الساعي وراء الحقيقة والباحث عن الله: سلمان الفارسي سلمان الخير

……………………..

قرأنا في القصص وسمعنا من التاريخ عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن شخصياتهم البارزة الشريفة، وتفانيهم العميق في إدراك الإسلام وحفظه طوال حياتهم، وعن شدة حرصهم على اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنّته، حتى أبكتنا قصصهم ولامست قلوبنا. فقد أدرك الصحابة وواجهوا شدائد وعنفًا شديدًا في سبيل دعوة الإسلام، من اليهود والنصارى، بل ومن كفار مكة والمشركين، مرارًا وتكرارًا. ولكن ما وجدته غريبًا خلال قراءتي في هذه الأيام هو قصة إسلامِ صحابيٍّ تذوّق قبلها من ينابيع المجوسية والنصرانية واليهودية، فلم يجد فيها طَعمًا يُقنع قلبه، ولم يطمئن لها، حتى بعد تحقيقٍ وبحثٍ دام عقودًا، أدرك الحقيقة واعتنقها. إنه سلمان الفارسي، الساعي وراء الحقيقة، والباحث عن دين الله الإسلام. ومن الجدير أن نَصِفَ حياته الشريفة بأنها انعكاسٌ للآية القرآنية: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد}، حيث زهد في كل ما يملكه من أموال وثروات في سبيل إدراك دين الله الإسلام. وكانت معظم حياته رحلةً وسفرًا في طلب الحق، حتى وفقه الله فاهتدى إلى الإسلام واعتنقه مباشرة من حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي هذه المقالة يحاول الكاتب لتسليط الضوء على شخصية سلمان الفارسي قبل اعتناقه الإسلام وبعده بطريق سهل يسير.

سلمان الفارسي، المُكنّى بأبي عبد الله، ويُعرف أيضاً بسلمان الخير وسلمان بن الإسلام، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان مجوسياً، سادن النار، وعابد الشمس قبل اعتناقه الإسلام. وكان اسمه مابه بن بوذخشان بن مورسلان بن بهبوذان بن فيروز بن سهرك، من وَلَدِ أب الملك. وقد وُلد في “جي”، وفي رواية “جيان”، وهي مدينة أصبهان بوسط إيران، التي تقع بين مدينة طهران ومدينة شيراز. وفي عنفوان شبابه عاش عيشة الفخر والبذخ، لأن أباه كان دهقان أرضه، وأغنى القوم مالاً، وأعظمهم شرفاً. وكان سلمان قرة عين أبيه، ولذلك كان أكثر أوقاته في بيته كمحبوس، لأن أباه خاف فقدانه وبُعده منهوكان لأبيه ضيعة ذات ثمار غزيرة، فقد اعتاد أن يذهب إليها ويأتي بالثمار عندما تثمر، ولكن في يوم ما كان أبوه مشغولاً، لذلك طلب من سلمان أن يذهب إلى الضيعة ويأتي بالثمار. هنا أُتيحت لسلمان فرصة للخروج خارج البيت لأول مرة، وهنا تبدأ رحلته في طلب الحق والحقيقة. فخرج يريد ضيعته، وفي منتصف الطريق، مرّ بكنيسة من كنائس النصارى، فسمع أصواتهم فيها وهم يصلون، وكان لا يدري عمّا حوله بشيء لحبسه في بيته. فلما مرّ بهم وسمع أصواتهم، دخل سلمان عليهم ينظر ما يصنعون، فلما رآهم أعجبته صلاتهم، ورغب في أمرهم، وظنّه خيرًا من الدين الذي هو عليه. ودخل معهم يبحث عن أمور دينهم حتى غربت الشمس، وبشغله هذا نسي ضيعة أبيه، ولم يأتها حتى الآن. وقبل مغادرته من هناك، سألهم عن أصل هذا الدين لشدة شوقه به، فعرفوه أنه بالشام. ثم رجع إلى أبيه، وقد كان بعث رسولاً في طلبه، وعند وصوله إلى البيت أخبر سلمان أباه ما رأى وما فعل في النهار في الكنيسة، فخاف أبوه على دينه، فجعل في رجله قيدًا لئلا يخرج مرة أخرى. ولكن كان سلمان قد اعتزم قبول دين النصارى وترك دينه، حتى كتب إلى الكنيسة أن تُعلِمه بقدوم ركب من الشام إذا قدموا. حتى بعد أيام، قدم ركب من الشام للتجارة، فقطع سلمان من حبسه، وخرج مع الركب إلى الشام حتى وصل، فطلب منهم أفضل أهل هذا الدين، فعرفوا سلمان بأسقف في الكنيسة، فأتاه وصحبه بإذنه. فكان رجل سوء، يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء، اكتنزها لنفسه ولم يُعطِها المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورِق (فضة). وقد غضب سلمان غضبًا شديدًا لما رآه يصنع، لأنه لم يرجُه أن يفعل كذلك. ومضت الأيام حتى مات الأسقف حتف أنفه، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فأخبرهم سلمان ما فعل بهم هذا الأسقف من سوء، ودلهم على الكنوز التي اكتنزها. ولم يصبر أهل النصارى على عمل الأسقف، فصلبوه، ثم رجموه، حتى بعد تيقّنهم من موته، ثم عيّنوا مكانه شخصًا آخر.

فصاحب سلمان الأسقف الجديد، وأقام عنده زمانًا، ثم حضرته الوفاة، فقال له: يا فلان! إني كنت معك، وأحببتك حبًا لم أحبّه أحدًا من قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله، فإلى مَنْ توصي بي؟ وما تأمرني؟ فقال: أي بُني! والله ما أعلم أحدًا اليوم على ما كنت عليه، لقد هلك الناس وبدّلوا، وتركوا أكثر ما كانوا عليه، إلا رجلًا بالموصل (مدينة قديمة على نهر دجلة بالعراق)، وهو فلان، فهو على ما كنت عليه، فالْحَقْ به. فلما مات وغُيّب، لحق سلمان بصاحب الموصل، فقال له: يا فلان، إن فلانًا أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنك على أمره، فأذن له بالإقامة عنده، فوجده خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات. فلما حضرته الوفاة، قال له مثل ما قال للأول، فسأله: إلى من يوصي به؟ وما يأمره؟ فقال: أي بُني! والله ما أعلم رجلًا على مثل ما كنا عليه، إلا رجلًا بنصيبين (على طريق القوافل من الموصل إلى الشام، سفر ثلاثة أيام)، وهو فلان، فالحق به. فلما مات وغُيّب، لحق سلمان بصاحب نصيبين، فجاءه فأخبره بخبره وما أمره به صاحبه، فأذن الأسقف له بالإقامة، فوجده على أمر صاحبيه، فلما حضره الموت، سأله سلمان مثل سؤاله للآخرين، فأخبره برجل بعمورية، وأمره باللحاق به. فلما مات وغُيّب، لحق بصاحب عمورية، وأخبره خبره، فأذن له بالصحبة، واكتسب عنده حتى كان له بُقيرات وغنيمة. ثم نزل به أمر الله، فلما حضره، سأله مثل سؤاله للآخرين، فقال: أي بُني! ما أعلمُه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس، آمُرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلّك زمان نبي، هو مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب، مهاجرًا إلى أرض بين حرتين (أرض ذات الحجارة السوداء) بينهما نخل، به علامات لا تخفى: يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. ثم مات الأسقف وغُيّب، فمكث سلمان بعمورية ما شاء الله أن يمكث، ثم مرّ به نفر من كلب، تُجّار، فطلب منهم أن يحملوه إلى أرض العرب عوضًا عن بقراته وغنيمته، فحملوه، حتى إذا قدموا به وادي القُرى (بين المدينة والشام)، ظلموه، فباعوه لرجل من اليهود عبدًا، فكان عنده. فبينما هو عنده، قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة، فابتاعه منه، فاحتمله إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رآها فعرفها بصفة صاحبه، فأقام بها.

وفي يومٍ ما، كان سلمان في رأس عِذقٍ لسيده يعمل فيه بعض العمل، وسيده جالس، إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه، فقال: فلان! قاتل الله بني قَيْلَة (الأوس والخزرج)، والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء، على رجل قدم عليهم من مكة اليوم، يزعمون أنه نبي. فلما سمعها أخذته العُرُواء (برد الحمى)، حتى ظن أنه سيسقط على سيده، فنزل عن النخلة. فلما أمسى، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بقباء، فاختبره بالعلامات التي عرفه بها الأسقف في عمورية؛ مرة بإعطائه صدقة فلم يأكل، ومرة بإعطائه هدية فأكل، وأخيرًا رأى علامة النبوة بين كتفيه، فبكى وأسلم من حضرة رسول الله، ثم قصّ عليه قصته، فعجب رسول الله وعجب أصحابه. هذه هي قصة إسلام سلمان الفارسي، الذي عُرف بعد بـ”سلمان المحمدي” و”سلمان الخير”.

