جوهر الرسالة النبوية وخصوصية الإسلام

صلى عليك الله يَا علم الهُدى
واستبشرت بقدومك الأيّام
ما أحسن الاسم والمسمى، وهو النبي العظيم في سورة عم ، إذا ذكرته هلت الدموع السواكب، وإذا تذكرته أقبلت الذكريات من كل جانب. النبوة أعظم نعم الله على الناس، وهي الطريق الأساسي لتحقيق العبودية، وبما يكتشف الإنسان قيمته الأصلية. كما أنها جزء من نظام الكون ووسيلة لجلب السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة. النبوة واسطة بين الخالق والمخلوق في تبليغ شرعه، وسفارة بين الملك وعبيده، ودعوة من الرحمن الرحيم الخلقه. وفيها دلالة قاطعة على بيان عدم عبثية الخلق، وأن خالقهم لم يتركهم مدى، بل أرسل لهم أنبياءه ورسله ليبلغوهم أوامره و نواهيه وليخرجهم من الظلمات إلى النور، وينقلهم من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة،
وذلك حتى لا يتيهون في معترك الحياة بلا مرشد، وحتى يصحح لهم ما قد يدس لهم من أفكار فاسدة تلقى بهم في التهلكة. والنبوة لا تنال بعلم ولا رياضة، ولا تدرك بكثرة طاعة أو عبادة، ولا تأتي بتجويع النفس أو إظملها، وإنما هي محض فضل إلهي ، ومجرد اصطفاء رباني، وأمر اختياري. وقد ختم الله سلسلة النبوة بإرسال سيد الأنبياء محمد . . وعلى الرغم من ختم النبوة اقتضت المشيئة الإلهية في كل عصر ومصر، تحديد الحفاظ على طهارة الفطرة وصفائها، وتنقيتها من كل الشوائب التي قد تحيط بها، والتي قد تشكل حاجزا بين النور والضلال..
وقاعدنا واسوتنا صلى الله عليه وسلم هو الرسول الإلهي الذي أرسله الله ليقيم صلة روحية بين قوم ضلوا طريقهم في عوالم الجهل الشاسعة وبين خالقهم. وتتجاوز النبوة مجرد نقل الرسالة؛ بل تشمل صحوة عميقة. والإسلام، بخلاف أي دين آخر، يتجذر في الوعي الجماعي من خلال ممارسة العبادة، التي تُجسّد التوحيد الكامل للقلب البشري. وينبغي دراسة هذه الحقائق الجوهرية بالتزامن مع الإشادات التي أشاد بها المثقفون غير المسلمين، مثل تقدير توماس كارليل: للنبي محمد صلى الله عليه وسلم كشخصية بطولية، وإدراج مايكل هارت له ضمن أكثر مئة شخصية تاريخية تأثيرًا في العالم. علاوة على ذلك، من الضروري مراعاة جوانب أخرى قد تبدو غير مهمة للمثقفين، لكنها تحمل قيمة كبيرة وتجذب عامة الناس.
لا يشار إلى أي تقليد ديني آخر بمثل هذا الاسم “طاعة الخالق”، وهو اسمٌ يحمل دلالة عميقة. في المقابل، تُعرف معظم الديانات الأخرى عادةً باسم مؤسسها أو قبيلتها، مثل المسيحية واليهودية والهندوسية والبوذية. من ناحية أخرى، يُعرّف الإسلام الدين بأنه دين أو منهج حياة، حيث يُشير “دين الإسلام” تحديدًا إلى منهج حياة مكرس للخالق. يشمل الإسلام جميع جوانب الوجود الإنساني، معززا إيمانا راسخا وذكرا دائمًا لله. بالإضافة إلى الصلوات المفروضة، يُذكر المسلم في كل فعل ووقفة بخالقه وربه. يمتد هذا التذكر والامتنان حتى إلى الأنشطة الدنيوية مثل استخدام دورة المياه أو التفاعل مع الزوج/الزوجة، بالإضافة إلى أمور أوسع نطاقًا تتراوح من الشؤون الشخصية إلى الحوكمة والعلاقات الدولية.
لا نجد في القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية عبارة “لله ما لقيصر ولله ما لقيصر”، مما يُبرز الصلة الفريدة بين الإنسان وخالقه في الإسلام. وبإرساء هذه الصلة العميقة، ينفرد الإسلام عن الحركات الروحية الأخرى التي قد تُبعد الناس عن شؤون الدنيا. ويكمن مبرر مايكل هارت: لاختيار النبي صلى الله عليه وسلم قائدا ضمن قائمة أكثر 100 رجل تأثيرا في التاريخ في نجاحه المنقطع النظير في المجالين الديني والمادي، وهو إنجاز لم يضاهه أي شخصية أخرى في التاريخ. إن وقوع أعظم حدث في الطبيعة ليس ظاهرة دائمة. ويحظى العلماء بتقدير كبير لاكتشافاتهم في المجال الفيزيائي. لا توجد خدمة أعظم من تقريب الكائنات الحية من خالقها. نادرًا ما تحدث أغرب الأمور، إلا عند الضرورة. ما هي الظروف التي تستدعي وجود الأنبياء؟ إنها عندما ينسى الخلق خالقهم. يحدث هذا عندما نبتعد تماما عن الفهم الصحيح لوحدة الخالق.!
وكان هذا هو الوضع في عهد النبي. دعونا نشير إلى كلمات جيبون. هناك جانبان يجب مراعاتهما. أولاً، لم يدخر جيبون، كما يعتقد الكثيرون، جهدًا في مهاجمة الإسلام والنبي بلا هوادة. ومع ذلك، لم يكن نقده حادًا ولا حارا مثل انتقادات أسلافه. ثانيا، يعرف على نطاق واسع بأنه أحد أعظم المؤرخين على مر العصور. لذلك، فإن تصريحاته المؤيدة للإسلام تحمل بلا شك بعض الحقيقة، كما أن مدح الخصم له وزن كبير. ماذا يقول عن تلك الحقبة؟ “… لقد انتهى وجود بني إسرائيل كأمة. لقد أخطأت ديانات العالم خطأ فادحا في نسبة النسل والصحابة إلى الإله الأعلى. في الوثنية العربية البدائية، كانت هذه الجريمة صارخة ووقحة.
أعطى الصابئة، في تسلسلهم السماوي، الأولوية للكوكب الأول، أو الذكاء الأسمى. انكشفت عيوب الفاتح المجوسي في الصراع الدائم بين طبيعتين متعارضتين. سقط مسيحيو القرن السابع، بغباء، في ارتداد أشبه بالوثنية. دارت عبادتهم، الخاصة والعامة، حول الشخصيات والصور. حُجب عرش القدير بحضور الشهداء والقديسين والملائكة. منح زنادقة كوليريديان، الذين ظهروا في أراضي الجزيرة العربية الخصبة، مريم العذراء مكانة الإله، ونسبوا إليها سر الثالوث والتجسد. بدا هذا مناقضًا لمفهوم وحدانية الله، إذ أدخل شخصيات متعددة وأعلن أن يسوع ابن الله. كان هذا فضولًا لا يشبع.!
