دار العلوم ندوة العلماء بلكناؤ في سنة 1973م في مجال اللغة العربية والعلوم الإسلامية ، ومنذ ذلك الحين وإلى اليوم وهو يكرس حياته لمهمة تدريس العربية ، وفي تلك الأثناء عين عميداً لكلية اللغة العربية وآدابها بدار العلوم ، كما عمل مديراً للمعهد العالي للدعوة والفكر الإسلامي ، وفي عام 2006م تولى رئاسة الشؤون التعليمية لندوة العلماء ، وذلك إثر وفاة رئيسها السابق الدكتور عبد الله عباس الندوي .

وأما عن الدور البارز في حياته العملية ، فيعتبر صحفياً بارعاً في مجال الصحافة العربية الهندية ، حيث يعمل رئيس التحرير لصحيفة الرائد ورئيس التحرير المشارك في مجلة البعث الإسلامي الصـادرتين من ندوة العلماء ، وقد وُفق الشيخ لإدارة فن الصحافة في أحسن صورة ، ويمكن القول إنه يضـاهي في كتاباته الصحفية كبار العرب عند تقديمه للموضوعات وتحليلها وتوجيه المجتمع وتبصيرهم وتوعيتهم بكل ما يحدث صغيراً وكبيراً في أنحاء العالم ، وكتاباته المستمرة التي تزيد بها صفحات الرائد والبعث الإسلامي وعدد من الصحف الهندية    والعربية ، تتمثل فيها مقدرته الفائقة وصنـاعته المتقنة في هذا المجال

دور الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي في الصحافة العربية الهندية :

يقوم الشيخ السيد محمد واضح رشيد الندوي بدوره القيادي في الصحافة العربية الهندية المعاصرة ، ويشهد بذلك المئات من الصفحات التي أثراها الشيخ بمقالاته وأفكاره وتعليقاته وانتقاداته التي تتفجر معانيها وكلماتها من قلبه وقلمه تلقائياً من دون أن يتكلف فيها . ويعد الشيخ في زمرة العلماء الذين أوتوا فهما واسعاً واطلاعاً نافذاً وقلباً واعياً وذاكرةً قويةً ، إلى جانب اطلاعه على الثقافتين الشرقية والغربية . وقد نجح تماماً في تقديم المحاسن الأولى التي أساسها الوحي الإلهي والشريعة السماوية ، كما دحض المزاعم الباطلة التي يقوم بالدعاية لها رجال الثقافة الغربية . وكتاباته في مجلة البعث الإسلامي تحت عنوان ” صور وأوضاع ” تعبر عن مواكبته كل ما يجري في الأوساط السياسية والاجتماعية ، مما يجعل القارئ يعايش أحداث العالم ، وقد خصَص هذه الصفحات ليتصدى لمن يحاول العبث بالدين والشريعة ، والقيم والأخلاقيات ، والإنسان والإنسانية خاصة القادة والمفكرين الغربيين الذين يتحدثون دائماً من منطلق القوة الكاذبة والتفوق المزوَّر . يظل الأستاذ واضح رشيد الحسني قائماً بخدمات التدريس والتأليف والكتابة الصحفية منذ 1973م بدار العلوم ندوة العلماء لكناؤ ، وتقلد مناصب عاليةً بها ، فأصبح عميد كلية اللغة العربية وآدابها ومدير المعهد العالي للدعوة والفكر الإسلامي ورئيس شئون التعليم.

خدماته الوظيفية:

بدأ الأستاذ حياته الوظيفية بالقسم العربي بإذاعة عموم الهند بدلهي، واحتل عدة مناصب فيه خلال عشرين سنة من عام 1953 م إلى عام 1973 م، منها منصب مساعد رئيس القسم، ثم عين في منصب مراقب للإذاعة العربية الخارجية،  ثم منصب مذيع ومترجم، فقد قرأ خلال هذه الفترة – التي تحتوى على عقدين – الكتب العربية القديمة والحديثة وتوقف على الحركات والتطورات في العالم العربي وكذلك قرأ كتب الأدب الإنجليزي حيث أكمل الليسانس في الأدب الإنجليزي في هذه الفترة، فمهنته هذه هيأت له الفرص للالتقاء بكبار الساسة والقادة ورؤساء الجماعات والأحزاب المختلفة داخل البلاد وخارجها بصفة خاصة من الشرق الإسلامي أوالشرق الأوسط فقد كان يجري المقابلات والحوارات الصحفية وكان القسم العربي في ذلك العهد استولى عليه المذيعون والمترجمون العرب الذين كانوا منتمين إلى بلدان عربية عريقة مختلفة مثل العراق وسوريا ومصر وفلسطين وكان فيهم أدباء، وقصصيون، وكان منهم صحافيون، فاستفاد الأستاذ الندوي من علمهم وخبرتهم، وذوقهم الأدبي