في الحقيقة، هنا أمامنا عبر ونُصح من حياة سلمان الفارسي، ولنا أن نستلهم منها وأن نغترف من مناهلها العذبة، وللكفار والمشركين فيها نظر واستدلال. وأصبح إسلام سلمان ردًّا واضحًا على المستشرقين، وعلى من يزعم أن الإسلام مزيف وغير حق، لأن سلمان إنما اعتنق الإسلام بعد أن قضى حياته في النصرانية واليهودية والمجوسية، وبعد أن أدرك بعقله وبصيرته ما في تلك المذاهب من خللٍ وبعدٍ عن الحق، حتى أدرك أن الإسلام هو الدين السديد الموافق للعقل والمنطق، فاعتنقه، ووجد فيه اللهَ الخالقَ الحقيقيَّ المستحقَّ للعبادة، بعد رحلته الطويلة في التعلم والاكتشاف.

أصبح سلمان بعد إسلامه من خيار أصحاب رسول الله، وأحد أحبهم إليه، حيث قال رسول الله: “إن الله يحب من أصحابي أربعة، وأمرني أن أحبهم: علي، أبو ذر، سلمان، مقداد .ووصفه أيضًا بقوله: “هو منّا أهل البيت”. وأول مشهد شهده سلمان هو مشهد الخندق، الذي كان هو العقل المدبر لفكرة حفر الخندق في معركة الخندق، حيث استشار رسول الله أصحابه، فطرح سلمان هذه الفكرة لما كان له من خبرة في الحرب ودهاء المجوس. ولم يتمكن سلمان من حضور بدر وأُحد، وإن كان قد أسلم قبلهما، لأنه كان رقيقًا عند يهودي، فأخبر سلمان رسول الله خبره، فطلب النبي منه أن يكاتب، فكاتب سيده على ثلاثمائة نخلة يحييها له بالفقير، وبأربعين أوقية، فساعده رسول الله وأصحابه حتى أتم المكاتبة، فحرر سلمان من الرق إلى الأبد.

كان سلمان طويل القامة، كثيف الشعر، قوي البنية، معروفًا بقوة جسمه، وكان متواضعًا خاشعًا لله، زاهدًا في نفسه وماله. كان إذا اشترى لحمًا أو سمكًا، نادى المحتاجين ليأكلوا معه، ولا يأكل وحده، وقد ورد في أسد الغابة لابن الأثير أنه تصدق بأكثر من خمسة آلاف درهم. وأدل دليل على زهده: منزله، حيث إذا قام أصاب السقف رأسه، وإذا نام أصاب الجدار قدميه. وقد عاش مع زوجته من بني كندة، وله بنت في أصفهان، وبنتان بمصر، وولدان عبد الله ومحمد. وكان له مكانة كريمة عند رسول الله والخلفاء، وقد روت السيدة عائشة حديثًا يدل على مكانته، قالت: “كان لسلمان مجلس من رسول الله بالليل حتى كاد يغلبنا عليه”. وروى عن النبي عدة أحاديث، وأخرج له البخاري أربعة، ومسلم ثلاثة.

آخى رسول الله بين سلمان وأبي الدرداء. وفي قصة معروفة: زار سلمان أخاه أبا الدرداء، فوجده غائبًا، ووجد زوجته متبذّلة، فقالت له: إن أبا الدرداء لا حاجة له في الدنيا. ثم جاء أبو الدرداء، فصنع له طعامًا، فقال له سلمان: كل. قال: إني صائم. قال: ما أنا بآكل حتى تأكل. فأكل، وفي الليل أراد أبو الدرداء القيام، فقال له سلمان: نم، وكرّرها ثلاثًا، ثم قال له: “إن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقّه”. فلما أخبر النبي بذلك، قال: “صدق سلمان” (رواه البخاري). وكتب أبو الدرداء يومًا إلى سلمان: “سلام عليك أما بعد، إن الله رزقني مالًا وولدًا، ونزلت الأرض المقدسة”. فرد عليه سلمان: “سلام عليك أما بعد، فإنك كتبت إلي أن الله رزقك مالا وولدا، فاعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد ولكن الخير أن يكثر حلمك، وأن ينفعك علمك، وكتبت إلي أنك نزلت الأرض المقدسة، وإن الأرض لا تعمل لأحد واعمل كأنك ترى، واعدد نفسك من الموتى.” هكذا كان سلمان الفارسي رضي الله عنه حيث قال رسول الله “إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي، وعمار، وسلمان” (رواه أنس بن مالك).

عاش مع رسول الله أخًا وصاحبًا، وبعد وفاته، وفي عهد عمر بن الخطاب، ولاه أميرًا على المدائن (منطقة بالعراق)، وكان أميرًا على أكثر من ثلاثين ألفًا، ومع ذلك كان ينسج ويبيع من كسب يده، ويقسم المال بين نفسه وأهله والمساكين. توفي سنة 34 هـ، وقيل 45 هـ، ودفن في المدائن قرب بغداد، في مكان عُرف باسم “مقام سلمان باك”، ومعناه بالفارسية: “الطاهر”.

وأخيرًا…فمن الواضح كالشمس في رابعة النهار أن قصة سلمان ستبقى صفحة ذهبية في التاريخ، وعبرة منوّرة في قلوب المسلمين إلى الأبد. فلنستلهم من حياته وشخصيته، ولا ننسى قول النبي: “أصحابي كالنجوم، فبأيّهم اقتديتم اهتديتم”. وفقنا الله، وجعلنا من عباده الصالحين، آمين.

……………………

المراجع والمصادر

  1. سير أعلام النبلاء،(362-405)
  2. تاريخ الإسلام للذهبي،(158-163)
  3. أسد الغابة،لابن الأثير،(328-332)
  4. طبقات الشعراني،(30-31)
  5. الاستيعاب،(56)
  6. الإصابة،(62)
من طوفان الأقصى إلى الأسد الصاعد: الشرق الأوسط على حافة الانفجار

—————————-

مع مرور عام كامل من بدء عملية “طوفان الأقصى”، تبعتها إسرائيل بعملية جديدة تسمى “الأسد الصاعد” على دولة إيران، مستهدفا ترسيخ الهيمنة العسكرية بالشرق الأوسط، بدعم أمريكي سخيّ، حيث لا تخفي واشنطن اعتبارها إسرائيل ولاية أمريكية “خامسة وخمسين” غير رسمية.

في الشرق الأوسط، وقع تطور استثنائي في توازن القوى بين  عاصمتي طهران وتل أبيب، تمثل إسرائيل بالضربات غير المسبوقة التي أنتجت خسائر استراتيجية فادحة لإيران، بتحطيم مراكز قيادة وعملية نووية، وفي المقابل أقدمت إيران على رد فعلي يفوق التوقعات كاستهداف قادة إسرائيليين بارزين.

جاء الهجوم الإسرائيلي  في ظل مفاوضات  بين طهران وواشنطن ركزت على البرنامج النووي الإيراني، وتشير التقارير والتصريحات اللاحقة إلى أن لواشنطن دورا بارزا فعّالا في الصراع المشتعل، وعلى الرغم من دعوات دولية لخفض التوتر، رفضتها كل من إسرائيل وإيران لوقف التصعيد، ما ينذر باستمرار المواجهة.

منذ تسعينيات القرن الماضي، تسعى إسرائيل إلى احتكار القوة العسكرية في المنطقة إلا أن العقود الأخيرة شهدت صعودا لافتا لإيران، لا سيما بعد تحقيقها تقدما ملحوظا في مجال الطاقة النووية بعقول علمائها، الذي صار تهديدا وجوديا لإسرائيل.

الهدف الوحيد لإسرائيل وراء هذا الهجوم، إزالة تهديد العسكر الإيراني  مع تفريع العلماء العبقريين عن طريق تدمير العقل البشري وهذا واضح من الأوضاع السائدة: أن دولة إسرائيل لم تستهدف المنشآت النووية فقط بل تركزت على علماء نوويين، حيث تعلم إسرائيل بأن إيران تستطيع تعويض قادتها العسكريين لكن ليس بطاقتها تعويض علماء الذرة على المدى القصير، ولذلك كانت إسرائيل أحرص الدول على حظر امتلاك إيران هذه القوة الذرية، حيث تجلى في خسارة إيران اغتيال تسعة علماء نوويين في يوم واحد.

