المسافِر راح

ياضِيّاع أصواتِنا في المَدى والرّيح..
لكنّه الشّوق، أحيانا نُنادِي ونُلوّح رُغم اللّاجَدوى، تُعشّشُ إلى الآن في ذاكِرتِي طرِيقَنَا الطّويل وسيّارَة المرسِدس التي تُجابِه رِيح الأجواء وصَمت الظّهيرة، تمضِي سَريعة سُرعة لا تسمح لي بالتقاطِ كلّ الصور التي أراها وأنا أُسنِد رأسي للنّافِذة، وحدَها المُوسيقى تمشِي الهوينا، وحدَها كلمات راشِد الماجِد وهو يطلُب المُستحيل تَعلَقُ بالذّاكرة: لا تلوح للمسافر!
أحبّ المرسدس190 إلى الآن، وأحبّ أبو بكر سالم وَالْمُسَافَر، لَم أنسَ الأسفَار كنتُ أحبّها في صميمِ الصّيف، وفي ظلّ الشّتاء، يَمزحُ أخِي يُقلّد لهجة الماجِد الخليجية الگيتار فاتنا! يقصِد أخي القيثارة ويقصِد راشد الماجد القِطار، أمّا أنا لا أخشَى شيئا أن يفوتني، ظِلال عمَامة سوداء تُطوّقُ مخاوِفي، يصمُت أبِي لا يتحدث كثيرا في الطّريق، أورَثنِي تِلك الصّفة، السّفرُ للتأمّل !كيفَ لِمن ينام أو يثرثر كثيرا أن يُدرِك لُغة الطّرقات، الذين يصمتون تهبهم الأرض فُرصة لمسِ السّراب!…يُصمّمُ راشِد على طلباته المُستحيلة :لاتنادِي للمسافِر!
ويستمّر سفرنا الطّويل، تتصاعدُ أحيانا طقطقة حبّات السُّبحة، لا يكفّ عن الذّكر، أعرِف أنّه لَم ينَم، نصِل المدينة الأخرى أحيانا مع حلول الظّلام، يكون أبو بكر سالِم حينها مُستعدّا لبِداية غناء ما يهزك ريح يا مركب هوانا، في ما يتناسب وجوّ المدينة الأخرى من نَسمَات بارِدة ومراكِب البَحر وتلويحات صيّادٍ ما…
لا أسمَحُ للكلمات أن تخرُج من ذِهني، وإن غادَرت ألحانها مُسجّلَ السّيارة، أثبِت عيناي جيّدا في زجاج السّيارة البارِد، وأتخّيلُ سفَر العُيون، لمّا كانت لِي عُيُون …!أتأمّل وأتخيّل حتّى تنام أنوار الشّوارع…

سَافَرَت كلَ الأشياء على حِينِ غَفلَة منّا، توالى المُسافِرون تِباعا، أبِي والمرسدس وكاتِب الأغنية بَدر، الأغنية ذاتها ارتدت جناحا وطَارت…استطَعتُ أن أدرِك معنى رَحيل العُيون، لمّا كانت لي عُيون…لم أعُد أتأمّل الطّرقات، وأغنيات الطّريق مهما علا صوتُها تظلّ خافِتة في أذنِي بِلا صوت، صامِتة كلّ الأشياء، لا تلوح للمسافِر، لاتنادِي للمسافِر، كانت صادِقة…كانت الكلمات حينها أعمَقَ منّي، كنتُ أخاله القِطار أو مزحة أخي الگيتار! كُنت صغيرة تتسلّقُ خُيوطَ الزّمَن لكي تَهِيم في المَعانِي، ومَضى القِطار الذي حين مَضَى خطَف معَهُ الأمَان، وأفِلت بعد رحِيله النّجوم وتبخّرت الأطياف، قال راشِد وانطَفَا ضيّ الحُرُوف، أهرُب مِن كلِماتِه لِكي لايُدرِكني ظلامُ الشّوارِع، أنا لا قنادِيل عندي أهتدِي بِها لكي أستحضِر طيفَه سِوى الحُروف، أنا التي خبّأتُ أبِي في ورقة …

تحيةٌ فلسطينيةٌ من الأعماق إلى جبهاتِ المقاومة والإسناد

لم يقف معنا سواهم، ولم يقاتل إلى جانبنا غيرهم، ولم يؤيدنا في حقنا ويساندنا في مقاومتنا إلا هم، ولم يتحمل معنا تبعات المقاومة ونتائج القتال بحقٍ أحدٌ مثلهم، وكانوا أسبق الناس إلى نصرتنا، وأسرعهم إلى مساعدتنا، وألهفهم علينا، وأصدقهم في تحالفهم معنا، وأنبلهم في وقوفهم إلى جانبنا، في وقتٍ انحطت فيه القيم، وانتكست الأخلاق، وغابت الفضائل وتراجعت الشمائل، وعزَّ فيه النصير وقلَّ الصديق، ونذر الوفاء وانعدم الرجاء، وتخلى عن نصرة الحق الأخُ والشقيق، وتحالف مع العدو القريبُ والبعيد.

إنهم فئةٌ من الأمة قليلة، وثلة منها مباركة، وجماعاتٌ مختارةٌ، آمنت بربها وصدقت وعدها، ووفت بعهدها، والتزمت كلمتها، وكانوا أهل شهامةٍ ونبلٍ، وأصحاب مروءةٍ وشرفٍ، إذ انبروا منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة إلى حمل السلاح وفتح الجبهات، وبادروا العدو بالقتال، وقاوموه بالفعل، وأعلنوا أنهم جبهاتٌ مساندة، وقوى رديفة، تقاتل إلى جانب الفلسطينيين ومعهم، وتساندهم في حقهم وتدعمهم، فأوجعوا العدو وشغلوه، وناوشوه وقاتلوه، ومن قريبٍ وبعيدٍ قصفوه، وبالمزيد هددوه، وبالشواهد أرهبوه، وبالكثير من الأهداف قيدوه، وبالقرار الحاسم خيروه، فإمَّا وقفاً للعدوان على غزة، أو يتحمل وحده تبعات الحرب ونتائج القتال وفتح المزيد من الجبهات.