اشتغاله بالتدريس في ندوة العلماء:

في عام 1973 م تنازل الأستاذ عن منصبه في الإذاعة لعموم الهند طوعا ليفرغ نفسه للخدمات الدينية، ورجع إلى دار العلوم لندوة العلماء لكناؤ، وتم تعيينه في جامعة ندوة العلماء كأستاذ اللغة العرية وآدابها. و منذ ذلك الحين زال يدرس فيها بجانب رئاسته لتحرير صحيفة “الرائد” ورئيس التحرير المشارك في مجلة “البعث الإسلامي” حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. إنه عمل مديرا للمعهد العالي للدعوة والفكر الإسلامي، ثم عين عميدا لكلية اللغة العربية وآدابها بدار العلوم ندوة العلماء. وبعد وفاة الدكتور عبد الله عباس الندوي أختير رئيسا للشؤون التعليمية لندوة العلماء سنة 2006 م.

مكانته في المؤسسات والجمعيات:

-1 الأمين العالم المساعد لمجلس الأمناء لرابطة الأدب الإسلامي العالمية

-2 سكرتير المجمع الإسلامي العلمي، ندوة العلماء، لكناؤ.

-3 عضومجمع أبي الكلام آزاد، لكناؤ.

-4 عضوالهيئة الاستشارية لدار العلوم، بستي.

-5 الرئيس العام لمدرسة فلاح المسلمين، رائ بريلي.

-6 نائب رئيس دار عرفات، رائ بريلي.

الرحلات العلمية:

لقد زار الأستاذ الندوي دول العالم المختلفة واشترك في ندوات ومؤتمرات في بعض الدول والمدن العالمية منها استنبول، والقاهرة، وعمان، ولاهور، وتشانج، ومكة المكرمة، وأوكسفورد، والرياض، والمدينة المنورة، وكذلك زار دولا أخرى منها المملكة السعودية العربية، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، وتركيا، وباكستان وبنجلاديش، وعمان، وبريطانيا، والتقى بمناسبة هذه الرحلات بنخبة العالم الإسلامي من أمثال سعيد رمضان البوطي ،والدكتور عمر فروخ، والدكتور عمر بهاء الأميري وبعض الملوك والحكام أمثال الملك فيصل، والأمير حسن طلال والرئيس الباكستاني فاروق لغاري.

مجلة ” البعث الإسلامي ” :

صدرت مجلة ” البعث الإسلامي ” من ندوة العلماء  ، لكناؤ ، فقد أنشأها الكاتب الإسلامي ورئيس تحريرها الأستاذ محمد الحسني وشاركه الدكتور سعيد الأعظمي الندوي ، رئيس تحريرها الحالي ، كما شاركه الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي ، وهذه المجلة كان من أهدافها :

1)  رفع مستوى اللغة العربية والأدب العربي في الهند

2)  توثيق الصلات الأدبية والثقافية بين المدارس في الهند

3)  بعث الروح الإسلامية والأدبية في الشباب

4)  إنشاء روابط ثقافية بين طلاب المدارس العربية في الهند وشباب العالم العربي

5)  توجيهات رشيدة للطلبة في الدراسة والتعليم [5]

جريدة ” الرائد ” :

صدرت من ندوة العلماء ، لكناؤ ، وهي جريدة نصف شهرية ، أصدرها سعادة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي ( رئيس ندوة العلماء اليوم ) من النادي العربي بدار العلوم لندوة العلماء في عام تسعة وخمسين وتسع مأة وألف ، وقد صدر أول عدد لهذه الجريدة في شهر يوليو عام 1959م . نوجز الأهداف التي تعمل جريدة ” الرائد ” لأدائها فيما يلي :