استطاعت إسرائيل قتل عقول إيران بدفعة واحدة بالاختراق الاستخباراتي عبر تمكينات الموساد داخل بنية الاتصالات الإيرانية؛ لأن إسرائيل تمتلك قوة هائلة في المجال السيبراني أكثر عشرة أضعاف من  نظيرتها إيران، والاختراق السيبراني ليس الأول من نوعه، ومن قبل استخدمته تل أبيب  ضد حزب الله في لبنان ما أدى إلى تفجير بيجر و الوكي توكي مما أسفر عن مقتل عشرات القادة  واليوم تكرر السيناريو ذاته في إيران، ومن الحقيقة البارزة في هذه الأيام الحربية الهجمات السيبرانية أكثر خطورة من الغارات الجوية  مثل اختراق الهواتف والشبكات التي تمكن العدو من تنفيذ عملية اغتيالات دقيقة دون الحاجة إلى تدخل ميداني مباشر ، وهذا الهجوم كشف ثغرات وهشاشات  استخبارية في طهران.

برغم علم إيران أن الرد الواسع محفوف بالخطر في ظل اصطفاف دول غربية مع إسرائيل  سارعت إيران لتوجيه الضربات إلى إسرائيل إلا أن الردود تظهر هجوما معنويا فعليا، الآن الرد الإيراني يخدم أهدافا داخلية: ترميم صورتها المهزوزة أمام الرأي العام الداخلي، وإيصال رسالة بأن هيبتها لم تهزم بعد، في محاولة لتعزيز الثقة الشعبية بصمود النظام السياسي الإيراني .

في النهاية، لم تكن المفاوضات التي شاركت الولايات المتحدة صادقة وبحسن النية، لكن في ورائها انطوت أغراض خفية غير معلنة وفي الوقت نفسه، بدلا من محادثات حول خفض التصعيد ووقف الحرب، نشرت واشنطن سفنا بحرية وأسطولا عسكريا، معلنا الدعم الكامل لإسرائيل لشن الغارات على إيران…مهما تؤدي إلى تصعيد جديد يهدد استقرار الشرق الأوسط.

مادلين …آخر مسمار في نعش كسر الحصار

————————————-

في عالم تقمص الصمت أسنانًا، وتخيّم العمياء أعيُناً، وتهجر الإصغاء آذانًا، يكون الكلام سلاما، والسماع خياما، حينما يختفي اللسان، يسبقه الوجدان، ويعرفه الإنسان بتعريف الملايين، مادلين… هو آخر ما كان سميا، فيما كان نسيًا بمثله مليًّا.

تلك السفينة التي أبحرت من ميناء كتانيا الإيطالي، متجهةً نحو قطاع غزة، وعلى متنها عدد من الناشطين والمتطوعين السياسيين من جنسيات مختلفة،  تقف اليوم على مفترق الطرق، وقد انقسمت الآراء حولها بين مستحسن لها ورافض.

لكن، ماذا خلف الكواليس الغامضة التي تخاف إسرائيل من وصول السفينة إلى قطاع غزة مع أنها لا تحمل إلا معدات إسعاف، ومستلزمات نسائية، وأغذية بسيطة، وحليبًا للأطفال…؟ فلماذا تم اختطاف السفينة وهي في طريقها لإغاثة المدنيين؟ وما الذي يُرعب الاحتلال من قاربٍ لا يحمل سوى الحياة؟

ولما استعجم البيان من الكلام، واستُؤصِلت أماني الأحقاب تحت وسادة الأحلام، وتولّى الجُلُّ من القوى الدولية والأقيال عن الكمال، قام عدد من المشاهير، المتميّزين عن الجماهير، بإعلاء راية الغزّة العزيزة مجدداً.

هم قليلو العدد، لا يكادون يتجاوزون عدد الأنامل، ولا حركات العوامل، يحاولون كشف الكواليس الغامضة في  معابر غزة، برا وبحرا. هذه الأمم الناشئة، الخارجة عن ديوان السياسة التقليدية، تضع سُلّمًا نحو مباحث جديدة في شأن غزة، ونعلم أن الناقل يملي الكلام، ويطيل، لعله يضيء ظلام الجهل، ويُزيل ترّهات الأحداث التي ينقلها الناس بلا وعي، فالوضع في الجهل وخيم وبيل.

إلى أيّ مدى ستطول الحال على أهالي غزة؟

وما تخشاه إسرائيل ليس أكثر من بقاء فلسطين، لأن بقاء “الفلوس” من التين، هو بقاء القضية حية، تقضّ مضاجعهم، لكن يومهم قادم… وسيُرَدّون فيه إلى أشدّ العذاب في العدالة، غريتا تونبرج التي عُرفت بشجاعة الموقف ونقاء الرسالة باتت أكثر إزعاجًا لإسرائيل، حتى اعتُقِلَت – هي ومرافِقوها – يوم الإثنين، يونيو 2025م، في موقف أثار الرأي العام العالمي.

وما قصة السفينة؟

هذه السفينة تشكّلت من ست حركات رئيسية، وهي: حركة غزة الحرّة، والحملة الأوروبية لإنهاء الحصار، والسفينة إلى غزة – اليونان، والسفينة إلى غزة – السويد، واللجنة الدولية لكسر الاحتلال.

وأسطول الحريّة الذي أبحر أول مرة عام 2006م، تزامنًا مع تداعيات الانتخابات التشريعية وما تلاها من عدوان. ومن بعد أبحرت سفينة الكرامة القطرية لإتمام المهام الإغاثية، تحمل في جوفها عزّةً وكرامةً، وتوصي بالعمل والمواصلة، بالمعدات والمستلزمات التي تحتاجها غزة للبقاء.

وختامًا، ستبقى المسيرات الشعبية على الأرض، آخر مسمار في نعش محاولات إطفاء نار غزة. الذين جعلوا المضرة مسرة، يستمرون إلى نهايتها، فالحق لا يقاوم سلطانه، والباطل يُقذَف بشهاب النظر شيطانه.

هنا… تستحيي الشاشات من ضحالته، والسادة من الركاكة، وتعود لفلسطين هيبتها الأبيّة من جديد…

مقال:

إذا سألني اليوم سائل، كيف صمتِ ذاك الرمضان؟ وكيف كنت تمسكين عن الطعام والشراب يوما كاملاً وتفطرين على خبز الذرة وعلبة صغيرة من الصلصة (رب البندورة) أو الكاتشب وسلطة القريس أو الخبيزة؟ سأقول لا اعرف بالتأكيد!!!
كيف صمت في ظل كل ذلك الوهن الشديد؟ وكيف تابعت صيامي كما الآلاف في شمال غزة مع اشتداد المجاعة وأصوات القذائف وزمجرة الطائرات الحربية المرعبة؟
يمكن أن تكون الإجابة واحدة لا محيص عنها؛ إنه الله هو من أعاننا على الصيام فبث القوة في أجسادنا المنهكة وقلوبنا الخائفة وأي تفسير آخر لما حدث سيكون غير منطقي وغير مقبول في الحقيقة.
رمضان الطوفان كان تجربة فريدة لا يمكن للمرء إلا أن يحياها مرة واحدة في العمر. جاء رمضان وكنا نخشى أن لا نستطيع صيامه وقيامه فلم ندري والله كيف صمناه وقمناه وأحببناه وذرفنا مدامع سخية عند فراقة. كان الطعام شحيح جدا ويكاد يكون معدوماً! كنا نتسحر على الزعتر والخبز اليابس أو لا نتسحر ونكتفي بالشاي والخبز اليابس إن وجد ونفطر على أقراص الخبيزة وهي نبتة برية تنمو في فصل الشتاء في غزة أو العدس إن حالفنا الحظ ووجدنا وكانت أدسم أكلة يمكن أن نحظى بها هي طبق المشروم (الفطر المعلب) ليكون يوم إعداد المشروم يوم عيد عند الصائمين !
كان العالم يحتفل برمضان الخير على أصوات الحصري وعبد الباسط وتواشيح النقشبندي ونحن يتخطفنا الموت والجوع والخوف! وتلك المرات الكثيرة التي داهمنا القصف وتناوشتنا الشظايا لنفر هاربين تاركين وراءنا مائدتنا الرمضانية الخحلة، ما أكثرها ،فهي لا تعد. أما أصوات المدافع التي تنطلق مع كل موعد سحور فكانت تذيب قلوبنا الواهنة وتقلق صباحتنا الرمضانية كلها.
غزة تعبت وكان رمضان الطوفان محنة كبيرة مررنا بها نحن أهل شمال غزة، لكننا كنا نجاهد ونقف على ثغر من ثغور الإسلام .
حاول الإحتلال إجبارنا على الخروج من شمال غزة بشتى الوسائل، فلم يعدم وسيلة للقتل والترهيب والتجويع إلا اقترفها فما زادنا إرهابه إلا تمسكاً بأرضنا وتجذراً بشمالنا العزيز.
كنت وحيدة في رمضان وكذلك في الحرب مع طفلتين صغيرتين سلمى التي لم تتعدى السابعة وليلى التي لم تتعدى الرابعة بعد أن ذهب أبوها مكرها إلى الجنوب ليؤدي عمله كصحفي، فكنت أحتضن طفلتي بكل ما أملك من قوة على ضعفي ووهني لكن الله ساعدني وثبتني كما ثبت أهل غزة وأعانهم، وها نحن الآن على أبواب رمضان وقد هزمنا أقوى دولة في العالم بأجسادنا الضعيفة وقلوبنا التي عمرها الإيمان.
وها نحن على أعتاب رمضان ولازالت غزة تغوص في غيابات الحزن والفقد والحصار، فلا أطفالنا ينعمون بالأمن ولا بالحياة الكريمة ولا نحن نستطيع أن نوفر لهم أدنى متطلبات الحياة الكريمة التي يستحقها طفل في الدنيا.
والد طفلتاي عاد من الجنوب لكنه عاجز تماماً، وأنا مثله عاجزة ونحن ننظر لسنوات أعمار طفلتينا تذهبان دون أن يكترث لها أحد. الحياة في غزة اليوم جحيم حقيقي في ظل انعدام مقوماتها بعد أن دمرها الاحتلال تدميرا شاملاً ليجبر أهلها على تركها والذهاب إلى حيث لا وطن ولا كرامة ولا مستقبل.