إنه لبنان ومقاومته الإسلامية، وجبهة جنوبه الجامعة، التي اتسع قوسها للرماة الصادقين من كل الجهات، وتزينت سماؤها بالصواريخ من كل الجماعات، فكانوا إلى جانب حزب الله الذي لم يتأخر في موقفه، ولم يستشر في سياسته، ولم يتردد في قراره، ولم ينتظر رأياً لأداء واجبه، إذ أعلن منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أنها معركة الأمة التي تستوجب النفير العام والنصرة الممكنة، وهي حربٌ بين الحق والباطل، وأن العدو يجب أن ينكسر فيها، وأن المقاومة يجب أن تنتصر في غزة وفي كل مكان، ووعد صادقاً أنها ستبقى صامدةً ولن تهزم، ولن ينال منها العدو وعليها لن ينتصر، وما زال على أرض المعركة ثابتاً يقاتل، لم يتعب رغم طول الحرب، ولم ييأس رغم عظم تضحياته، ولم يتراجع عن موقفه الأول، أنه مع غزة حتى تضع الحرب أوزارها، وينهي العدو عدوانه عليها وينسحب منها.

ربما تكون الجبهة اللبنانية هي أكثر الجبهات سخونةً، وأكثرها عطاءً، وأعظمها تضحيةً، وأخطرها على العدو، وأشدها على حلفائه، وأصدقها موقفاً وأثبتها سياسةً، وأصبرها على القتال، وأقدرها على مواصلة الإسناد، وقد طالها الكثير مما طال أهل قطاع غزة، تدميراً وخراباً وقتلاً ونزوحاً، وقدم حزب الله خلالها العشرات من خيرة رجاله، وأفضل قادته، ونخبة مقاتليه، وأكثرهم تميزاً في الميدان واختصاصاً في الحرب والقتال، ورغم ذلك فهو يعض على الجراح، ويصبر على التضحيات، ويصر على مواصلة القتال، حتى يرى قطاع غزة حراً عزيزاً، محرراً مطهراً لا وجود فيه لجنود العدو، ولا قدرة له على تهديده أو قتاله. 

وعلى ذات الدرب كان اليمن السعيد، الشقيق المخلص البعيد، الذي ننتمي إليه نسباً ونتشرف به أصلاً، الذي رغم الجوع والحرمان، والعدوان والحصار، وشظف العيش وَمُرَّ الحياة، فقد أَصَرَّ أن يكون له في هذه المعركة سهمٌ يباهي به ويتفاخر، ويلاقي به ربه عز وجل ويتواضع، وينافس به إخوانه ويتسابق، وأبى رغم جراحه وكثرة همومه إلا أن ينصر فلسطين وأهلها، وأن يساند المقاومة ورجالها، وأن يكون إلى جانب غزة وأبنائها، ولم يبالِ بما قد يصيبه أو يلحق به، فقد وَطَّنَ نفسه على تلقي الضربات، وتحمل الأعباء، ومواجهة الأعداء، وصبر على عدوان بريطانيا والأمريكان، واحتسب عند الله عز وجل نتائج الغارات وتبعات العدوان.

وغير بعيدٍ من فلسطين انتظمت المقاومة العراقية وتعاهدت، وتظافرت جهودها واتسقت، وأصرت أن تعيد مجد العراقيين وأن ترهب الإسرائيليين، الذين لم ينسوا بأس العراق، ولم تشف جراحهم من جبهات قتاله في فلسطين ضدهم، ولم يستطع الزمن أن يمحو آثارهم، فتنافست مجموعاته وتسابقت كتائبه، كلها تريد شرف المشاركة وفضل السبق، فأطلقت صواريخها وسيرت مسيراتها، وأعدت المزيد ليوم كريهةٍ آخر، يوجع العدو ويؤلمه، ويترصده ويصدعه، ولعلها لا تخش ردة فعله ولا انتقام حلفائه، ولا تبالي بغضبة أمريكا ولا ردة فعل أتباعها، التي لا يروق لها فعل أهلها ولا غيرة رجالها.

ظن العدو وحلفاؤه أن محور المقاومة وهمٌ، وأن وحدة الساحات خيالٌ، وأن جبهات الإسناد سرابٌ، وأن أحداً لن ينصر الفلسطينيين أو يقف معهم، أو يقوى على مساندتهم ويستطيع مساعدتهم، وأنه سيتمكن منهم وسيستفرد بهم، وسيحقق ما يريد، وسينال منهم ما يتمنى، ظناً منه أن الفلسطينيين باتوا وحدهم، لا ناصر لهم ولا سند، ولا معين لهم ولا شريك معهم، وأنهم أضحوا ضعفاء لا حول لهم ولا قوة ، وعاجزين فلا قدرة لديهم ولا حضن قريب عندهم.

لكنهم فوجئوا بأن وحدة الساحات حقيقة، وأن جبهات الإسناد صادقة، وأن قوى المقاومة حاضرة، وأن بأسها شديدٌ، وفعلها مؤثر، وقدرتها على الثبات والمواصلة، والاستمرار والتطوير كبيرة.

خالص التحية والتقدير باسم المقاومة في فلسطين، وأهلنا في غزة وعموم الفلسطينيين، إلى قوى المقاومة التي ساندتنا وأيدتنا، ووقفت معنا وساعدتنا، ولم تتركنا وحدنا ولم تتخل عنا، وأعادت بمواقفها عملاً لا قولاً، للإسلام إخوته، وللعروبة تضامنها، وللجيرة نخوتها، وللحلفاء صدقهم، وللمقاومة جديتها ومصداقيتها، وإخلاصها وولائها، حماها الله وأيدها، وحفظها ورعاها، ووسع قوسها وفتح إطارها، وجعلها جنداً للتحرير، وذخراً للأمة. 

الابتزاز العاطفي

“لو كنت تحبني لفعلت كذا وكذا من أجلي” هي عبارة رخيصة يستخدمها أصحاب النفوس المريضة من أجل الحصول على كل شيء وعدم خسارة أي شيء. يرجع ذلك إلى الطفولة نظراً لأن أحد الوالدين يستخدم عبارات مثل “افعل ذلك من أجل أن أحبك”، “لو فعلت كذا سوف أحبك”، “لو فعلت كذا ستسعد أباك”، “لو فعلت كذا ستفرح والدتك”. جميعها عبارات ابتزاز عاطفي يستخدمها الوالدان لكي ينفذ الطفل ما يأمرانه به، دون أن يعلمان عواقب تلك العبارات عليه حينما يكبر في علاقاته الشخصية في تكوينها ومفهومها. نتاج ذلك، تترسخ تلك العبارات في دماغ الطفل ويشب على هذه العقلية.

وإليكم بعض أنماط الابتزاز العاطفي:

النمط الأول:

البعض يترجم العاطفة والمحبة حسب هواه؛ على سبيل المثال: “أليس أنكِ تحبينني؟ إذن تنازلي قليلاً عن طموحكِ، أليس أنكِ تحبينني؟ ابتعدي عن كل أهلكِ وأحبائكِ وابقِ معي، أليس أنكِ تحبينني؟ اتركي كل ما تحبينه من أجلي.”

– “لكنني لا أستطيع فعل ذلك.”

– “إذن أنتِ لا تحبينني، لأن لو كان في قلبك ذرة حب، لكنتِ فعلتِ ما أحب.”

– “حسناً، سأبتعد.”

– “أرأيتِ؟ أنتِ لا تحبينني، لو كنتِ تحبينني، لكنتِ تحملتِ كل شيء من أجلي، لو كنتِ تحبينني، لكنتِ تحملتِ عصبيتي وتنازلتِ عن طموحكِ وابتعدتِ عن كل أحبائكِ وجعلتني محور حياتكِ وتخلّيتِ عن راحتكِ من أجلي. لكنكِ لا تحبينني؛ غالباً أنا اخترت خطأً، لأن من يحب يتنازل ويسامح بلا حدود ويتحمل، لكنني أرى أنكِ لا تمتلكين أي شيء يدل على أنكِ تحبينني.”

النمط الثاني:

تعالي نذهب إلى المكان الفلاني أنا أحبه، تعالي نسافر إلى المنطقة الفلانية أصلي أحبها، ارتدي هذا الأسلوب لأني أحبه، وهكذا كثيرًا… من أنماط الابتزاز العاطفي. من خلال تلك البوابة تجد نفسك تفعل كل ما يحبه ويريده الطرف الآخر، ولا يفعل هو أي شيء من أجلك، وتفقد أنت هوايتك وتصبح نسخة مما يريده هو. إذا كنتِ/كنتَ تقابل هذا النمط في حياتك، فللأسف أنت تستغل باسم الحب.

سؤال:

لماذا لا تعكس الأمر عليه؟ إذا كنتَ تحبني، لماذا لا تتنازل عن شيء أو آخر لأجلي ولأنك تحبني؟! لماذا يجب عليَّ أنا التنازل دائمًا وأنت لا تتنازل عن أي شيء؟! لماذا يجب أن أكون أنا الشخص المضحي والمتهاون في حقوقه من أجل الحب؟! لماذا لم تفعل أنت شيئًا من أجلي؟ الحب أسمى من كل تلك الادعاءات. الحب هو أن أحترم مساحتك الشخصية، أن أتفهم طموحاتك وتطلعاتك. الحب هو أن أفهمك وتفهمني، أن أتنازل من أجلك وتتنازل من أجلي؛ كما يقولون: كل مفعول مردود، فما تحب أن أفعله معك افعله معي كي يعود لك. العطاء متبادل، لا يوجد ما يسمى بالتنازل والتضحية في قانون الحب. إذا كنتَ تهواني، اقبلني كما أنا حتى وإن كان غير متناسب معك. لم يكن هذا أبدًا هو الحب؛ قبل أن تفصحوا عن مشاعركم لمن تحبون، تعلموا في البداية كيف يكون الحب. الحب يقوي، لا يضعف، الحب يقدم، لا يؤخر. اجعل قلبك وعقلك في الحب كالصنارة؛ القلب كالخطاف العالق في الخيط، والعقل هو العصا التي تتحكم فيها. كلما اجتر قلبك وراء الوهم، أنجاه العقل بسرعة الرد حتى لا تُستنزف عاطفيًا.

فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله

النساء هن عنصر مهم في تحقيق تماسك المجتمع والأسرة. النساء هن اللواتي يصورن الأوساط الثقافية والعلمية، وهن اللواتي يلعبن دورًا قياديًا في تعزيز وازدهار المجتمع بشكل كبير. إذا ساهم كل فرد في بناء نظام أسري فعّال، يمكننا تحقيق المجتمع المثالي فورًا.

الإسلام يتخذ في النساء وجهة وموقفًا مثاليًا غريبًا يختلف عن سائر الأديان وجميع الثقافات، وينتهك كل الآراء والأهداف التي كانت ترى النساء محض متاع لقضاء الحاجات والشهوات ليس غير. ولكن الإسلام بذل قصارى جهده لترقية النساء وتنميتهن الذاتية والمعنوية، وحققها إلى الغاية. حيث وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة بأنها أساس المجتمع ومدارها، وأخلاقهن المعنوية وسلوكهن المكلل بالشعور الديني هو ثروة وإضافة للجيل القادم المنتشر. كما سمعنا عن جهودها وقصصها الملحمية والتفاني العميق في تنشئة وتربية أبنائهن عند غياب الآباء والرجال.