1)  خدمة الدين الإسلامي والعمل على نشر دعوته

2)  توفير الفرص للطلاب والشباب لتنمية كفاءاتهم وشحذها

3)  التعريف بحركة ندوة العلماء وأهدافها

4)  دحض الفكر المنحرف والضال والكشف عن مواطن الزيف فيه للشباب

5)  السعي لنشر اللغة العربية

6)  تنمية ملكة الكتابة بالعربية عند الشباب وتشجيعهم على المساهمة العملية في الصحافة العربية الإسلامية في هذه البلاد

7)  التعريف بالحركات الدينية العالمية والتعريف بالشخصيات والدوائر الإسلامية العالمية

جريدة ” الرائد ” دخلت في مجال الصحافة برسالة سامية وآداب صحفية مثالية ، وأصدرها أهلها باللغة العربية من إقليم بعيد عن البلاد الناطقة بها ، ولم يكن يدفعهم إلى ذلك الطمع في كسب المادة أو جمع المال بل الهدف الوحيد الذي كان يحدوهم إلى اتخاذ هذه الخطوة هو خدمة الإسلام واللغة العربية ونشرها في أبناء هذه البلاد وديمومة الاتصال غيرها بالعالم الإسلامي الناطق بلغة الضاد ، ثم قد نجحوا في رفع مستواها في المادة المنشورة والمظهر والإخراج ، بحيث إنها بدأت تضاهي الجرائد الصادرة في العالم العربي  . ( كان سعيد الأعظمي من أول المساعدين مع المشرف الأعلى سعادة العلامة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي حفظه الله تعالى ) .

وقد اشتغل السيد محمد واضح رشيد الندوي نائب رئيس تحرير مجلة : ” البعث الإسلامي ” ورئيس تحرير جريدة ” الرائد ” بالإضافة إلى إشرافه لمجلة : ” The Fragrance of East ” الإنجليرية الشهرية الصادرة من ندوة العلماء ، كما عين السكرتير العام للمجمع الإسلامي العلمي لكناؤ ، وبعد وفاة أستاذه الدكتور عبد الله عباس الندوي تقلد منصب رئيس الشؤون التعليمية لدار العلوم ندوة العلماء ، فقد أسبغ الله تعالى عليه قلماً عذباً سلسالاً نال القبول والرواج ، وسيطر على أفئدة    المتذوقين ، وخاصةً حينما يصرصر في العربية الحديثة الحية الرائجة في العصر الحديث ، المقبولة لدى الأذكياء المثقفين ، فمقالاته التحليلية المنشورة في مجلة : ” البعث الإسلامي ” وجريدة ” الرائد ” تحلل الأوضاع الراهنة تحليلاً موضوعياً في ضوء كتاب الله العزيز ، وسنة النبي الكريم رحمة للعالمين ، وقد نبعت من قلمه مؤلفات في الأدب والسيرة والصحافة وما إلى ذلك ، والتي سنقوم بعرضها لاحقاً .

يبلغ عدد كتب الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي 23 كتاباً ، منها 17 كتاباً نشرت من المكتبات المشهورة في الهند ، وترجم الشيخ محمد واضح رشيد الحسني  الندوي كتابين من اللغة الأردية إلى اللغة العربية وخمسة كتب تحت الطباعة ، وأذكر أسماء بعض كتب الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي وهي على ما يأتي :

1)  إلى نظام عالمي جديد

2)  حركة التعليم الإسلامي في الهند وتطوّر المنهج

3)  تاريخ الثقافة الإسلامية

4)  لمحات من سيرة النبوية والأدب النبوي

5)  أدب الصّحوة الإسلامية

6)  أعلام الأدب العربي في العصر الحديث

7)  الإمام أحمد بن عرفان الشهيد

8)  المسحة الأدبية في كتابات الشيخ أبي الحسني علي الحسني الندوي

9)  مصادر الأدب العربي

10)  أدب أهل القلوب

11)  تاريخ الأدب العربي

12)  الدعوة الإسلامية ومناهجها في الهند

13)  مختصر الشمائل النبوية صلى الله عليه وسلّم وصاحبها

14)  الشيخ أبو الحسن الندوي قائداً حكيماً

15)  من صناعة الموت إلى صناعة القرارات [7]