مقال:

تحت خيمة صغيرة، أتكوم فيها مع عائلتي المنهكة النازحة من مدينة الزهراء والواقعة في منتصف المسافة مابين مدينة غزة والشمال وبين محافظة الوسطى والجنوب، تلك المدينة التي تشاء الحرب أن تجعل منها محوراً مهماً للقوات الإسرائيلية ومنطقة قتال وتمركز بعد أن أفرغت سكانها جميعهم ونحن منهم، وبعد أن هشمت جميع البنايات والبيوت والأبراج السكنية الجميلة التي كانت تشكل لوحة متناسقة بالغة البهاء على مشارف البحر الفيروزي الهادئ، لنهرب بأمتعتنا القليلة جداً نحو الجنوب في حركة نزوحٍ غير مسبوقة، هائمين على وجوهنا، مشوشي التفكير ومسلوبي الإرادة، جميعنا كنّا هكذا سكان تلك المدينة الوادعة التي باتت خلفنا تماماً بأحجارها، وطينها، بذكرياتها وتفاصيلنا العالقة على ما تناثر من دمارها، بملامحنا التي انسلختْ على طرقاتها فغدونا بدونها كمسوخٍ مشوهة..

وهكذا أصبحنا كالآخرين تماماً عائلة تتكوم تحت خيمةٍ صغيرة تتناوب عليها موجات القهر والحزن والإحساس بالعجز، معجونةً بدفقاتٍ لا تهدأ من الخوف والجزع والفقد الذي لا ينتهي، بهتت تفاصيل حياتنا كثوبٍ قديمٍ أنهكت خيوطهُ الشمس، فأصبحت أيامنا ميتة بلا لون ولا طعم ولا رائحة.. ويشاء الله أن يقترب شهر رمضان، هذا الشهر الذي نترقبه بلهفة الإيمان، وشوق الزاهدين، بطقوسه المقدسة، ويومياته المدهشة، ولياليه المبهجة، هذه المرة لم يكن اقترابه ككل مرة، كان في الروح غصة، وفي القلب وجع، وفي اليد لا حول ولا قوة، فرمضان هذه المرة في خيمة للاجئين في أرض مليئة جداً بالخيام المتلاصقة، تخفي بداخلها سيلاً من الفقراء المتعبين المنهكين الذين بالكاد يجدون لقمة تسد الرمق في ظل الغلاء الفاحش وندرة البضائع، تحت القصف الدموي المتواصل ليل نهار، فالموت يأتي من محاوره الثلاثة براً وبحراً وجواً على مدار الثانية، والشهداء يتساقطون بالمئات لا بالآحاد، والأعضاء تتناثر طوال الوقت فوق الأرصفة وفي الشوارع المكتظة بالدمار، الوجوه شاحبة هرمت من الحرب وتضاريسها، والفقد عنوان اليوميات كلّها، ونحن صيام…
في لحظات الجوع الشديدة تسعفنا أحلام اليقظة ويعربد شيطان التخيل، فإذا بي كسيدة البيت أطبخ أشهى ما أستطيع طهيه من اللحوم والخضار والمشهيات، وأزين بها المائدة على مقربةٍ من الفاكهة الناضجة الطازجة الحلوة، وما أن ينتهي حلم اليقظة حتى أجدني أعددت في أطباق الخيمة القليلة بعضاً من طعام المعلبات الصدئة العائمة في المواد الحافظة التي أتحايل كمدبرة البيت في إخراجها بشكلٍ غير منفر، فالبصل على سبيل المثال مفقود وإن وجد فهو غالٍ جداً، والطماطم لا مكان لها من الإعراب فإن وجدت فالحبة الواحدة بسعر صناديق كاملة في زمان ما قبل الحرب، والسكر لا وجود له إلا في جيوب الأغنياء، وباقي المنتجات والخضار والفواكه لا نستطيع بالأساس إقتنائها في ظل الغلاء الغير مسبوق، تحت نيرانٍ لا تهدأ طوال الوقت فكيف والوقت شهر رمضان، ذلك الشهر الذي كانت تتنافس فيه الخيرات على موائد الإفطار والسحور قبل أن يجتاحنا طوفان الموت والخراب والتهجير الأرعن.
وأنا كزوجة وكأم ألملم تفاصيل الوقت طوال الوقت كي أخفف عن عائلتي تصاريف الحياة، أحاول أن أجعل رمضان واحة خير ومساحة للسكينة الداخلية، والطائرات تدوي فوق رأسي، والقذائف تتناثر حولي وتلطم الأجساد الطرية الغضة، وتفصل الرؤوس عن الرقاب بوحشيةٍ مابعدها وحشية، ثلاثون يوماً كان شهر رمضان، ذقنا قسوة الجوع وما ذقنا حلاوة الشبع، ذقنا عطش رمضان وما ارتوينا، فالماء ساخن لا برودة فيه يدفع المرء للتقيؤ، والسحور خاوٍ كما الإفطار من الطعام الشهي، والوجوه النضرة شاحبة، والخوف يفترس الملامح، وكان جُّل ما يواسينا أننا لو قصفت الخيام فوق رؤسنا سنلاقي الله ونحن صائمون..
في الخيمة الصغيرة التي تتكوم فيها عائلتي يتجول الموت وتتجول رحمة الله، وننجو بفضله لنحلم برمضانٍ آخر قادم قد يجيئ في ظروفٍ غير دموية، تدب السكينة في أرواحنا الثكلى، نتحلق حول موائد الذكر والتسبيح والاستغفار، وحول موائد الطيبات من الشهي من الطعام والشراب لنعوّض كل ما فات ذائقتنا في متعتي الإفطار والسحور

الجيش الوطني رمز للوحدة الوطنية وحامي الاستقلال

وفقًا للمادة 43 من دستور جمهورية تاجيكستان، فإن الدفاع عن الوطن وحماية مصالح الدولة وتعزيز استقلالها وأمنها وقدراتها الدفاعية هو واجب مقدس على كل مواطن.

لذا، في بداية الاستقلالية، لم يكن لدى تاجيكستان السوفييتية المستقلة جيش وطني مستقل أو أنواع أخرى من القوات المسلحة حتى حصلت البلاد على استقلالها. كما لم تكن هناك مؤسسة نظامية أو وزارة الدفاع القادرة في الحكومة على القيام بأعمال تتعلق بالدفاع داخل الجمهورية. بل كانت كل هذه المهام تنفذها موسكو، أما كانت الجمهوريات السوفييتية السابقة المستقلة تؤدي مهمة تزويد الجيش السوفييتي بالجنود والطعام والملابس. كما أن المشاريع ذات الأهمية الدفاعية كانت نادرة في جمهوية البلدان السوفييتية السابقة. وإذا ظهرت مثل هذه المشاريع، فإنها كانت تحت إشراف موسكو بالكامل وتحت سيطرة ممثلي الكرملين أو وزارة الدفاع في الاتحاد السوفييتي.