يا للعجب والفخار، عندما نسمع أنه كانت هناك زمرة من النسوة العالمات الراسخات في العلوم الدينية، المبدعات في الآراء والمواقف، واللواتي يضحين بحياتهن لتشكيل النظام الاجتماعي وتنمية غيرهن لا لأنفسهن. أما سمعت الاقتباس المشهور “وراء كل فوز ونجاح يد امرأة”؟ صفحات التاريخ تعلمنا أن هناك نسوة ماهرات وعبقريات في مختلف العلوم والشعور، كن مستندات ومعتمدات في الفقه، والحديث، والتفسير، خاصة في الإفتاء. هذا كله يجعلنا نحرص على معرفة المزيد عنهن. إنما يبحث هنا عن المساهمة والمكانة المميزة التي حصلت عليها النساء وأدوارهن في الشريعة الإسلامية، وأدوار القرآن والحديث في تغيير وجهة المجتمع نحو النساء، بدعوة النساء إلى الشريعة مباشرة، مما يجبر القرآن الرجال على قبولهن كذوات وجودية معنوية.

نبذة من تاريخ النساء الذهبية

“ما عرفت أكثر علماً في الطب والشعر من عائشة رضي الله عنها”. هذه الكلمات قالها الزبير رضي الله عنه، أعظم شخصية شهدها العالم في مجال العلوم والأخلاق، وصاحبة رأي ناضج. إن كانت العلوم زينة لزوج النبي فهي لنساء المسلمات زينة وتفاخر. عائشة الصديقة، خير نصف النبي، ومع ذلك كانت خزانة العلوم الدينية والشريعة الإسلامية، وهي ثاني أكبر شخصية في رواية الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي يبلغ عددها 2210، منها 197 حديثاً رواه البخاري في كتابه الشريف. وجميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كنَّ عالمات، ليس بأميات في القرآن والحديث والعلوم والشعر وعلم النسب، حتى اشتاق الصحابة كلهم أن يرووا الأحاديث عنهن بسبب هذه العبقرية الظاهرة الفذة.

هناك أمثلة أخرى مثل حفصة رضي الله عنها التي كانت تحسن الكتابة والقراءة، وكذلك زيب النساء بنت أورنكزيب المغولية التي تبحرت في العلوم وحفظت القرآن من مريم أم عناية الله الكشميري وغيرها من العالمات الحاذقات، حتى استأهلن للإفتاء من وراء الحجاب في القصور عند العلماء المشهورين. وكذلك زبيدة زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد التي كانت لها ١٠٠ جارية صغيرة حافظات للقرآن. ويقال إنه كان للشيخ جوزي ثالث أستاذة ماهرة من النساء، وكان لصاحب “تاريخ دمشق” ابن عساكر ثمانون أستاذة من النساء العبقريات، وكذلك أمهات الأئمة الأربعة، وبنت أبو بكر السمرقندي وخنساء، وأسماء رضي الله عنها. وكذلك هناك العديد من النساء الحاذقات اللاتي قضين حياتهن بالتعلم والتعليم.

عالمات كيرالا

ولا تنسوا عالمات كيرالا التي نوّرن أوساط المجتمع بعمق مهاراتهن في العلوم والفنون، واحد منهن أم عائشة التي درست كتاب “العمدة” و “نور الأبصار” في أوساط بلدتها، وهي أم شيخ الحديث حسن حضرت في كلية الباقيات الصالحات، وعالمة فقيهة بنت كتيامو مولوي وزوج عبد الرحمن مولوي التى كانت تدرس كتاب فتح المعين لنسوة في بلدها وكذلك إلى غير نهاية.

فاطمة الفهري

فاطمة الفهري مشهورة في التاريخ بثوراتها العلمية. “فاطمة الفهري” هي أول من بنى الجامعة في العالم، وقد تميزت بشرف خطة البناء. يقال إنها صامت حتى اكتمل عمل البناء، ودخلت المسجد عند تمام بنائه وسجدت لله سجدة شكر. وسميت الجامعة بـ “القرويين” تذكارًا للاجئين من القيروان. وقد تخرج منها العديد من المشاهير وملحمة الآفاق منهم العرب والعجم والبربر.

شيخة مريم عامر أداء دعوة مكللة بآيات قرآنية

مريم عامر عالمة شابة وكاتبة وقارئة وحافظة مشهورة في مجال الدعوة، وقد كللت نفسها بالحديث الشريف “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”. هي صاحبة تطبيق “قارئة”، ولعبت دورًا قياديًا بخطبها وكتاباتها في دحض الشبهات الغربية حول الشريعة الإسلامية وثقافتها. وقد أعدت سلسلة مضامين تحث على تعلم القرآن وتعليمه على مستوى العالم.

شيخة صفية شاهد

عالمة شابة مشهورة مثلت ثقافة النساء الراسخة، ولعبت دورًا مهمًا في تعليم النساء حتى حصلت على جائزة “بسكا” الممنوحة لأفضل مساهمة في مجال تقوية النساء. وهي مشهورة بمشاركتها الفعّالة في عملية الدعوة وتدريسها للأستاذات والمدرسات. ومن بين مساهماتها “كلية النساء المسلمات” التي أسستها في برمنغهام مع شيخها “محمد يعقوب”، وتهدف إلى تنمية عالمات متبحرات في الثقافة الإسلامية والدنيوية. ومن بين الشخصيات المشهورة “الدكتورة نادية إمارة”، “رفيدة حبش”، “رانيا أواد”، و”لينا همسي”. هؤلاء النساء هن أمثلة مشرقة للعالمات اللاتي أنرن مجال العمل النسوي باستخدام جميع الوسائل التقنية والدعوية المتوفرة.

نطاق دعوة النساء

إنما نبحث هنا النطاق الذي يمنحه الإسلام في مجال العمل. ليس هناك شك في هذه القضية، يمكن للمرأة أن تساهم في مجال عملها ضمن حدود المسموح به في الإسلام. هذه هي فسحة ودور لكل عالمة. وعملنا الآن هو أن نحدد المجال بوضوح ودقة. دين الإسلام قد بين الأدوار الجنسية بناءً على حاجاتها في الفرد والمجتمع. وقد منح الإسلام للمسلمة الفرصة بقدر حاجتها كما أعطاها للرجال. ونصف سكان العالم نساء، ولذلك يمكن للنساء العمل في مجتمعهن بقدر ما يمكن للرجال العمل في مجتمعهم، وفرصتهن مسموحة للجميع على حد سواء.