وهناك مقالات أخرى كثيرة في مجلة ” البعث الإسلامي ” كتبت بمناسبات مختلفة وأحوال طارئة ، ولكنها لم تنشر في صورة كتاب ، رغم أن بعض المقالات لها أثر بالغ في النفوس وأهمية كبيرة ، يمكن أن تشكل كتاباً أو كتابين لا يقل أهمية عن مؤلفاته الأخرى التي نشرت ، وسنذكر هنا تلك المقالات التي نشرت في كتبه المذكورة سابقاً ، كتب الشيخ محمد واضح رشيد الندوي العديد من المقالات الأكاديمية والقيمة في مجلة البعث الإسلامي ، ويبلغ عددها حوالي 298 [8] حتى اليوم ، وهذه عناوين بعض المقالات للأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي المنشورة في مجلة ” البعث الإسلامي ” :

1) تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

2)  لا يستقر العدل إلا بنظام مستقل للقضاء

3)  حضارة بلا ثقافة

4)  موقفان متعارضان بين صراع ولقاء

5)  هل تتبع أمريكا خطى الاتحاد السوفيتي ؟

6)  أمة تحارب وتلهو

7)  خمسون سنة للبعث الإسلامي

8)  هل يسيطر الاستعمار على العالم مرة أخرى

9)  مكافحة الإرهاب تتحول إلى وسيلة للاستعمار

10)  بين موقف المسلمين وموقف غيرهم

11)  رفض منطق العقل يسبب الصراعات

12)  جريمة جديدة بعد جرائم عديدة ضد الإنسانية

13)  الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي

14)  جمهوريات ، ولكن بدون الحقوق الديمقراطية

15)  النصرانية في طورها الجديد

هناك مقالات أخرى كثيرة في صحيفة ” الرائد ” كتبت بمناسبة مختلفة ، ولكنها لم تنشر في صورة كتاب ، رغم أن بعض المقالات لها أثر بالغ في النفوس ولأهميتها الكبيرة ، يمكن أن تشكل كتاباً أو كتابين لا يقل أهميةً عن مؤلفات الأخرى التي نشرت ، وسنذكر هنا تلك المقالات التي نشرت في صحيفة ” الرائد ” ، والتي يبلغ عددها حتى اليوم حوالي 471 [9] مقالة ، أذكر عناوين بعض المقالات المنشورة للأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي في جريدة ” الرائد ” :

1)  فرصة لاستثمار الوعي الإسلامي وتنسيق العمل الإسلامي

2)  رائد القوم لايكذب أهله

3)  الإسلام دين الإنسانية والعدل

4)  المواقف التي تحتاج إلى تطوير

5)  رسول الهدى ومتمم مكارم الأخلاق

6)  من النور إلى الظلمات

7)  المجتمع الأوربي أمام تحديات جديدة

8)  أسوة كاملة خالدة للإنسانية

9)  رمضان شهر تزكية النفس

10)  أوربا و نفسية الخوف

11)  الموقف السلبي للإعلام الإسلامي

12)  المحن والشدائد اختبار لمعدن المسلمين وصلاحيتهم للمعالجة

13)  العداء للإسلام حالة طارئة تزول

14)  الدعوة عمل وجداني وفكري وعملي

15)  المسلمون أمة عالمية ذات عطاء

خاتمة :

وهكذا يتضح جلياً أن الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي هو أحد الأعلام البارزين المعاصرين الذين ذاع صيتهم في الأوساط الدينية والعلمية والاجتماعية داخل الهند وخارجها ، يقوم الشيخ السيد محمد واضح رشيد الندوي بدور محوري وقيادي في الصحافة العربية الهندية المعاصرة ، ويشهد بذلك المئات من الصفحات التي أثراها الشيخ بمقالاته وأفكاره وتعليقاته وانتقاداته ويعد الشيخ من زمرة العلماء الذين أوتوا فهماً واسعاً واطلاعاً نافذاً وقلباً واعياً وذاكرةً قويةً ، إلى جانب تضلعه في الثقافتين الشرقية والغربية .توفي الأستاذ واضح في 16/ يناير 2019م .