لذلك، عندما نالت تاجيكستان استقلالها، لم تكن جمهوريتنا تمتلك أي قوات للدفاع عن هذا الاستقلال وحمايته. إن غياب قوات مسلحة خاصة، وعدم توفر حتى أبسط أنواع الأسلحة النارية ووسائل الدفاع عن النفس، بالإضافة إلى نقص الضباط المحترفين، دفع قيادة جمهورية تاجيكستان المستقلة إلى الإسراع في إنشاء القوات المسلحة للبلاد في أقرب وقت ممكن من الشعب.

عملت قيادة جمهورية تاجيكستان المستقلة على سد هذا الفراغ في أسرع وقت ممكن، مستندة إلى دعم الشعب، وبشكل خاص على حساب أعضاء ووحدات الجبهة الشعبية لجمهورية تاجيكستان والجماعات المسلحة الأخرى التي وقفت إلى جانب الحكومة. كما تم تشكيل القوات المسلحة لتاجيكستان من خلال تجنيد الشباب في الخدمة العسكرية الفعلية، وذلك في وقت كان فيه البلاد على حافة حرب أهلية.

من أجل تحقيق هذا الهدف، قررت هيئة رئاسة المجلس الأعلى لجمهورية تاجيكستان، استناداً إلى دستور جمهورية تاجيكستان وإعلان استقلال الجمهورية الصادر بتاريخ 18 ديسمبر 1992 برقم 3، ما يلي:

1. تُؤسس القوات المسلحة لجمهورية تاجيكستان استنادًا إلى وحدات الجبهة الشعبية والمجموعات المسلحة الأخرى التي تؤيد الحكومة، بالإضافة إلى تجنيد الشباب للخدمة العسكرية الفعلية.

2. مجلس وزراء جمهورية تاجيكستان:

– تقديم الاقتراحات المتعلقة بتكوين وهيكل التنظيم، والتوظيف، والدعم المادي والفني، ومواقع الوحدات العسكرية للقوات المسلحة لجمهورية تاجيكستان، وذلك بحلول 30 ديسمبر 1992.

– إعداد المشاريع الأكثر أهمية للوثائق التشريعية المتعلقة بالقوات المسلحة لجمهورية تاجيكستان وتقديمها إلى المجلس الأعلى للجمهورية.

3. دعم لجنة التشريع والنظام القانوني وحقوق الإنسان التابعة للمجلس الأعلى لجمهورية تاجيكستان في صياغة التشريعات الخاصة بالقوات المسلحة لجمهورية تاجيكستان.

رئيس المجلس الأعلى في جمهورية تاجيكستان زعيم الأمة إمام علي رحمان.

استنادًا إلى هذا القرار، تم خلال النصف الأول من شهر كانون الأول/ديسمبر 1992 وفي الشهرين الأولين من عام 1993 تقريبًا إعداد جميع الوثائق المطلوبة، وبدأت عملية تشكيل الأقسام والوحدات العسكرية في الوقت ذاته. 

وفي 23 فبراير 1993، شهدت الدولة التاجيكية وللمرة الأولى حدثًا تاريخيًا حيث أقيم عرض عسكري في ساحة “الصداقة – Дӯстӣ” بالعاصمة، بمشاركة وحدات عسكرية وتشكيلات حديثة. ومنذ ذلك الحين، تم اعتبار هذا اليوم، 23 فبراير، يوم تأسيس القوات المسلحة في تاجيكستان، ويحتفل به سنويًا في جميع أنحاء البلاد من خلال فعاليات واحتفالات خاصة.

عند تأسيس الجيش الوطني، كان هناك نقص كبير في الكوادر الوطنية، بالإضافة إلى غياب القادة والضباط المحترفين ذوي الخبرة. يعود ذلك إلى أن القيادة في جمهورية تاجيكستان السوفيتية آنذاك والمركز (موسكو) لم تعر اهتمامًا كافيًا لقضية قبول الطلاب في المؤسسات التعليمية العسكرية وتدريب الكوادر المحلية خلال الحقبة السوفيتية. ورغم وجود بعض الضباط التاجيك، إلا أن عددهم كان ضئيلاً للغاية. من جهة أخرى، لم يكن التاجيك متحمسين بشكل كبير بالانضمام إلى صفوف الجيش السوفييتي. وعلى وجه الخصوص، كانت الآباء لا يرغبون في أن يخدم أبناؤهم في الجيش ويبتعدوا عن الوطن، لكنهم في الوقت نفسه كانوا يحتفلون برحيلهم للخدمة العسكرية التي كانت تستمر لمدة سنتين أو ثلاث سنوات، حيث كانوا يحولون يوم وداع أبنائهم إلى مناسبة احتفالية، كما كانوا يحتفلون بعودة أبنائهم من الخدمة العسكرية خارج البلاد.

أدى نقص الكوادر العسكرية إلى قيام الحكومة بدعوة عدد من الضباط الأجانب من دول مثل روسيا وأوزبكستان وجمهوريات أخرى، بهدف إنشاء وحدات عسكرية وتدريب العسكريين في الجمهورية. وقد أسست هذه المجموعة الأساس للقوات المسلحة التاجيكية، حيث عملت كمستشارين وقادة في وزارة الدفاع والإدارات والوحدات العسكرية حتى نهاية عام 2005-2006، وقامت بتشكيل الهيكل الأساسي للقوات المسلحة بشكل عام.

إدراكًا لأهمية هذه القضية، أولت الحكومة التاجيكية وقيادة وزارة الدفاع اهتمامًا كبيرًا لتعليم وتدريب الموظفين المحليين، سواء في الخارج أو داخل البلاد. في البداية، تم تنظيم دورات قصيرة الأجل لتدريب الضباط في مدينة دوشانبي، ثم تم إنشاء كلية عسكرية، التي أعيد تسميتها لاحقًا إلى المعهد العسكري، والذي يخرج سنويًا مئات الضباط الجدد للقوات المسلحة. في الوقت نفسه، قمنا بتدريب ولا نزال ندرب الآلاف من المتخصصين العسكريين ذوي الكفاءة العالية في دول مثل الاتحاد الروسي وكازاخستان والصين والهند وغيرها. اليوم، يكاد يكون نقص الكوادر في القوات المسلحة قد اختفى.

تقوم القوات المسلحة في البلاد حالياً بتنفيذ المهام الموكلة إليها بكفاءة عالية. كما أشار مؤسس السلام والوحدة الوطنية، زعيم الأمة، رئيس البلاد، القائد الأعلى للقوات المسلحة، صاحب السعادة إمام علي رحمان، في أحد خطاباته: “لقد قدمت قواتنا المسلحة خدمات فريدة في حماية إنجازات الاستقلال، والحفاظ على استقرار الوضع في البلاد، ودعم السلام والأمن، ومواجهة الاضطرابات المتمردة، وتوجيه ضربة قاسية للهجمات الخارجية، والقضاء على الجماعات والعصابات الإجرامية المسلحة، ومنع الانقلابات العسكرية والاتجار بالمخدرات“.

يسجل التاريخ أنه حتى في العصور القديمة، كانت الشعوب الآرية، بما في ذلك التاجيك، تمتلك جيوشًا مدربة، وكانت لديهم معرفة وافية بأساليب وتقنيات تنفيذ العمليات العسكرية.

يشير كتاب “أفبستو” إلى أن المجتمع الآري كان يتألف من أربع طبقات: العلماء، والجنود، والحرفيين، والمزارعين. ومن هذا يتضح أن الجنود كانوا يحتلون المرتبة الثانية في المجتمع في تلك الفترة، مما يعكس الاحترام الكبير والمكانة الرفيعة التي كانوا يتمتعون بها.

وقد قال مؤسس السلام والوحدة الوطنية القائد الأعلى للقوات المسلحة في مكان آخر: “إن الجيش الوطني هو أحد أهم ركائز الدولة الوطنية ودرع الوطن الأمين”.

قال مؤسس السلام والوحدة الوطنية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، في موضع آخر: “إن الجيش الوطني يُعتبر من أبرز دعائم الدولة الوطنية ودرع الوطن الحامي“.

في الحقيقة، تظل القوات المسلحة التاجيكية تحت إشراف زعيم الأمة، القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث يتم تجهيزها وتطويرها وتدريبها وصقل مهاراتها بشكل مستمر.

شاركت وحدات القوات المسلحة بشكل فعّال في التدريبات العسكرية التي نظمتها المنظمات والمؤسسات الدولية المرموقة، حيث أظهرت شجاعتها ومعرفتها ومهاراتها المهنية العالية. وقد ساهمت هذه المشاركة في تعزيز سمعة وهيبة جمهورية تاجيكستان، وحصلت على تقييمات عالية من قبل الخبراء العسكريين.

تتطلب الأوضاع الراهنة في المنطقة منا تكثيف الجهود لضمان استعداد القوات المسلحة وجميع المواطنين في سن التجنيد والاحتياط. يجب علينا اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة في الوقت المناسب لتفادي أي مفاجآت في أوقات الحاجة.

لتحقيق هذا الهدف، تأتي مبادرة الحكومة لجمع جزء من سكان البلاد في مواقع محددة، حيث يتم توضيح مهامهم وتعريفهم بالوضع الراهن، بالإضافة إلى أنواع معينة من الأسلحة والذخائر، والتأكد من جاهزيتهم للقتال. هذه الخطوات تُعتبر واحدة من التدابير المتخذة في هذا السياق.

إن تحسين المهارات القتالية واستعداد القوات المسلحة يتطلب تعزيز سيادة القانون والنظام القانوني، بالإضافة إلى الانضباط العسكري والتربية الأخلاقية والسياسية. ولتحقيق هذا الهدف، تم إصدار مرسوم من رئيس جمهورية تاجيكستان في 15 أكتوبر 2001 بعنوان “حول مفهوم العمل التعليمي في القوات المسلحة لجمهورية تاجيكستان”.

استنادًا إلى هذا المفهوم، تم تنفيذ مجموعة من المبادرات المفيدة في القوات المسلحة، والتي تهدف إلى تعزيز الوعي الوطني وروح الصداقة والالتزام العسكري بين الأفراد. في هذا السياق، كانت هناك قضايا بالغة الأهمية، مثل تعزيز التواصل مع المجتمع، وإنشاء بريد إلكتروني أو موقع إلكتروني خاص بوزير الدفاع، وتنظيم صناديق الشكاوى داخل الوحدات العسكرية. كما تم إرسال رسائل شكر إلى أولياء أمور الجنود العاملين والمتقاعدين، بالإضافة إلى إشراك العسكريين في الأنشطة الرياضية والثقافية، وتنظيم لقاءات بين أولياء الأمور والجنود، مما أثبت فعاليته وأسفر عن نتائج إيجابية. وقبل ألف عام، كان نظام الملك – السياسي والصدر الأعظم في بلاط السلاجقة، تولى اهتماماً بالغاً لقضايا التنظيم العسكري في عمله الرائد في السياسة بعنوان “سير الملوك”. وقد خصص اثنا عشر فصلاً من كتابه لفن الحرب، حيث تناول فيه انتصارات وهزائم الجيش وازدهار المملكة، مع التركيز على تفاعل ثلاثة عوامل رئيسية: الملك، الجيش، والرعية.

هذا التراث الثري من الفنون العسكرية الذي ورثناه عن أسلافنا هو ما مكننا من تأسيس جيش وطني وبناء ركائز الدولة في بيئة شبه خالية، وضمان سير عملها بشكل منتظم في فترة زمنية قصيرة. إن ما يمنح جيشنا القوة والشجاعة للولاء لوطنهم وضمان أمن البلاد هو هذا الإحساس العميق بالانتماء الذي ورثناه.

لقد أظهر أفراد قواتنا المسلحة ولاءهم المتواصل للشعب والوطن والدولة ورئيس البلاد في العديد من المناسبات. ومن المهم الإشارة إلى أنه منذ سنوات المقاومة المسلحة وحتى التصدي للتمرد وأعداء الأمة التاجيكية، بالإضافة إلى العديد من العمليات الخاصة، قدم الآلاف من العسكريين في الجيش الوطني ووكالات إنفاذ القانون أرواحهم في سبيل ذلك.

سوف يظل الشعب التاجيكي الفخور والممتن يعتز إلى الأبد بذكرى الشباب الذين بذلوا أرواحهم في سبيل استعادة النظام الدستوري، وتعزيز السلام والاستقرار، وحماية الحدود والوطن، وتعزيز التعايش السلمي والعمل من أجل رفاهية سكان البلاد.

تبرز إسهامات الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي في ميدان الأدب العربي الإسلامي

خلاصة المقالة :

الشيخ الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي وخدماته الجليلة التي قدمها في مجال الدعوة والأدب والصحافة والذود عن الإسلام والمسلمين سواء في الهند أو خارج الهند ، وذلك بمقالاته وكتبه ومؤلفاته ، فكان رئيس تحرير جريدة ” الرائد ” ورئيس التحرير المشارك في مجلة ”البعث الإسلامي ” الصادرتين من ندوة العلماء ، لكناؤ من شمال الهند .

لقد أنجبت الهند عدداً لا بأس به من العلماء والأدباء والفقهاء والمحدثين والمفسرين الذين ذاع صيتهم في جميع البلدان الإسلامية بفضل مؤلفاتهم القيمة ، الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي أحد الأعلام البارزين المعاصرين الذين لهم سمعة طيبة في الأوساط الدينية والعلمية والاجتماعية داخل الهند وخارجها ، ويعتبر من كبار الكتّاب والصحفيين والمدرسين بالهند ، بل يضاهي في كتاباته الصحفية كبار الصحفيين العرب ، وقد نبعت من قلمه الكثير من المؤلفات والمقالات في الأدب والسيرة والصحافة وغيرها .

نسبه ومولده ونشأته وتعليمه :

ولد الأستاذ محمد واضح رشيد الندوي في عام 1932م ببلدة ” رائي بريلي ” في ولاية أترابراديش في شمال الهند ، وهو ابن أخت أبي الحسن علي الحسني الندوي والأخ الشقيق للشيخ محمد الرابع الحسني الندوي ، ولد الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي في أسرة طيبة ، فتربى على يد خاله سماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله ، درس العلوم الابتدائية في بيته وتلقى العربية والدراسات الإسلامية في دار العلوم ندوة العلماء ، لكناؤ ، ثم حصل على الليسانس في الإنجليزية من جامعة ” علي كراه ” الإسلامية ، ويعتبر من كبار الكتّاب والصحفيين والمدرسين بالهند ، قضى صبح حياته عام 1932م في بيت علم وتقى    ودين ، وفي أسرة ينتهي نسبها إلى سيدنا الحسن رضي الله تعالى عنه  ، وعمل في الإذاعة الهندية في القسم العربي لمدة عشرين سنة خلال الفترة    ( 1953 – 1973م ) ، له خبرة واسعة ومهارة كاملة في الترجمة ، قد توسعت معرفته السياسية والإجتماعية ، وبرع في الإنكليزية ، ونبغ في    الصحافة ، وقد استعرضت في المقالة مع قليل من الشرح لبعض أساتذته وتلاميذه .

بدأ حياته العملية بالقسم العربي بإذاعة عموم الهند بدلهي من عام 1953م إلى عام 1973م كمذيع ومترجم من الإنجليزية إلى العربية ، ومن خلال إقامته بدلهي وعمله في الإذاعة الهندية ، درس العلوم السياسية ، والاجتماعية ، ووسع ثقافته الإنجليزية ، ومعرفته عن سياسة الغرب ومجتمعاته ، وما حدث فيها من ثورات وانقلابات في مجالات الحياة الإنسانية في العصر الحديث ، وقام بنقل عدد من المقالات والبحوث العلمية والسياسية ، والتمثيليات ، والقصص العربية التي أذيعت من دلهي وعدد من الإذاعات العربية . وكانت هذه الفترة تمثـل مـرحلةً فاعـلةً في مشـوار حيـاته ، إذ سنحت له الفرصـة للتزود من العلوم السياسية والاجتماعية ، والإنجليزية واطلاعة على الغرب ومزايـا مجتمعاته والمشـاكل التي تعيشها وما طرأ عليها من ثورات وانقلابات ،  وأصبح أحد هيئة التدريس في دار العلوم ندوة العلماء بلكناؤ في سنة 1973م في مجال اللغة العربية والعلوم الإسلامية ، ومنذ ذلك الحين وإلى اليوم وهو يكرس حياته لمهمة تدريس العربية ، وفي تلك الأثناء عين عميداً لكلية اللغة العربية وآدابها بدار العلوم ، كما عمل مديراً للمعهد العالي للدعوة والفكر الإسلامي ، وفي عام 2006م تولى رئاسة الشؤون التعليمية لندوة العلماء ، وذلك إثر وفاة رئيسها السابق الدكتور عبد الله عباس الندوي .

