بروكرستيز

صوت نداء قد ارتفع

كصوت طلقة سهام

في مهب الريح،

في هدوء غابة كثيفة

خالية من الإنسان

“مهلا أيها الأمير، توقف.”

تردد صداه في الكهوف البعيدة

“مهلا أيها الأمير، توقف.”

الأمير ثيسيوس،

أمير أيقظ اليونان القديمة،

أوقف حصانه الراكض،

مع سيفه الموهوب من والده

ودراع أعطاه جده

وتاج أثينا الجميل.

التفت، نظر حوله.

ظلام كثيف ألقى سدوله

بين يديه كالجدران.

نقيق الصراصير

حول أذنيه ارتفع.

هب النسيم كالجنون.

ماست منه أغصان الأشجار

في طريق بارد في الغابة.

غابة مظلمة،

ما رأى حركة إنسان.

من المنادي من هذا الفج العميق؟

صوت نداء يرتفع

كصوت طلقة سهام

في مهب الريح،

“مهلا أيها المسافر، توقف.”

أخذ الأمير سيفه المسلول،

دوّره وقال:

“من يناديني؟ لا تبقي مختبئًا، تعال”

وحش ذو جسد هائل،

شعر منكوش،

طويل أحمر،

أنياب ملتوية،

كاسٍ من جلود الأدباب.

أطفأ شعلته

ونفخ في ضوء الجمر،

ضحك ساخرا بصوت عال.

تردد صداه في الكهوف البعيدة.

سأله الأمير بوجه طلق:

“أيها الضيف في الغابة،

 ما عرفتك. من معي؟”

ضحك ساخرا بصوت عال

“ألا تعرف بروكرستيز؟

ألم تسمع عنه؟”

منذ زمن طويل،

سمعت أخبار ظلمه،

بكل خوف يروي الناس قصته.

يهرب المارة منه خوفاً.

بكلمات الإقناع يتلوهم،

وإلى المنزل للقِرى يدعوهم،

الخادمون جاهزون،

لتقديم العسل والفواكه لهم.

إذا يغشيهم النعاس في سريره،

ينهب زادهم

ويربط من استيقظوا

بسرير الموتى.

إن كان الجسد أكبر من سريره

فيرمي أرجلهم وأياديهم

مقطوعة إلى البعيد ويحرق.

وإن كان أصغر منه،

دسرهم بالمطرقة وطوّلهم.

جرت في ذاكرة ثيسيوس

روايات خوف من قصة

 بروكرستيز.

غلت الدماء انتقامًا

رعدا وبرقا من الرمح بالرمح

والسيف بالسيف

والحديد بالحديد

في الغابة، ميدان الحرب.

بروكرستيز سقط،

ربطه الأمير بسرير الحديد في كهفه.

قطع العنق رأسًا وجسدا،

رماه إلى الأرض،

أرض متناثرة بالعظام والجماجم.

مغامرة متحمسة،

ثيسيوس نجم خالد

منذ ذلك اليوم

ونور يحمل جبل أوليمبوس

وأبيات شعر لهرموس

لليونان القديمة.

مر الزمان ومرت فيه القرون،

رثت الجثث والقضيب قد انتفح،

تفتحت في كل زهرة قوة.

أثمرت عظام بروكرستيز

في كهوف أثينا فعاد.

ولد مثله ألاف،

بروكرستيزون السياسيون.

ذابوا حديد الأيديولوجيات،

مدوا للناس بيانًا،

وضعوا لهم في كهوف الظلام

ألفا من سرر الحديد.

ينتظرونكم بكل حي،

أتوا بكل إنسان عادي،

طلبوا عن مشاكلهم للحلول

وضعوهم في سرير الفكر.

ضحكوا ساخرين بكل حي.

إن كانت روحهم

أكبر من سريرهم،

رموا أرجلهم وأياديهم

مقطوعة إلى البعيد فحرقوا.

وإن كانت أصغر منه،

دسروهم وطولوهم بالمطرقة.

ينتظرونكم أمام الكهوف

أحزابا أحزابا بكل حي.

متى يعود ثيسيوس؟

بعلامة جهد مبذول

وبسيف مسلول

في نفوس إنسان مأمول

يبحث عن بديل مسؤول…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *