مونديال قطر من الحلم إلى الإبهار
نور الدين نسيل
مما لا شك فيه أن مونديال قطر كان أجمل وأروع نسخة حدثت في تاريخ كأس العالم وهذا بشهادة رئيس الفيفا “جاني انفنتينو” وكذلك بشهادة الجمهور الأجنبي، دون الأخذ برأي الجمهور العربي لأن شهادتهم فيه ستكون مجروحة بحكم الميول العربية التي ستكون مساندة لدولة قطر.
هذا الإنجاز القطري العربي لم يكن نتاج شهر أو سنة بل كان عبارة عن رحلة تشييد وإنجاز قوامها أكثر من 14 سنة كان مستهلها سنة 2008 لحظة كشف الصحفي ماتياس كروغ عن نية قطر في استضافة كأس العالم ليفوز بالسبق الصحفي هو ومجلته “قطر تريبيون” ما جعلها تتقدم في سلم تصنيف المجلات في قطر، إلى شهر مارس 2009 وهو شهر تقديم الملف القطري لاستضافة المونديال إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم وصولا إلى المباراة النهائية وتوشح الأسطورة الارجنيتينة ميسي بالبشت العربي معلنا عن اختتام بطولة كأس العالم.
كانت بداية الرحلة طموح وتحدي ومراحلها صعاب وعقبات ونهايتها إبداع وإبهار للعالم أجمع ولا بد لنا قبل الخوض في تفاصيل الرحلة أن نستذكر قطر قبل بداية الرحلة أي قبل تاريخ الثاني من ديسمبر سنة 2010م وهو تاريخ إعلان قطر الدولة المستضيفة لمونديال 2022 أو كيف كانت قطر وكيف كان وضع البلاد قبلها.
قطر وقتها كانت كغيرها من بلدان العالم العربي والخليجي السائرة في طريق النمو والتي تسعى إلى استغلال مواردها الأساسية بالشكل المناسب وكذا إثبات مكانتها بين دول العالم، لم تكن تملك البنية التحتية الكبيرة التي نراها اليوم من ملاعب وشبكة طرقات وفنادق…إلخ غير أنها كانت تمتلك من الخبرة في استضافة الأحداث ما كان يؤهلها لتقديم الخطوة الأولى في تقــــديم الطلب فقبلها فقط في سنة 2006 كانت قطر قد قدمت أعظم دورة في تاريخ دورات الألعاب الآسيوية وقبلها بسنتين كانت تحتضن النسخة السابعة عشرة من كأس الخليج. وما هو معروف أن قطر سباقة لمثل هذه الأفكار واحتضانها فهي منذ نشأتها كانت تستغل الفرص في سبيل الحصول على الأسبقية العالمية على غرار ما كان سنة 1971م لما استقبلت قطر الملاكم محمد علي كلاي في مباراة استعراضية بينه وبين النسون جونسون وكذلك المباراة التي احتضنها ملعب الدوحة وهو أول ملعب عشب طبيعي في الخليج العربي سنة 1973 م بين فريق سانتوس بقيادة بطل العالم آنذاك ثلاث مرات “بيليه” وفريق الأهلي أقدم ناد في قطر. فقطر التي يزعم البعض أنها دون تاريخ رياضي كانت ممارسة للرياضة منذ أن كانت ترسم حدود الملاعب بالنفط على الرمال في خمسينيات القرن الماضي.
بالانتقال إلى بدايات الرحلة في 2010 م وبمجرد أن ظهر اسم قطر في الظرف الذي حمله رئيس الفيفا بلاتر انطلقت قطر في خوض رحلة التحدي والعمل في الوقت الذي انطلق فيه النقاد والمشككون يدونون النواحي السلبية التي تمنع قطر من النجاح في هذه الرحلة ويحاولون فيه اكتشاف الأخطاء السبعة للفيفا التي على أساسها ما كان يجب أن تمنح هذه النسخة إليها، في هذا الوقت كانت الدولة العربية تعمل في صمت وثبات معتبرة أن النجاح سيكون يوم ختام الدورة سنة 2022 وليس حين خرج اسم قطر من ظرف بلاتر.
كانت كل الأفكار التي حواها ملف قطر تنبِئ بأن النسخة هذه ستكون مميزة عن غيرها فكان مقترح توفير مقاعد بالنصف الأعلى من الإستادات وهي مقاعد يمكن تفكيكها لترسل بعد ذلك إلى بلدان نامية بحاجة إلى البنية الرياضية يفتح المجال أمام مفهوم جديد وهو الاستدامة وكانت قطر أشد الحرص على تطبيقه على أرض الواقع. أما نظام التبريد في الملاعب فهي من الأفكار التي راهن النقاد على فشلها من أولها لكن تم دحض أكاذيبهم من خلال افتتاح أول ملعب مفتوح بدرجة حرارة 23 درجة وهو ملعب خليفة الدولي في سنة 2017 م.
خلال سير قطر في رحلتها إلى إبهار العالم لم تضل الطريق ولم تتخل عن تاريخها العربي وثقافتها وهويتها الإسلامية فكل تصاميم المنشآت مستوحاة من التراث العربي ممزوجة بين الموروث الشعبي والثقافة العربية وبين فن المعمار الحديث. فكان الافتتاح في أكبر خيمة تتسع لأكثر من 60 ألف مشجع استلهم تصميمها من بيت الشعر العربي واستوحى المهندس إبراهيم الجيدة تصميم ملعب الثمامة من القحفية وهي القبعة التي يرتديها الرجال في الخليج العربي، أما إستاد لوسيل فاستوحي تصميمه من تداخل الضوء والظل الذي يميز الفنار العربي، واستلهمت الراحلة زها حديد أفكارها من أشرعة المراكب التقليدية التي كانت تجوب مدينة الوكرة للبحث عن اللؤلؤ قديما لتصمم لنا تحفة معمارية حديثة تجسدت في ملعب الجنوب.
فكما هي المعجزات في عالم كرة القدم تبقى في ذاكرة المتابعين كذلك تحدي قطر واستضافته لكأس العالم كانت معجزة بحد ذاتها سيبقى العالم يذكرها ويذكر أن الدولة العربية الصغيرة استطاعت أن تنظم أروع وأأمن بطولة في تاريخ كأس العالم كذلك استطاع المونديال ترك إرث أبعد من ملاعب كرة القدم والمرافق والمنشآت ألا وهو تغيير الصورة النمطية عن العرب والإسلام والتي لا تمت بصلة للإسلام والمسلمين من خلال إيضاح التسامح والمعاملة الحسنة وكذلك تغيير صورة العربي المرتبطة بالجهل والبداوة والتخلف والوحشية التي كانت ترسمها وسائل الإعلام الأجنبية إلى الصورة الصحيحة للعربي الأصيل الذي يمتاز بكرم الضيافة ومحافظته على قيمه ومبادئه ورقيه الحضاري.