وأول ما يُذكر في كل قضية وموضوع الرجال، مثلاً إذا أخذنا مجال التعليم، فإنّ الرجال كانوا أول من ساهم فيه، ولكن بعدهم تدخلت النساء. وهكذا في كل المجالات، ولذلك غالباً ما يتم تسليط الضوء على النساء باعتبارهن أول من وصلن إلى إنجاز معين، وهذه هي طبيعة العالم. واحدة من القضايا المهمة التي تثير الجدل في العصر الحالي هي “حرية النساء”. لذلك، نطاق عمل النساء واسع للغاية، فنحتاج بالطبع إلى عالمات ومعلمات وقائدات، وهناك حاجة ماسة إلى مساهمات العالمات العبقريات في كل المجالات من الأمم المتحدة إلى منظمات غير حكومية، خاصة في تحقيق مثل هذه الإمكانيات.

يتطلب الأمر إنشاء دواوين لتسجيل التاريخ العلمي للنساء، واعتبار الأسرة التي تضم أمهاتها وأخواتها وبناتها عنصراً أساسياً في تاريخها. وقد تأخر الاعتراف بدور النساء في التشكيل الفكري والتعليمي تحت سلطة الاستعمار البرتغالي. النساء لم يكن دورهن مجرد زينة ثقافية، بل كانوا جزءاً من طموحات الأمة وحرية مواقفهن. الأمهات هن أول معلمات لأبنائهن، وعلى الأسر أن تكون مركزاً ثقافياً ينتج العلماء والعالمات.

على مَتنِ التّفاصِيل. نوستالجيا الجزء ٢

على البَال كلّ التّفاصِيل، يتصادى صوت فنّان العَرب، نسِير في المَساء حِينما تأفل الشّمس، تَبدو السَّماء حُرّة.

لحظات قُبيل حلول الظّلام، أنظُر إلى النّافذة، أنا كالسّماء أيضا أستَشعِر لحظات الحُريّة، ضَفيرة مائِلة كما أُحِب وأتخلَّصُ بِذلك من الوقوف في الطّابور الصّباحي وتَسريحة الشّعرِ الكلاسِيكيّة، أُمِيلها لليمين تارَة ولليسار تارَة، الرِّحلة قصِيرة لكنّ السّفَر عبر مُخيّلتي طويل، لا أرى الطّرِيق منذ طفولتي لا أرى الطّرِيق، أرسُم طُرُقا أخرى، أسلُكها وحدِي، تتراءَى لِعيني المُدُن التي أُحِب، أمطَارٌ مِن البَنفسَج وجَداوِل ماء زَهر، نصِل إلى أرض خالِية، أرض التّأمّل، بَراح السَّكِينة، مُستَراح المُتعَب ومَلاذ أنصارِ العُزلة، تُركَن المرسدس 190 جانِبا دون أن يتوقّف محمّد عبده عن الغناء، كلّ مانسنس من الغَربِ هبوبي، حمّل النّسمة سَلام، يشدّني لَحن هذه الأغنية دائمًا، ترنِيمة سَلام قادِمة من بعِيد، أحبّ سماعها، يذكُر في أغنيّتِه سُهيل، وإن لَمَحت سهيل، أتذكَّرُ حِكايات أمّي عن النّجوم، الثّريّا وسُهيل، الشّامِيّة واليَمانِي، وتِكرارها أبيات عمرو ابن أبي ربيعة، يقول عمَّرَك اللّه كيف يلتقيان؟ كيف تلتقي ثريّا الشّاميّة وسُهيل اليَماني، كَيف تلتَقِي كلّ الأشياء المُتباعِدة؟ عبرَ المُخيّلة ربّما، ولِي خَيال يخلُق طُرقا لم تَهتَدِي إليها هندسة الطّرق بعد، أزفّ الثّريّا إلى سُهَيل مُتجاهلة كلّ الأبعاد…
مُنيتي ليتَك مَعِي، يتفَرَّدُ أبو نورة بِقولِها، أتشَاجر مع أخِي دائمًا، أنكُر دروس الفلسفة التي علّمني إيّاها، وقصائد درويش الذي أخشى ذِكره هامشًا في نَصّ لأنّه في حِكايتِنا البَطل، وأثِق في ذوقه المُوسيقي أعترِف بذلك، مُطرِب الحيّ الذي أَطرَب بِأعجوبة، لكنّ على البَال كلّ التّفاصيل أدقّ وصفا، وأحلى التّفاصِيل، تمامًا كما نطقها فنّان العَرَب، زُرقة السّماء، دِفئ الجو وإن كان الفصل شِتاء، والسِّلهام البُنّي، ناسِك في حَدِيثِه، لِسان رطب من ذِكر الله وصَوت سُبحة لا يتوقف، يُحبّ سَماع حديثي، الطرائِف التي أحفظها خصيصا لِكي أُضحِكه مساءً، قال إنني أحيانا أشبه طائِر البُشرى، يضحَك إخوتي لقوله الكلمة بالأمازيغية، أمّا أنا فأحببت الاسم، أخبرت به كل من التقيت، يمرّ مساءنا هادئًا، نَحتسي شاي البَرّ، نتبادل الأحاديث… ياقلبَها قلبي، فريدة هي الأخرى بصوتِه، والحِلّ والتِّرحال، أمّا الحِلّ هنا فقدِ انتهَى، أمّا التِّرحال فأسهَلُه السَّفر والتَّنقّل، وأَصعَبه تِرحال الذِّكريات، جمع أَصدافِها من الأَمكِنة التّي حلّت بها التّفاصيل يوماً، ذاك الجَبل وقفتُ فوقه مرّة، حُرّة كما اعتَقدت سابِقاً، لكنّني قايَضتُ في أشياء ماعادت أسواق تجارتِها مُتاحة، أَهَبُ حريّة اختيارِ تسريحات شَعري، مُقابِل لحظة خاطِفة أستَعيد بها التّسريحة الكلاسِيكية، وكلّ معاطِفي مُقابِل رُقعَة ثوبٍ من السّلهام البُنّي. النّظرة هي المَكسورة والبَسمة هي المَقهورة يُتمم محمّد عبده…