المراجع :

1) محمد الحسني حياته وآثاره ، ص 40 ، للدكتور أيوب تاج الدين الندوي .

2)  خانوادة علم الله ( رحيم الله ) باللغة الأردية ، ص : 343 ، للشيخ محمد الثاني الحسني ، 2009م .

3)  مقدمة من الكتاب ” إلى نظام عالمي جديد ” ، بقلم محمد واضح رشيد الحسني الندوي

4)  أعلام الأدب العربي في الهند ، ص : 214 – 215 ، للدكتور جمال الدين الفاروقي .

5)  وعبد الرحمن محمد الآدرشيري وعبد الرحمن المنغادي ، 2008م .

6)  الصحافة العربية : نشأتها وتطورها ، بقلم سعيد الأعظمي الندوي ، ص : 59 .

7)  الصحافة الإسلامية في الهند تاريخها وتطورها ، بقلم دكتور سليم الرحمن خان الندوي ، ص : 306 – 307 .

8) ” أعلام الأدب العربي في العصر الحديث ” بقلم محمد واضح رشيد الحسني الندوي .


[1] الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية، كلية جمال محمد، التابعة لجامعة بهارديداسن، تيروشيرابالى-620020، الهند.

[2] الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية، كلية جمال محمد، التابعة لجامعة بهارديداسن، تيروشيرابالى-620020، الهند.

مقابلة افتراضية مع الدكتورة ميادة أنور الصعيدي (كاتبة وناقدة من غزة، فلسطين)

كيف عاش الكاتب الغزيّ يوميّاته في الحرب؟ وكيف أثّر ذلك على طريقة كتاباته وتعبيراته؟

الكاتب الغزّيّ ليست كأي إنسانٍ عاديّ؛ هو خليط من مشاعر مرهفة، وإنسانيّة عاليّة وفكرٍ وطنيّ؛ يحاول بهذا الخليط أن يسطّر حروفه على صفحاتٍ مخضّبة من دماء الشهداء، وتضحيّات أبناء هذه المدينة العظيمة.

ثمَة مشاعر من فرط جنونها لا تتّسع لها الصفحات، وثمّة حكايا تَروي قصص الطالعين من الوجع، إنّه النزوح والدمار والقتل والإجرام.. رحلة المخاض الطويل مع الألم، والحرمان الذي يمتص ملامحنا، والجروح التي لم تندمل، والأجساد التي أعطبتهم الحرب، والأرواح التي تئن تغالب نشيجًا بقى ينوء بدواخلنا، والأيتام الذين يقاومون بأطراف قلوبهم الغضّة.

تعدّ الكتابة عن محنة الوطن تجربة مميّزة سواء من حيث الأفكار والموضوعات أو من حيث الشكل واللغة التي تعبر عن واقع المدينة، إنّها تجربةٌ حافلةٌ بالذكريات ومرتبطة بالأبعاد السياسيّة والاجتماعيّة والإنسانيّة، وتنقل تفاصيل الحياة بمراراتها من حرمان وفقر وفقد وعنف.

كيف أثّر القصف والدمار ومن ثمّ النزوح على قدرتكِ ككاتبة في الحرب؟ 

 إن وضع النزوح الراهن قد أجّج في عقولنا صورًا لكلّ محطّة من محطّات تاريخ فلسطين ولكرامتها المرسلة ولبطولاتها المتوارثة والصور والتضحية والصمود والكبرياء التي تقفز قبالة واقع تواطأ فيه الجميع على الصمت، واقع استبد به الظلام والظّلّام والجلّاد بالأمّة.

لتكن غزّة بصمودها وتضحيّاتها شمسًا قبالة عتمة الضمائر ولجم الأفواه وتدجين العقول وقبالة مخالب العدو وترسانته.

إن ذاكرة الكاتب وعاطفته هي سبب محنته وتأزّمه، إذ لا يمكن أن يكون إنسانًا عاديًا يعبّر عمّا يراه ويفكّر به تعبيرًا يخلو من العمق والتّأثير.  إنّ الكاتب الحقيقي هو صاحب الدور الرياديّ الذي يجعل منه مدافعًا عن قضية الإنسان يشعر بمحنة الغير وبوطأتها ويجد متنفسه الوحيد في الكتابة التي تجسّد رغبته في حريّة التعبير عمّا يريد قوله.

