“دُنيا بيويس” مونديال قطر كحبكة في رواية باللغة المالايالامية
د. محمد صباح الوتودي
في عام 2022، أصبحت قطر أول دولة في الشرق الأوسط تستضيف بطولة كأس العالم لكرة القدم، وهي حدث رياضي عالمي استقطب انتباه عشاق كرة القدم من جميع أنحاء العالم. في هذا السياق، تبرز رواية مميزة مكتوبة باللغة المالايالامية، إحدى اللغات الهندية، بعنوان “دنيا بيويس” (بمعنى سيدات الدنيا). تركز هذه الرواية على الجنون الكروي الذي يجتاح سكان مليبار، الذين يعشقون كرة القدم بشغف لا يُضاهى.
تدور أحداث الرواية حول ثلاث فتيات من كالكوت، مدينة تقع في ولاية كيرالا جنوب الهند، يقررن السفر إلى قطر لمشاهدة المونديال. ما يجمعهن ليس فقط شغفهن بالكرة، بل حبهن العميق للأسطورة الأرجنتينية، ليونيل ميسي. تحمل كل واحدة منهن قصة فريدة وأسبابًا خاصة تدفعها لمتابعة مباريات كأس العالم عن كثب، لكنهن يتحدن في رغبة واحدة: رؤية ميسي وهو يتألق على أرض الملعب. يقررن السفر إلى قطر لتحقيق حلمهن، متجاوزات كافة العوائق الاجتماعية والتقاليد التي تحاول فرض قيود على حريتهن وأحلامهن. الرحلة ليست مجرد متابعة لمباراة كرة قدم، بل هي رمز لكسر القيود الاجتماعية وتحدي الوعي السائد تجاه المرأة، إذ تكتشف الفتيات في رحلتهن قوة الإصرار على تحقيق الأحلام وعيش الحرية.
تعكس الرواية روح الحماس والتشويق التي أحاطت بهذا الحدث الكبير، وتقدم نظرة ثقافية عميقة عن كيف يمكن لكرة القدم أن تكون جسرًا يجمع بين شعوب وثقافات مختلفة. من خلال سرد ممتع ومشوق، تأخذنا الرواية في رحلة لا تنسى من كالكوت إلى قطر، حيث تتلاقى الآمال والأحلام في أرض المونديال. والشخصيات الثلاثة هن فداء، برازيليا، وريما. اثنتان منهن من عائلات مسلمة والثالثة نصرانية. هذه الخلفية الدينية مما يذكرنا بالوئام الديني في مليبار في ظل أيام الكراهية التي تنتشر ضد الأقليات في البلد. كل واحدة منهن تأتي من خلفية مختلفة من حيث التقاليد المتعلقة بقضية حرية النساء والمسائل الاجتماعية التي تتبناها عائلاتهن حيث تجمعهن الكرة وما حولها من واقعات وأحداث وتجارب.
إحدى الفتيات أم لطفل رضيع، والأخرى تم عقد خطبتها مؤخرًا. لذا، يمكننا أن نتصور مدى صعوبة العقبات التي تواجه رغباتهن. رحلتهن تمثل تغلبًا إيجابيًا على المعارضة من البيت والمجتمع. وتمكن المؤلفان (مبارك محمد وشمشير أحمد) من التقاط اللحظات والأحداث والأماكن الرئيسية لكأس العالم في قطر بطريقة فريدة. على سبيل المثال، تحمل بعض الفصول في الرواية أسماء مثل “الكورنيش”، و”سوق واقف”، و”الفزعة”، وغيرها. من حيث الزمان والمكان، وضعت الرواية في سياقها المناسب بدقة. تبدأ الأحداث في أيام كأس العالم لعام 2018 وتنتهي بنهاية مونديال قطر. في كل فصل من فصول الرواية تاريخ محدد في البداية، وهذا يمنح القصة إطارًا زمنيًا دقيقًا. الأحداث تمزج بين الخيال والواقع، حيث يتجلى الواقع في تفاصيل المونديال، بما في ذلك أماكنه وأيامه وأحداثه الشهيرة. أما الخيال، فيتمثل في قصة رحلة الفتيات الثلاث للقاء الأسطورة ليونيل ميسي. هذا التداخل بين الخيال والواقع يضفي على الرواية جاذبية خاصة ويعزز من واقعيتها.