قبيل كلمته أمام الكونجرس كيف يفكر نتنياهو وماذا يخطط

يشعر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، المتفرد في الحكم، والمستقل في القرار، والمتحالف مع جنسه من الأحزاب الدينية المتطرفة، والمطمئن إلى أغلبية ضئيلة تؤيد حكومته، وتحافظ عليها وتجعلها مستقرة، وتحميها من المعارضة، وتحول دون حجب الثقة عنها وسقوطها في الكنيست، رغم حالة شبه الإجماع الدولي على رفض سياسته، وإدانة عدوانه على قطاع غزة، وتشوه صورة كيانه، وتراجع حجم التأييد الدولي له، والدعوات الدولية الرسمية والشعبية المتصاعدة في أنحاء العالم، لوقف الحرب وإنهاء القتال، ووضع حدٍ للمعاناة الإنسانية المهولة لسكان قطاع غزة.

ورغم المظاهرات الشعبية الإسرائيلية الواسعة التي ينظمها معارضوه في مختلف المدن “الإسرائيلية”، والتي زاد حجمها واتسع إطارها وتعددت مراكزها، بعد انضمام غانتس وآيزنكوت، عضوي مجلس الحرب السابقين إليها، والاحتجاجات التي يقوم بها ذوو الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، للمطالبة بالموافقة على الصفقة واستعادة الأسرى، واستطلاعات الرأي المتكررة التي تظهر تراجع شعبيته، وتزايد المعارضين لسياسته، والداعين لوقف الحرب واستعادة الأسرى والخروج من مأزق غزة، ولو بقيت حركة حماس في السلطة، ودفعت الحكومة أثماناً باهظة مقابل ذلك.

ورغم الانقسامات السياسية التي يعيشها كيانه، والضغوط التي يتعرض لها من حلفائه، والخلافات العميقة بينه وبين وزير حربه وقيادة أركان جيشه، والبيانات المضادة بينه وبين المسؤولين الأمنيين والعسكريين، والتي تظهر ضعف جيشه، وخلافه مع توجهات رئيس الحكومة السياسية، الذي يتهم بأنه يفضل مصالحه الشخصية على مصالح الكيان، ولا يعنيه مستقبل وسلامة الأسرى وحياة أفراد الجيش في الميدان، ويصر على استمرار الحرب رغم المعطيات الحقيقية التي تضعها قيادة الأركان بين يديه، والتي تظهر تراجع الدافعية القتالية للجيش، وإنهاك عناصره، وعدم جاهزيته، وشكواه من نقص الذخيرة والعتاد، وحاجته إلى الجنود والمقاتلين، فضلاً عن قدرة حركة حماس على ترميم قدراتها، وإعادة تنظيم صفوفها، والمبادرة بعملياتٍ نوعيةٍ موجعةٍ، ألحقت بهم خسائر فادحة، وأضعفت قدرة الجيش، وأثرت سلباً على معنويات جنوده.

رغم ذلك كله يشعر نتنياهو بأنه وبعد تسعة أشهر من الحرب والقتال، وخسارته مئات الجنود والضباط أثناء القتال في قطاع غزة، واحتمال مقتل الأسرى الإسرائيليين والفشل في استعادتهم، أنه أمام فرصة تاريخية قد لا تتحقق، وأمام مكسبٍ كبيرٍ قد يتمكن من تجييره لصالحه، وتحقيق أكثر من إنجازٍ به، كأن ينجو من المساءلة والمحاسبة والعقاب، ويستمر رئيساً للحكومة الإسرائيلية، ويحقق حلمه بأن يكون “طالوت إسرائيل”، وملكها “المنقذ المخلص”، وذلك بمواصلة الحرب والقتال حتى تحقيق الأهداف التي أعلن عنها، ظناً منه أن المقاومة قد ضعفت، وأن جاهزيتها قد تراجعت، وأن أسلحتها قد نفذت، وأن الشعب الفلسطيني قد أنهك وتعب، الأمر الذي من شأنه أن يدفع قيادته نحو التنازل والتراجع عن شروطها التي أعلنت عنها.

ويشعره بالمزيد من القوة والتحدي، أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ضعيفة، بل عاجزة ومترددة، وهي راحلة وغير باقية، وخاسرة ولن تنجح، ولا مستقبل لها ولم يعد المزيد من الوقت أمامها، ولا تستطيع أن تأخذ أي قرارٍ أو أن تقوم بأي إجراءٍ من شأنه التأثير على سياسة الحكومة الإسرائيلية، فضلاً عن احتمالات فوز الرئيس السابق دونالد ترامب، وسيطرة الجمهوريين على مجلسي الشيوخ والنواب، وهو الحزب الأقرب إلى الكيان، والراعي له والمحافظ عليه، والضامن له والحريص على أمنه واستقراره، وتفوقه وقوته.

ويساعده في تعزيز عوامل قوته، والصمود أمام التحديات التي تواجهه، والمراوغة في مواقفه، وعدم الحسم في قراره من الصفقة، أو استعجاله لها، زيارته المرتقبة إلى واشنطن، وخطابه أمام مجلسي النواب والشيوخ يوم 24 تموز الجاري، الذي سيستعرض فيه قوته، وسيبين عزمه وإصراره على مواصلة حربه، مستغلاً التأييد الذي يحظى به كيانه من أعضاء المجلسين.