ما الذي أثّر على لغتكِ حول مدينتكِ وما يحدث بها؟ وكيف جاءت تعبيراتكِ على إثر ذلك؟

ما عاد أمرٌ بهذا العالم يعنيني؛ سوى الكرامة أحياها وتحييني. نحن لسان أرضنا ودرعها الحصين وعينها القويّة على الأحداث، والعقول العنيدة في وجه الظلّام، والأقلام الكاشفة لمآلات الأمور والمتطلّعة لغدٍ مشرق مأمول. 

إنني ككاتبة وناقدة أحاول عبثًا أن أعبّر عن مدينتي الصامدة، أو أن أحلّل مشاعر الثكلى والأيتام، أو أن أصوّر جسارة أهلها المرابطين الطاهرين الذين يرفضون المساومة. إذ لا يمكن لأي لغة أو أي فنّيّ أدبيّ أن يصوّر ما حدث أو أن يعبّر عن آيات التضحية والصّمود والعزّ والصبر العظيم؛ ذلك لأن غزّة هي اللغة الأصيلة وكلّ لفظة خارج أبجديتها لا حاجة لنا بها. سنظل طيلة عمرنا نغني عنها وفيها أغنية الخلود فهي الفردوس المفقود الذي سننشده ونعلّمه لأبنائنا ونتمسّك به… فنحن – المعذّبين – أبناء هذه البلاد الثكلى الذين نقتات من دمنا ونعتصر الجذور. يقول الشاعر الغزّيّ معين بسيسو:

هذي هي الحسناء غزّة في مآتمها تدور

ما بين جوعي في الخيام وبين عطشى في القبور

ومعذّبٌ يقتات من دمه ويعتصرُ الجذور

صورٌ من الإذلال فاغضب أيّها الشّعب الأسير

فسياطهم كَتبت مصائرنا على تلك الظهور

لذلك سنظل كالصّبّار شوكًا في كلّ الفصول نبحثُ عن وطنٍ حرٍّ عزيزٍ أبيٍّ. 

ماذا تعني غزّة بالنسبة لأدباء فلسطين؟

يقول الأديب الفلسطينيّ. وائل محيي الدين: غزّة أنشودة البحرِ هديّة السماء قصائد الثّائرين والعاشقين، غزّة البطولة المتواترة والكرامات المرسلة يتعب القهر في جنباتها ولا تتعب. ويمتصّ الحرمان كلّ ملامحها ولا تعطي الدنيّة لعتلٍ زنيم.

لذلك فإنّ غزّة مع كلّ محطات تاريخها المبارك كانت عنوانًا صادقًا للطّهر والعزّة والكبرياء.

كلّ وقتٍ كنّا نُشرّع وجوهنا للسماء فلا نملّ المناجاة والابتهال، وفي السَحَر نأوي إليه وحده فيتجلّى الطهر والنقاء، وننفّض ما علق بأرواحنا من سوادٍ وأوجاع. ولعلّك حينما تسأل أيّ غزّيّ عن حاله وحال البلاد تراه يردّد الحمد ويرتل آيات الصبر على الابتلاء؛ ذلك لأنّ مدينته هي  غزّة الأم المكابرة الثكلى التي تقبض على جرحها الدامي بصلابةٍ لا مثيل لها وصبرٍ قلّ نظيره..

لهذا كلّه فإنّ غزّة استندت على نفسها دائمًا وكأنها أكثر الأشياء ثباتًا بهذا الكون، بل هي التي تمنح المنطقة برمّتها عزّة ونخوة..

يقول جلال الدين الرومي: 

“ماضرّك لو أطفأ هذا العالم أضواءه كلّها في وجهك، ما دام النّور في فلبك متوهّجًا”.