سوق واقف في أيام مونديال
تصف الرواية كيف يتلاقى الناس من خلفيات ثقافية مختلفة في سوق واقف، وكيف يخلق جواً من التعايش والتبادل الثقافي. يتم تقديم السوق كرمز للاندماج والتنوع، حيث يجتمع مشجعو الفرق المختلفة من جميع أنحاء العالم للاحتفال بالأغاني والموسيقى والرقص ويمكن للزوار تجربة مأكولات من مختلف أنحاء العالم، وشراء أزياء تقليدية متنوعة، وسماع لغات مختلفة تُتداول بين الناس. تعكس هذه الصورة للسوق الأجواء الحيوية والملونة التي تميز قطر خلال كأس العالم، وهذا يضفي على الرواية طابعًا حيويًا ومميزًا.
تسلط الرواية الضوء على القضية الفلسطينية من منظور تعاطفي، حيث تلتقي الفتيات بآمنة، امرأة فلسطينية وصلت إلى قطر لتحقيق نفس الحلم لولدها بلال، وهو رؤية ميسي، ولو من بعيد . بلال ولد مراهق مبتور الساق في الحرب، ويمشي بمساعدة ساق صناعية والأعضاء الباقون من عائلتهما قد استشهدوا في اعتداءات جيش الاحتلال. وهويتهما الفلسطينية وحدها كافية للفتيات لإعلان التضامن معهما. الرواية تعتبر هذا التضامن أمرًا ضروريًا يجب على كل إنسان إعلانه.
المؤلفان (مبارك محمد وشمشير أحمد)
تلتقي الفتيات بآمنة وبلال في مكتب “الفزعة” بعد القبض عليهن بسبب مخالفة غير مقصودة لقواعد التذاكر، دون معرفتهن الجيدة بالقوانين. آمنة وبلال تم القبض عليهما لنفس السبب. تم الإفراج عنهم جميعًا بتدخل المحامي للفتيات، حيث شمل هذا التدخل آمنة وبلال أيضًا. يُذكر هذا الحدث في فصل مسمى “الفزعة”، مع إشارة خاصة إلى نهج الشرطة القطرية الكريم وسلوكهم السخي مع المقبوض عليهم. يبرز هذا الجزء من الرواية تضامن الفتيات مع القضية الفلسطينية ويعكس الأخوة الإنسانية التي تتجاوز الحدود القومية والدينية. كما يوضح الكرم الذي تتعامل به السلطات القطرية مع الزوار. ويبرز ما يعزز من سمعة قطر كمكان مرحب ومضياف خلال كأس العالم.
الكورنيش في أيام مونديال
ولكن للأسف، لم تتمكن الفتيات من الدخول إلى الاستاد لرؤية ميسي، فخيبت كل آمالهن في هذه الرحلة، ولم تكن لديهن تذاكر أخرى. في ظل هذا الوضع المحزن، اتصل بهن مراسل صحيفة “قطر تايمز” ودعاهن إلى برنامج “لقاء ميسي” في المركز الصحفي. وصلن قبل الموعد المحدد بصحبة آمنة وبلال، كل واحدة منهن تأمل في دخول القاعة. لكن المراسل أعطاهن تذكرة واحدة فقط، ولم يكن لديه تذاكر إضافية حتى يفشلن مرة أخرى في تحقيق هدفهن. اتفقت الفتيات على أن يدخل بلال إلى القاعة بهذه التذكرة، وكن مسرورات لأن أم بلال أصبحت مسرورة. نُشرت قصتهن في اليوم التالي في “قطر تايمز” مع صورة كبيرة لهن. وبعد بضعة أيام، وبعد رجوعهن إلى البلد، شارك ميسي هذه المنشورة على صفحته في الفيسبوك قائلاً: “نلتقي قريبًا.”