وفي زيارته المرتقبة، التي يعول عليها كثيراً، ويحلم أن يعود منها طاووساً متغطرساً مختالاً، سيعيد طرح روايته، واجترار سرديته الكاذبة التي حاول فرضها بعد أيامٍ من طوفان الأقصى، وسيستعرض تصوره لوقف الحرب، وإنهاء القتال، واليوم التالي في قطاع غزة، وشكل الحكم المطلوب، ودور الدول العربية “المعتدلة” ومعها الدول الكبرى في إدارة غزة، وحفظ أمنها، وإعادة بنائها، والمهمة التي يجب أن تقوم بها بنزع أسلحة المقاومة، وتجريدها من قوتها، ضماناً لأمن “إسرائيل”، وحفظاً لحياة مستوطنيها ومصالحها الخاصة.

لهذا وغيره، لن يكون نتنياهو سهلاً في المفاوضات، ولن يعطي الوسطاء شيئاً بسهولةٍ أبداً، وقد لا يوافق على الصفقة ولو أنه من صاغها ووضع بنودها، وسيماطل في الحوارات، وسيضيف بنوداً جديدة، وسيشطب أخرى كان قد وافق عليها، وسيستمر في نفس الدائرة المغلقة التي وضع الجميع فيها، يرسل الموفدين، ويوسع صلاحياتهم، ثم يأمرهم بالعودة ويستبدلهم، ويستعيد منهم الصلاحيات التي منحهم إياها.

وسيستغل فترة المفاوضات، التي تشارك فيها شخصياتٌ أمريكية رفيعة وعالية المستوى، وأخرى عربية على مستوى الرؤساء والملوك والأمراء، في توسيع إطار العمليات العسكرية في كل مناطق قطاع غزة، وتعميقها واستهداف المدنيين في مقارهم وأماكن لجوئهم، ظناً منه أنه سيجبر الفلسطينيين على الخروج ضد المقاومة، والتخلي عنها، ومطالبتها بوقف القتال، والامتناع عن تنفيذ عملياتٍ عسكرية ضد جنوده، علَّ قيادة المقاومة، التي ستخيب رجاءه، تتراجع عن مواقفها وتتنازل عن ثوابتها، وتقبل تحت ضغط النار ومعاناة الشعب بما يعرضه عليها، وتلتزم بشروطه وتوافق على مخططاته. 

ولو كنت فظا غليظ القلب …..لانفضوا من حولك

“لا تقتلوا  الأولاد ولا النساء ولا الشيوخ ولا الكبار ولا تقطعوا الأشجار  ولا تمنعوا المياه”

بين جو السياسي العالم المعتكر ،ومشهد الضبابي المكثف،كالحجر لا عواطف وﻻ وجدان وﻻ مكارم، هكذا يقضي  المسلمون أيام الحياة بلا غاية وﻻ راية ،وفي ناحية الاخرى محاولات عنيفة ،وجهود مكثفة، من قبل يهوديين بالتحالف مع المسيحيين  لإطلاق الهجمات، وشن الغارات على المسلمين، المظهر كالحمل أمام الذئاب، حيث صار الجو مشهد حملات مسعورة وشهقات تتعالى وصبيان تبكي وأرامل تتنهد ويتامى تهجر نتاجا لمعركة اسرائيل – فلسطين المنتهكة لجميع القيم والقوانين الطبيعية.

وﻻ أدري أين الإنصاف، وأين العدل، وأين التعايش، وأين المكارم الأخلاق والباقي من القيم الإنسانية التي كانت من عادات العرب والعجم والبربر، هل هي اندمجت مصاحبا للأنقاض في فلسطين؟، أو هل هي انقرضت مع شروع الجيل الجديد، أو هل تدري ما وقعت لذلك، في الحقيقة أصبحت مصطلح “الإنسانية” اضافات إلى التاريخ والثقافة المنسوخة، حتى صارت سنوات منذ محوها من قواميس الحياة يا للأسف والندامة.

ومن الأسف البالغ، انما اكتب هذا في صدد تهرق فيه الدماء الفلسطينيين وتهدم فيه هوية المسلمين ونحن مشاهدون لهذه المظاهر كما يشاهد الصغير الفكاهات والكرتون في تلفاز يتمتعون بكل لذة وفي غاية الفرح والسرور. ربما يتلوا طلاب الجيل الجديد كانت هناك في المجتمع  في القديم لفظ المسمى “الإنسانية”، قد سمعته من جدي ولا أعرف ما هي، حينما كان الصدد كذلك أنا أتمنى أن ألفت أنظاركم إلى صنديد رفعت به القيم الإنسانية وهدمت به الوحشية  في زمان ومكان ليس كما زماننا ومكاننا المبرقش والمزين من التنوع الزينات ومختلف التبرقشات، وهذا الرجل المثيل الذي سجل في التاريخ بخطوط ذهبية, هو  سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم القائل بدر تغير الاحوال والازمان وتصقل  المجتمع والآفاق، وبكلمة اللازم أن تكلل في اعماق قلوب الجميع بلا فرق بين مسلم ولا يهودي ولا نصراني ولا هندوسي الذي قال “لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بتقوى القلوب”.

انا في غاية الوثوق واليقين أن السيرة النبوية الشريفة هي حل مثيل لإنهاء الحروب الدامية المستمرة بين إسرائيل – فلسطين والروسية – واكرين والنزاعات القائمة بين أمريكا – وإيران وفي مختلف  آفاق العالم. رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي علم الانسان ما لم يعلمو من الإنصاف، والعدل، والصداقة، ومكارم الأخلاق، والقيم الإنسانية في عصر تغمره ظلام الجهل والجهالة وفسق الفساق وتغمده حقد الأحقاد قبلية، هنا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعليم القيم الإنسانية وصحبة الإقليمية ،لأنه قد فهم وبصر ببصيرته أن هناك لا قوام لأي شيء إلا بالتحام مع غيره والأخوة مع الأخر, حتى أمر أصحابهم بضم أكتافهم مع المقيمين بلا نظر إلى المذاهب والأديان ولا بتفريق على الأساس الجنسية والألوان، وكان فيهم اليهودي والنصراني والمسلم والمجوس، وأين غابت هذه الأخوة والصداقة.