هل يمكن أن تصفي شعور أو موقف أثّر عليكِ شخصيّا؟ وكيف يتعامل الكاتب الغزيّ مع المواقف الصعبة؟

كلّ هذه الأيام الثقيلة التي رافقتني في هذه المدينة المظلومة كادت تطبق على روحي كما تطبق الصخور على رأس حالم بالحياة.. أذكر حينما وردني خبر استشهاد أخي الأعزّ على قلبي لم أبك البتّة لكنّي شعرت بالبرد يقصّ أطرافي، ويكسر ظهري. فارتجفت أوصالي وجعًا وحسرةً. حينها تركتُ البيت وخرجتُ هائمةً على وجهي أتخبّط بالنّازحين هنا وهناك؛ أبحث عن إجابات لتساؤلات أضمرتها لحين الوصول. 

حينها راح انتباهي ناحية ثلاثة أطفال بدا لي أنّهم إخوة، فالشَّعر منكوشٌ مائلٌ للإصفرار من أثر حرارة الشمس في خيام النازحين، وملابسهم ممزّقة وأقدامهم حافية وأصابعهم مدملة.. أجسادٌ بريئة نهشها عيش النزوح. لقد رأيتهم يتنازعون على رغيف خبزٍ وراح كل منهم يقضمه ويقطعه من طرف.. حينها جثوت على ركبتي بالشّارع بكيت.. بكيت بكاء مرًّا. 

أحيانًا يظن من حولك أنّ اضطّرابك فرحًا ولو تأمّلوه لأدركوا فيك نبضًا كلّه وجع.. رأيت أمًّا مكلومة تتفرّس بوجه طفلٍ نائم في أحد أسرّة المشفى تحضنه وتتأمله وتلوذ بصمتٍ وراءه صخب واضح ثم تضحك ضحكات متتالية. فهمت بعد السؤال أنّها أمٌ فقدت طفلها الوحيد الذي منحها الله إيّاه بعد عشرين سنةٍ من زواجها، وهي تأتي كل يومٍ لهذا الطفل بالذّات لأنه يشبه طفلها شكًلا وعمرًا.

كيف تصفين العلاقة بين الألم الشخصيّ والإبداع؟ 

في داخل كلّ كاتب تجد طفلًا يضحك ويئن ويبكي. يريد أحيانًا أن يدسّ رأسه في صدر أمّه ويسترسل بالبكاء، ويطلق زفرات الفقد وشهقات الأسى.

الإبداع منارةٌ ذات سلم طويل لا يتسلّقه سوى من توجّع عن حقّ وتألم كالآخرين وعاش معاناتهم؛ فالآلام ضباع لا يطردها غير جسارة الضوء وضوء الجسارة؛ ففي وسط العتمات نتحسس النجوم.

ماذا تعني الكتابة للكاتب الغزيّ؟ وماهي الفكرة الرئيسة التي ينطلق منها الكاتب في خضم حرب طاحنة وشهور قاسية؟

إنّنا  ننتمي إلى شعبٍ مارد؛ فلا نبكِ بتلك السهولة التي يبكي بها أيّ إنسان يرى في البكاء وسيلةً للتخلص من ثقل الأسى والخذلان، إنّنا نحاول الغوص بمخيلاتنا كي نعثر على تفسيرٍ واحدٍ لهذه الشهور القاسية حدّ الهستيريا.. 

ذكريات ونزوح وحرب وحب وأنين وشوق وضجر ورضا كلها مشاعر متباينة قد توقد بصدورنا رغبةً تشبه البكاء المختلط بالغناء.

إنّنا ككتّاب نتّخذ الكتابة كمظلّة أمانٍ تحمينا من أمطار اليأس والاستسلام؛ إذ نغالب نشيجًا ينوء بدواخلنا منذ اندلاع الحرب واشعال فتيلها.. فالفكر والقلم سلاحان؛ وما اغتيال ريشة ناجي العلي وتصفية غسان كنفاني إلّا دليلًا على أن وقع القلم والريشة أوجع وأحدّ وأقسى من وقع السّلاح.

