المقامة الزُّومية
عبد الحفيظ الندوي
حدثنا أبو أمان قال:
وفي يوم من أيام الجائحة كنت جالسا مع قوم من طلابي في تطبيق الزُّوم
. وإذا طالب يسأل طالبا نشطا آخر :كيف تمكنت من تحصيل العلم بالرغم من الإغلاق؟ والطالب الآخر أجاب وقال:
طلبت العلم من رجال
ليسوا صعب المنال
كأنهم قمم الجبال
يلقون العلم في كل حال
ليسوا يريدون المال
وإنما همهم الأعمال
وليس عندهم تجارة
وكلهم أناس ذوو مهارة
يعلمون الجيل بالشطارة
وضحكت توا من مداخلة الطالب
وقلنا لهم جميعاً
إنه العلم يا رجال
كما أنه لا يورث عن الآباء والأخوال
يكتسب بكل رجاء وآمال
و إذا أردتم العلم الآن
كما فعلنا في قديم الزمان
أن تجنبوا الشيطان
فعليكم أن تتحملوا في سبيله بلاء
وتدرؤوا الوباء بالدعاء
وأضفت قائلاً:
كنت أصعد في الأماكن التي لا تطاق. وأربط بطني بالأحجار. وأتحمل الإضجار. وأركب الأخطار. وأدمن الإسهار والأسفار
وأطيل الأنظار وأعمل الأفكار
وأسمع وأطيع كل كبار،
فالعلم يا شباب
كالزرع للأحباب
لا ينمو إلا بتعهد الغرس
ولا يزرع بجرس وفرس
هي النفس يا جماعة
كونوا على شجاعة
لا تهمكم مجاعة
ولا ترغبوا شباعة
ولا يكون العلم ثمرا كثر
إلا في مكان عظيم قدر؛
هو الصدر قبل كل حبر وخبر
حيث لا يمزجه أي كدر
ثم صار الطلاب أبدوا
بعقولهم المتعمقة
أفكاراً دقيقة
كأن على رؤوسهم طيورا
قدام الشاشات والجوالات
سألوني عن الحفظ
عن طريق اللفظ
وتروجت سوقهم بالمذاكرة.
وازدهرت وتوالدت بالمناظرة.
فقلت لهم يا أعزائي
ينبغي أن لا يحفظ العلم في السطور
فعليه أن يقيد في الصدور
ويخزن في القلوب
وتكحل به العيون
وينفق عليه كل نفس ونفيس
ويستعان علي بطلب التوفيق.
قال أبو أمان :
فلما سمعوا هذا الكلام انشرح لهم صدري. وتغلغل في قلبي وعقلي. وتغي لهم سائر أمري. فقلت لأحدهم
يا فتى من أين أتيت ومتى؟
فأنشأ يقول:
الهند دياري ….. ولو قَرَّ بها قراري
لكن بالزوم لَيْلِي …..وبالجوال نَهاري