وأما عن الدور البارز في حياته العملية ، فيعتبر صحفياً بارعاً في مجال الصحافة العربية الهندية ، حيث يعمل رئيس التحرير لصحيفة الرائد ورئيس التحرير المشارك في مجلة البعث الإسلامي الصـادرتين من ندوة العلماء ، وقد وُفق الشيخ لإدارة فن الصحافة في أحسن صورة ، ويمكن القول إنه يضـاهي في كتاباته الصحفية كبار العرب عند تقديمه للموضوعات وتحليلها وتوجيه المجتمع وتبصيرهم وتوعيتهم بكل ما يحدث صغيراً وكبيراً في أنحاء العالم ، وكتاباته المستمرة التي تزيد بها صفحات الرائد والبعث الإسلامي وعدد من الصحف الهندية    والعربية ، تتمثل فيها مقدرته الفائقة وصنـاعته المتقنة في هذا المجال

دور الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي في الصحافة العربية الهندية :

يقوم الشيخ السيد محمد واضح رشيد الندوي بدوره القيادي في الصحافة العربية الهندية المعاصرة ، ويشهد بذلك المئات من الصفحات التي أثراها الشيخ بمقالاته وأفكاره وتعليقاته وانتقاداته التي تتفجر معانيها وكلماتها من قلبه وقلمه تلقائياً من دون أن يتكلف فيها . ويعد الشيخ في زمرة العلماء الذين أوتوا فهما واسعاً واطلاعاً نافذاً وقلباً واعياً وذاكرةً قويةً ، إلى جانب اطلاعه على الثقافتين الشرقية والغربية . وقد نجح تماماً في تقديم المحاسن الأولى التي أساسها الوحي الإلهي والشريعة السماوية ، كما دحض المزاعم الباطلة التي يقوم بالدعاية لها رجال الثقافة الغربية . وكتاباته في مجلة البعث الإسلامي تحت عنوان ” صور وأوضاع ” تعبر عن مواكبته كل ما يجري في الأوساط السياسية والاجتماعية ، مما يجعل القارئ يعايش أحداث العالم ، وقد خصَص هذه الصفحات ليتصدى لمن يحاول العبث بالدين والشريعة ، والقيم والأخلاقيات ، والإنسان والإنسانية خاصة القادة والمفكرين الغربيين الذين يتحدثون دائماً من منطلق القوة الكاذبة والتفوق المزوَّر . يظل الأستاذ واضح رشيد الحسني قائماً بخدمات التدريس والتأليف والكتابة الصحفية منذ 1973م بدار العلوم ندوة العلماء لكناؤ ، وتقلد مناصب عاليةً بها ، فأصبح عميد كلية اللغة العربية وآدابها ومدير المعهد العالي للدعوة والفكر الإسلامي ورئيس شئون التعليم.

خدماته الوظيفية:

بدأ الأستاذ حياته الوظيفية بالقسم العربي بإذاعة عموم الهند بدلهي، واحتل عدة مناصب فيه خلال عشرين سنة من عام 1953 م إلى عام 1973 م، منها منصب مساعد رئيس القسم، ثم عين في منصب مراقب للإذاعة العربية الخارجية،  ثم منصب مذيع ومترجم، فقد قرأ خلال هذه الفترة – التي تحتوى على عقدين – الكتب العربية القديمة والحديثة وتوقف على الحركات والتطورات في العالم العربي وكذلك قرأ كتب الأدب الإنجليزي حيث أكمل الليسانس في الأدب الإنجليزي في هذه الفترة، فمهنته هذه هيأت له الفرص للالتقاء بكبار الساسة والقادة ورؤساء الجماعات والأحزاب المختلفة داخل البلاد وخارجها بصفة خاصة من الشرق الإسلامي أوالشرق الأوسط فقد كان يجري المقابلات والحوارات الصحفية وكان القسم العربي في ذلك العهد استولى عليه المذيعون والمترجمون العرب الذين كانوا منتمين إلى بلدان عربية عريقة مختلفة مثل العراق وسوريا ومصر وفلسطين وكان فيهم أدباء، وقصصيون، وكان منهم صحافيون، فاستفاد الأستاذ الندوي من علمهم وخبرتهم، وذوقهم الأدبي

اشتغاله بالتدريس في ندوة العلماء:

في عام 1973 م تنازل الأستاذ عن منصبه في الإذاعة لعموم الهند طوعا ليفرغ نفسه للخدمات الدينية، ورجع إلى دار العلوم لندوة العلماء لكناؤ، وتم تعيينه في جامعة ندوة العلماء كأستاذ اللغة العرية وآدابها. و منذ ذلك الحين زال يدرس فيها بجانب رئاسته لتحرير صحيفة “الرائد” ورئيس التحرير المشارك في مجلة “البعث الإسلامي” حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. إنه عمل مديرا للمعهد العالي للدعوة والفكر الإسلامي، ثم عين عميدا لكلية اللغة العربية وآدابها بدار العلوم ندوة العلماء. وبعد وفاة الدكتور عبد الله عباس الندوي أختير رئيسا للشؤون التعليمية لندوة العلماء سنة 2006 م.

مكانته في المؤسسات والجمعيات:

-1 الأمين العالم المساعد لمجلس الأمناء لرابطة الأدب الإسلامي العالمية

-2 سكرتير المجمع الإسلامي العلمي، ندوة العلماء، لكناؤ.

-3 عضومجمع أبي الكلام آزاد، لكناؤ.

-4 عضوالهيئة الاستشارية لدار العلوم، بستي.

-5 الرئيس العام لمدرسة فلاح المسلمين، رائ بريلي.

-6 نائب رئيس دار عرفات، رائ بريلي.

الرحلات العلمية:

لقد زار الأستاذ الندوي دول العالم المختلفة واشترك في ندوات ومؤتمرات في بعض الدول والمدن العالمية منها استنبول، والقاهرة، وعمان، ولاهور، وتشانج، ومكة المكرمة، وأوكسفورد، والرياض، والمدينة المنورة، وكذلك زار دولا أخرى منها المملكة السعودية العربية، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، وتركيا، وباكستان وبنجلاديش، وعمان، وبريطانيا، والتقى بمناسبة هذه الرحلات بنخبة العالم الإسلامي من أمثال سعيد رمضان البوطي ،والدكتور عمر فروخ، والدكتور عمر بهاء الأميري وبعض الملوك والحكام أمثال الملك فيصل، والأمير حسن طلال والرئيس الباكستاني فاروق لغاري.

مجلة ” البعث الإسلامي ” :

صدرت مجلة ” البعث الإسلامي ” من ندوة العلماء  ، لكناؤ ، فقد أنشأها الكاتب الإسلامي ورئيس تحريرها الأستاذ محمد الحسني وشاركه الدكتور سعيد الأعظمي الندوي ، رئيس تحريرها الحالي ، كما شاركه الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي ، وهذه المجلة كان من أهدافها :

1)  رفع مستوى اللغة العربية والأدب العربي في الهند

2)  توثيق الصلات الأدبية والثقافية بين المدارس في الهند

3)  بعث الروح الإسلامية والأدبية في الشباب

4)  إنشاء روابط ثقافية بين طلاب المدارس العربية في الهند وشباب العالم العربي

5)  توجيهات رشيدة للطلبة في الدراسة والتعليم [5]

جريدة ” الرائد ” :

صدرت من ندوة العلماء ، لكناؤ ، وهي جريدة نصف شهرية ، أصدرها سعادة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي ( رئيس ندوة العلماء اليوم ) من النادي العربي بدار العلوم لندوة العلماء في عام تسعة وخمسين وتسع مأة وألف ، وقد صدر أول عدد لهذه الجريدة في شهر يوليو عام 1959م . نوجز الأهداف التي تعمل جريدة ” الرائد ” لأدائها فيما يلي :

1)  خدمة الدين الإسلامي والعمل على نشر دعوته

2)  توفير الفرص للطلاب والشباب لتنمية كفاءاتهم وشحذها

3)  التعريف بحركة ندوة العلماء وأهدافها

4)  دحض الفكر المنحرف والضال والكشف عن مواطن الزيف فيه للشباب

5)  السعي لنشر اللغة العربية

6)  تنمية ملكة الكتابة بالعربية عند الشباب وتشجيعهم على المساهمة العملية في الصحافة العربية الإسلامية في هذه البلاد

7)  التعريف بالحركات الدينية العالمية والتعريف بالشخصيات والدوائر الإسلامية العالمية

جريدة ” الرائد ” دخلت في مجال الصحافة برسالة سامية وآداب صحفية مثالية ، وأصدرها أهلها باللغة العربية من إقليم بعيد عن البلاد الناطقة بها ، ولم يكن يدفعهم إلى ذلك الطمع في كسب المادة أو جمع المال بل الهدف الوحيد الذي كان يحدوهم إلى اتخاذ هذه الخطوة هو خدمة الإسلام واللغة العربية ونشرها في أبناء هذه البلاد وديمومة الاتصال غيرها بالعالم الإسلامي الناطق بلغة الضاد ، ثم قد نجحوا في رفع مستواها في المادة المنشورة والمظهر والإخراج ، بحيث إنها بدأت تضاهي الجرائد الصادرة في العالم العربي  . ( كان سعيد الأعظمي من أول المساعدين مع المشرف الأعلى سعادة العلامة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي حفظه الله تعالى ) .