ومن خلال  الأعمال الأدبيّة التي أتابعها وقرأتها وحلّلت بعضًا منها خلال هذه الفترة العصيبة  لفت انتباهي أنّ الوضع الراهن قد أجّج بداخل عقولنا صورًا كانت نائمةً في الغياب وفي حضن الأمنيات؛ إذ يمكنك قراءة هذه الأعمال والخروج بأفكارٍ عامّة ممكن إدراجها تحت عنوانات نقديّة مثمرة مثل: 

رحلة المخاض الطويل مع الألم

رفض لسلطة الحضور

تنقية للذاكرة وأنسنة التاريخ

رواية الطالعين من الوجع

شخصيّاتٌ مثقّلةٌ بالخيبات

الأماكن بريئة الغربة بأنفسنا

التواطؤ على الصّمت والخذلان 

احتفاءً بالأسى في ظلّ التّسلّط

اشتغالٌ مكثّفٌ للّغة واحتفاءٌ بقلق السّؤال

حضور التّسلّط وغياب العدل

وخز الواقع ولذّة الحلم

تجلّيات الغربة والحنين

المنتصر المهزوم أمسيا في إنسانٍ واحد وهو الغزيّ.

ما هو دوركِ كناقدة وأنتِ تتابعين المشهد الأدبيّ الفلسطينيّ خاصّة والعربي عامّة؟ وما هي الرسالة التي توجهينها للأدباء؟ 

إنّنا أمام واقع يضرب القلب..  فالتّحدّي يشتدّ في وجه أولئك الذين يحاولون تصوير عالمنا الذي نعيشه، ويحاولون تفسير وقائعه، أولئك الذين يشعرون بأنّ لديهم ما يقولونه لنا، ويودّون لو يدخلون شيئًا من النّور إلى حياتنا.. 

الأدباء والأديبات.. الفنّانون والفنّانات..

ثقوا تمامًا أنّكم لم تواجهوا تحدّيًا كالذي تواجهونه اليوم؛ إنّه تحدّي مرهونٌ بإحساسكم بمنظور الحياة وبالانسانيّة.. ومرتبطٌ بقلقٍ خفيّ على صنعتكم والهدف الذي بُنيت عليه..

ففي اعتقادي أنّ هذه الفترة بالذات ضروريّةٌ لديمومة تدفّق الحيويّة في الفنون كلّها وفي الأدب العربيّ على وجه الخصوص؛ فتتّسع الأساليب وتتجدّد النظرات؛ ففي الانحلال فتنةٌ للرائي.

هذه الفوضى العارمة التي نحياها اليوم هي وقود المستقبل القريب لكم، وهي التي ستشغل وعيكم ولا وعيكم، وهي التي ستخلق الجوّ الذي يتوجّب فيه أن تفكّروا وتتخيّلوا وتبدعوا بأدواتكم إبداعًا أكثر تطوّرًا، وأشدّ فاعليّةً، وأغنى إحساسًا وديناميّة؛ بحيث يستثير المشاركة والتحليل.

كونوا على يقين أنّ إثراء التجارب قد يتمّ في حضارةٍ منهارةٍ أو عالمٍ يحتضر؛ فقد تكون ألوان الخريف أشد لألاء من ألوان الربيع.

ما تأثير الحرب على الهوية الثقافيّة الفلسطينيّة؟

أيّ مأساة من المفترض أن تعزّز الانتماء، وفي نظري أن الوضع الراهن قد عزّز هويتنا بشكلٍ أو بآخر. وخير دليلٍ على ذلك التّحرّكات الثقافية لوزارة الثقافة في بلادنا والبلاد الأخرى في تعزيز صمود الأدباء ودعمهم وطباعة يوميّاتهم وقصصهم في الحرب. بالإضافة إلى دور اتّحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين في غزّة والضّفّة والتّعاون المشترك مع الوزارات العربية والاتّحادات الداعمة للثقافة. 

ويمكن الاستدلال على عمق هديتنا ومحاولات الاحتلال العبثية لطمسها هو ما نراه من تحرّكات عالميّة داعمة للقضيّة والحديث هنا ليس على مستوى أفراد ذي مراكز عالية فحسب بل على مؤسسات لها مقام موزون.

ما رسالتك التي تسعين لتوصيلها من خلال كتابتك؟

مضت علينا أعوامٌ مترعةٌ بالتناقضات، والناجح مَنْ يستطيع الصمود ومواجهة كلّ تلك الأزمات الملفّحةِ بالسواد، وأن يمضي قُدمًا بما لديه من أملٍ نحو وميض السماء، وهو على يقينٍ من قدرة الله في تحويل خريف العمر إلى ربيع مزهر.