لقد كثر فينا النقاد والمعارضون للسيرة النبوية الشريفة ورسالته الحقيقة والقيم المرتفعة به والراسخة, أنا اود أن أخاطبهم، يا أيها الجهال ما سلككم في سلك الدجال، أضيف هنا بعض الأمثلة الغالية الباهرة التي سترفع من أعماق الجهالة إلى أعلى الشعور والوعي، وستحضكم على التصحيح ما زعمتم وافتريتم فيه من خرافة واسطورة، وستنظركم مشاهد الصحبة الجارية بين الأمم السابقة، المستفاد من الحياة النبوية الشريفة. 

كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتى يهودي في  يفاع سنه كان يخدم النبي فيضع له وضوءه ويناوله نعليه ويقضي حوائجه، فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينطق بأف قط معه في طوال حياته حتى إذا أخطأ في تعامله او تأخر, مع انه في دين غير دينه بل علمه أن يعيش حياة صافية نقية ،وعيش ذات قيمة وبهية، إن قرأت التاريخ تجد ذلك الفتى في زمرة المسلمين بسبب ما شاهده في حياته صلى الله عليه وآله سلم الزاكية من القيم الطبيعية الانسانية التى ﻻ نظير لها حتى الى الآن.

إن ثمة مبادئ تستوقفنا للتأمل في هذه القصة فلنا أن نعجب من هذه الخلطة بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين اليهود حتى أن  بيته صلى الله عليه وسلم يحتوي فتى من فتيانه، ومع أن أصحابه كلهم كانوا يتشوقون لخدمة النبي صلى الله عليه وسلم ويتمنون أن يشرف أولادهم بذلك ،ومع ذلك وجد متسع لهذا الفتى اليهودي أن ينال هذا الفضل والشرف. 

إن ذلك يظهر النفسية الهادئة في تعامل مع الكفار -مشركين ويهود – ولم يكن ثمة توتر ولا تجسس، فهذا الصنديد المثيل يمر بمجلس ويخلط مع المشركين واليهوديين ويزورهم في بيوتهم ويجيب دعوتهم ويفتح بيته لزيارتهم بل يدني فتى منهم ووصلت إليه هذه الخصوصية للخدمة .كما نلاحظ مراعاة الجانب الإنساني بالتعامل غير المسلمين أنه هدي من بعثه الله رحمة للعالمين كل العالمين أسيرهم  المحارب يطعم، ومريضهم  يعاد، وميتهم يقام لجنازته وهذه الأخلاق النبوية  فذ فريد لا مثيل له ولا نظير في تاريخنا قبل ولا بعد. 

ومثال الآخر الذي يؤلف قلوبنا و تذرف عيوننا، وهو معركة البدر بدأت بدروس أخلاقية وانتهت بدروس أخلاقية، وأول دروس أنه صلى الله عليه وآله وسلم أعلن الحماية والخفارة لرجل من المشركين الذين جاء مسلحا إلى البدر لقتال المسلمين حين قال لا تقتلوا أبا البختري بن هشام بسبب أنه صلى الله عليه وآله وسلم رأى في هذا الرجل موقف نبيل ورأي نضيج  ليس لغيره من المشركين في نقض الصحيفة الظالمة التي كتبت لمقاطعة بني هاشم وحصارهم ،وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه سابقة وأعلنه الحماية ولا يقتل  إن كان مشركا وجاء مقاتلا .

والثاني من الدروس، بعد انتهاء معركة بدر حصل  المسلمون على  70 أسيرا الذي هم أشد الناس عداوة  للنبي صلى الله عليه وسلم ،وكل المسلمين جاهزون لقطع أعناقهم بدل ما فعلوا بهم من السوء عندما كانوا في مكة، ولكن صاحب الكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرهم في زاوية أخرى، حيث قال “لو كان مطعم بن عدي حيا وكلمني فيكم لتركتكم بأسرها لا تعذيب ولا تأليم” ، يا للعجب والغرابة،هل تشغل قلوبكم أفكار عن المطعم؟،وهل أنتم متحيرون بهذا الموقف الغريب الذي قام به رسول الله ، وكان المطعم امرؤا مشركا ولكن إنما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدد ﻻ يرجى أحد أن يذكر فيه بسبب موقفه النبيلة عندما أصيب رسول الله في طائف بأيدي المسودة المشركية،  حين قال “فعلوا بمحمد ما فعلوا ولكن كونوا من أكف عن محمد صلى الله عليه وآله وسلم.”

هكذا هناك في أوراق التاريخ النبوية أمثال غزيرة التي رفعت به القيم الإنسانية وأقيم صداقة الاجتماعية واديم  التعايش القومية أن نقشها أهل الجيل الجديد خاصة المحاربي إسرائيل – فلسطين تذوب ما استشاط من الغضب كما تذوب البرد في ضوء الشمس .”لا تقتلوا  الأولاد ولا النساء ولا الشيوخ ولا الكبار ولا تقطعوا الأشجار  ولا تمنعوا المياه” حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه  بهذه القيم المليحة قبل تجنيدهم إلى القتال، ولكن من الأسف إنما نشاهد في الآن المشاهد المخالف المنتهك لهذه الأقوال التي هي قوانين الطبيعة وشعاعير الإنسانية.

وإن مما عرفناه وعيناه وتأكد لدينا بيقين أن جند الاسرائيلي ينتهك كل الانتهاء ويعرض كل الاعراض لقوانين  الطبيعة الراسخة، حيث يغسل اراضي الفلسطينيين بدماء الكرام بلا فرق بين النساء والرجال والكبار والصغار حتى بلغ عدد قتلى الصغار الى 20,000 والنساء إلى 15,000 اخيرا الطريق الوحيد الحل الجليل لاسترجاع كل ما فات منا من  الصداقة والتعايش واستقرار القومية  الاستعبار  من آثار  قديمة التي مر عليها السلف الصالح ،لأن فيها عبرة لأولي الألباب.