وقد اشتغل السيد محمد واضح رشيد الندوي نائب رئيس تحرير مجلة : ” البعث الإسلامي ” ورئيس تحرير جريدة ” الرائد ” بالإضافة إلى إشرافه لمجلة : ” The Fragrance of East ” الإنجليرية الشهرية الصادرة من ندوة العلماء ، كما عين السكرتير العام للمجمع الإسلامي العلمي لكناؤ ، وبعد وفاة أستاذه الدكتور عبد الله عباس الندوي تقلد منصب رئيس الشؤون التعليمية لدار العلوم ندوة العلماء ، فقد أسبغ الله تعالى عليه قلماً عذباً سلسالاً نال القبول والرواج ، وسيطر على أفئدة    المتذوقين ، وخاصةً حينما يصرصر في العربية الحديثة الحية الرائجة في العصر الحديث ، المقبولة لدى الأذكياء المثقفين ، فمقالاته التحليلية المنشورة في مجلة : ” البعث الإسلامي ” وجريدة ” الرائد ” تحلل الأوضاع الراهنة تحليلاً موضوعياً في ضوء كتاب الله العزيز ، وسنة النبي الكريم رحمة للعالمين ، وقد نبعت من قلمه مؤلفات في الأدب والسيرة والصحافة وما إلى ذلك ، والتي سنقوم بعرضها لاحقاً .

يبلغ عدد كتب الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي 23 كتاباً ، منها 17 كتاباً نشرت من المكتبات المشهورة في الهند ، وترجم الشيخ محمد واضح رشيد الحسني  الندوي كتابين من اللغة الأردية إلى اللغة العربية وخمسة كتب تحت الطباعة ، وأذكر أسماء بعض كتب الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي وهي على ما يأتي :

1)  إلى نظام عالمي جديد

2)  حركة التعليم الإسلامي في الهند وتطوّر المنهج

3)  تاريخ الثقافة الإسلامية

4)  لمحات من سيرة النبوية والأدب النبوي

5)  أدب الصّحوة الإسلامية

6)  أعلام الأدب العربي في العصر الحديث

7)  الإمام أحمد بن عرفان الشهيد

8)  المسحة الأدبية في كتابات الشيخ أبي الحسني علي الحسني الندوي

9)  مصادر الأدب العربي

10)  أدب أهل القلوب

11)  تاريخ الأدب العربي

12)  الدعوة الإسلامية ومناهجها في الهند

13)  مختصر الشمائل النبوية صلى الله عليه وسلّم وصاحبها

14)  الشيخ أبو الحسن الندوي قائداً حكيماً

15)  من صناعة الموت إلى صناعة القرارات [7]

وهناك مقالات أخرى كثيرة في مجلة ” البعث الإسلامي ” كتبت بمناسبات مختلفة وأحوال طارئة ، ولكنها لم تنشر في صورة كتاب ، رغم أن بعض المقالات لها أثر بالغ في النفوس وأهمية كبيرة ، يمكن أن تشكل كتاباً أو كتابين لا يقل أهمية عن مؤلفاته الأخرى التي نشرت ، وسنذكر هنا تلك المقالات التي نشرت في كتبه المذكورة سابقاً ، كتب الشيخ محمد واضح رشيد الندوي العديد من المقالات الأكاديمية والقيمة في مجلة البعث الإسلامي ، ويبلغ عددها حوالي 298 [8] حتى اليوم ، وهذه عناوين بعض المقالات للأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي المنشورة في مجلة ” البعث الإسلامي ” :

1) تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

2)  لا يستقر العدل إلا بنظام مستقل للقضاء

3)  حضارة بلا ثقافة

4)  موقفان متعارضان بين صراع ولقاء

5)  هل تتبع أمريكا خطى الاتحاد السوفيتي ؟

6)  أمة تحارب وتلهو

7)  خمسون سنة للبعث الإسلامي

8)  هل يسيطر الاستعمار على العالم مرة أخرى

9)  مكافحة الإرهاب تتحول إلى وسيلة للاستعمار

10)  بين موقف المسلمين وموقف غيرهم

11)  رفض منطق العقل يسبب الصراعات

12)  جريمة جديدة بعد جرائم عديدة ضد الإنسانية

13)  الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي

14)  جمهوريات ، ولكن بدون الحقوق الديمقراطية

15)  النصرانية في طورها الجديد

هناك مقالات أخرى كثيرة في صحيفة ” الرائد ” كتبت بمناسبة مختلفة ، ولكنها لم تنشر في صورة كتاب ، رغم أن بعض المقالات لها أثر بالغ في النفوس ولأهميتها الكبيرة ، يمكن أن تشكل كتاباً أو كتابين لا يقل أهميةً عن مؤلفات الأخرى التي نشرت ، وسنذكر هنا تلك المقالات التي نشرت في صحيفة ” الرائد ” ، والتي يبلغ عددها حتى اليوم حوالي 471 [9] مقالة ، أذكر عناوين بعض المقالات المنشورة للأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي في جريدة ” الرائد ” :

1)  فرصة لاستثمار الوعي الإسلامي وتنسيق العمل الإسلامي

2)  رائد القوم لايكذب أهله

3)  الإسلام دين الإنسانية والعدل

4)  المواقف التي تحتاج إلى تطوير

5)  رسول الهدى ومتمم مكارم الأخلاق

6)  من النور إلى الظلمات

7)  المجتمع الأوربي أمام تحديات جديدة

8)  أسوة كاملة خالدة للإنسانية

9)  رمضان شهر تزكية النفس

10)  أوربا و نفسية الخوف

11)  الموقف السلبي للإعلام الإسلامي

12)  المحن والشدائد اختبار لمعدن المسلمين وصلاحيتهم للمعالجة

13)  العداء للإسلام حالة طارئة تزول

14)  الدعوة عمل وجداني وفكري وعملي

15)  المسلمون أمة عالمية ذات عطاء

خاتمة :

وهكذا يتضح جلياً أن الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي هو أحد الأعلام البارزين المعاصرين الذين ذاع صيتهم في الأوساط الدينية والعلمية والاجتماعية داخل الهند وخارجها ، يقوم الشيخ السيد محمد واضح رشيد الندوي بدور محوري وقيادي في الصحافة العربية الهندية المعاصرة ، ويشهد بذلك المئات من الصفحات التي أثراها الشيخ بمقالاته وأفكاره وتعليقاته وانتقاداته ويعد الشيخ من زمرة العلماء الذين أوتوا فهماً واسعاً واطلاعاً نافذاً وقلباً واعياً وذاكرةً قويةً ، إلى جانب تضلعه في الثقافتين الشرقية والغربية .توفي الأستاذ واضح في 16/ يناير 2019م .

المراجع :

1) محمد الحسني حياته وآثاره ، ص 40 ، للدكتور أيوب تاج الدين الندوي .

2)  خانوادة علم الله ( رحيم الله ) باللغة الأردية ، ص : 343 ، للشيخ محمد الثاني الحسني ، 2009م .

3)  مقدمة من الكتاب ” إلى نظام عالمي جديد ” ، بقلم محمد واضح رشيد الحسني الندوي

4)  أعلام الأدب العربي في الهند ، ص : 214 – 215 ، للدكتور جمال الدين الفاروقي .

5)  وعبد الرحمن محمد الآدرشيري وعبد الرحمن المنغادي ، 2008م .

6)  الصحافة العربية : نشأتها وتطورها ، بقلم سعيد الأعظمي الندوي ، ص : 59 .

7)  الصحافة الإسلامية في الهند تاريخها وتطورها ، بقلم دكتور سليم الرحمن خان الندوي ، ص : 306 – 307 .

8) ” أعلام الأدب العربي في العصر الحديث ” بقلم محمد واضح رشيد الحسني الندوي .


[1] الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية، كلية جمال محمد، التابعة لجامعة بهارديداسن، تيروشيرابالى-620020، الهند.

[2] الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية، كلية جمال محمد، التابعة لجامعة بهارديداسن، تيروشيرابالى-620020، الهند.