يوم لا ينسى

يا له من صباح يوم جمعة وادع، يتهادى فيه النور عبر ستائر النافذة، حاملا معه تغريد العصافير كألحان رقيقة توقظ المدينة. استيقظت فاطمة على هذه السمفونية الطبيعية، لتجد دفء عائلتها يحيط بها: أباها خالد، وأمها ليلى، وأخاها محمد، وأختها الصغيرة جميلة.
وفي غمرة هذا الصفاء، أعلن الأب خالد لأمها ليلى بابتسامة:

“لنذهب إلى ‘ويناد’ اليوم، نُغيّر الأجواء.”
ولكن إعلان النزهة لم يبعث في قلب فاطمة سوى القلق. تضجرت بشكوى صغيرة لأمها، مشيرة إلى كومة ثيابها:

“أمي، إن لباسي قبيح وقديم… ماذا أفعل؟ وكيف سأظهر به؟”
هنا، تحوّل الأب خالد من رب أسرة إلى حكيم يغرس بذرة الوعي. اقترب من ابنته بهدوء بالغ، ونظراته تحمل عمق تجارب السنين، وقال:
“يا فاطمة… انظري حولك. كم من إنسان ليس له إلا لباس واحد يستر به عورته، وكم من قوم لا يجدون قوت يومٍ واحد، ولا يتذوقون طعاما لذيذا أو شرابا طيبا. ومع ذلك، يذكرون الله ويدعونه في كل لمحة ولحظة، ويعبدونه بخفية وتضرع لا يعرفه أحد.”
ثم رفع الأب بصرها إلى أفقٍ أوسع وأكثر ألما:
“يا فاطمة… تذكري أهل فلسطين، وهم يقفون شاهدي حق على طريق الله، يواجهون تحديات جساما ومشقات عظيمةً من أعدائهم. إنهم يجاهدون بكل ما أوتوا من قوة ليعززوا بقاءهم ومكوثهم في وطنهم . إنهم يرون أحباءهم موتى بين أيديهم، ولا يمكن لأحد أن يدرك عمق حزن الأمهات اللواتي يفقدن قطعة من أكبادهن جراء أعمال عدوهن الظالم.”
توقفت الكلمات في صدر فاطمة، فشعرت بخطأها ضئيلا جدا أمام عظمة بلاء أولئك القوم. اهتزت روحها وتفتحت بصيرتها، فاعتذرت لوالدها عن شكواها بدمعة ندم وصوت خافت.
لقد كانت تلك الواقعة درسا أثّر فيها تأثيرا عظيما، فخلّدت ذكراها في كتابها، وسمّت الفصل الذي روته فيه: “يوم لا يُنسى”.

العبرة : انظر دائما إلى من هو أسفل منك في أمور الدنيا وإلى من هو فوقك في أمور الآخرة فهو حل لكل مشكلة سواء كانت قلبية أم نفسية.