المدائح النبوية في قصائد بابو مسليار والإمام البوصيري رحمه الله

أفضل.يو.أس

(الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية، مركز جامعة كاليكوت، كدمات، لكشاديب)

تعريف المدائح النبوية كما يقول زكي مبارك بأنها(( فن من فنون الشعر التي أذاعها التصوف، فهي لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع، لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص))1. وكان الشعراء في عصر النبي صلى الله عليه وسلم يمدحونه بأبياتهم الرائعة، منهم حسان بن ثابت الأنصاري وكعب بن زهير وكعب بن مالك رضي الله عنهم. لما هجا أبو سفيان النبي صلى الله عليه وسلم توجه إلى أصحابه وقال: ((ما يمنع الذين نصروا الله ورسوله بأسلحتهم أن ينصروه بألسنتهم؟)) فقال حسان بن ثابت: أنا لها، وضرب بلسانه الطويل أرنبة أنفه وقال: ((ما يسرني به مقول ما بين بصرى وصنعاء. والله لو وضعته على صخر لفلقه، أو على شعر لحلقه.)) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كيف تهجوهم وأنا منهم؟)) فقال حسان: ((أسلك منهم كما تسل الشعرة من العجين.)) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اهجهم ومعك روح القدس.)) هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يشجع الشعراء لقرض المدائح النبوية.

عندما وصل المسلمون إلى كيرلا تطورت اللغة العربية وآدابها فيها. فولد الشعراء الكبار في أرضها منهم عمر القاضي والقاضي محمد وعبد القادر الفضفري و ك. محي الدين المولوي وباوا مسليار الويلتوري وبابو مسليار ترورنغادي إلخ. وبابو مسليار ترورنغادي هو الذي يعرف بـ”بوصيري كيرلا”. وقصائده في مدح النبي صلى الله عليه وسلم بليغة جدا بالتشبيهات  ومليئة بالألفاظ الجميلىة. وفي هذا البحث حاولت أن أقارن بين قصائد بابو مسليار والإمام البوصيري رحمه الله في مدح النبي صلى الله عليه وسلم.

رجاء شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم

قد وردت في قصائدها أبيات تطلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في يوم القيامة. ولا يحصل أحد  شفاعة من الأنبياء في ذاك اليوم إلا من النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول بابو مسليار:

إني أحبك يا حبيب الأكرم                        أرجو الخلاص به وإني أجرم

هل من يحبك يا مشفع يحرم                    وبحق جاهك إنني بك مغرم2

قال البوصيري:

هو الحبيب الذي ترجى شفاعته           لكل هول من الأهوال مقتحم3

تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم بالشمس

يشبه البوصيري النبي صلى الله عليه وسلم بالشمس  والأنبياء الآخرين بالكواكب.

يقول:

فإنه شمس فضل هم كواكبها                  يظهرن أنوارها للناس في الظلم

ولكن تشبيه بابو مسليار أبلغ من تشبيه البوصيري. لأن بابو مسليار يقول أن القمر والشمس يتنوران بنور النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول بابو مسليار:

  أفرزت من نور الجليل تقدسا                 لولاك عم الكون ليل عسعسا

  ما النور لاح ولا الصباح تنفسا             أنت الذي من نورك البدر اكتسا

والشمس مشرقة بنور بهاك

المعجزات النبوية

الإسراء والمعراج

يشبه الإمام البوصيرى سير النبي صلى الله عليه وسلم في الليل على البراق من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بالبدر في ظلمة الليل.

يقول:       

سريت من حرم ليلا إلى حرم                     كما سرى البدر في داج من الظلم

وبت ترقى إلى أن نلت منزلة                        من باب قوسين لم تدرك ولم ترم

وقدمتك جميع الأنبياء بها                         والرسل تقديم مخدوم على خدم

وأنت تخترق السبع الطباق بهم                في موكب كنت فيه صاحب العلم

ولكن بابو مسليار يشبه النبي صلى الله عليه وسلم بالسماء ويقول أن السماء أيضا سمت وتزينت بسبب معراج النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول بابو مسليار:

أنت السماء فهل تطاولك السما               أنت الذي لما رفعت إلى السما

بك قد سمت وتزينت لسراك

إذ ذاك يا طه رأيت عجائبا                        شافهت رسل الله ثم مقربا

لاقاك كل بالهناء محببا                            أنت الذي ناداك ربك مرحبا

ولقد دعاك لقربه وحماك

الإشارة إلى شق القمر

يقول بابو مسليار:

والشمس قد ردت لأمرك هينا                   والقمر شق لدى الإشارة بينا

يقول البوصيري:

أقسمت بالقمر المنشق إن له                   من قلبه نسبة مبرورة القسم

سجود الأشجار أمام النبي صلى الله عليه وسلم

يقول البوصيري:

جاءت لدعوته الأشجار ساجدة               تمشي إليه على ساق بلا قدم

كأنما سطرت سطرا لما كتبت                    فروعها من بديع الخط باللقم

مثل الغمامة أنى سار سائرة                     تقيه حر وطيس للهجير حمي

يقول بابو مسليار:

قد خر فحل هائج لك طاعة                     ودعوت أشجارا أتتك مطيعة

وسعت إليك مجيبة لدعاك

يا من لديه أتى الأشجار ساجدة               يا من أتته الجبال شم طائعة

سكون النبي صلى الله عليه وسلم في غار ثور

يقول بابو مسليار:

والعنكبوت اتخذ نسجا ساترا                  باض الحمام هناك كي لا تبصرا

وسراقة قد حار من خسف عرا                وعليك طللت الغمامة في الورى

والجزع حز إلى كريم لقاك

يقول البوصيري:

وما حوى الغار من خير ومن كرم              وكل طرف من الكفار عنه حمي

فالصدق في الغار والصديق لم يرما         وهم يقولون ما بالغار من أرم

ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على           خير البرية لم تنسج ولم تحم

المعجزات الأخرى

يقول باب مسليار:

وأطاع أمرك جبل أحد ساكنا                   نطق الذراع بسمه لك معلنا

والضب قد لباك حين أتاك

من دار عباس دعوت فآمنت                    جدرانها فالولد طرا آمنت

بك صورة كانت بترس انمحت                   والذئب جاءك والغزالة قد أتت

بك تستجير وتحتمي بحماك

وإليك إذ ضحيت بدن أسرعت                 وكذا الفئام ببعض قرص اشبعت

والقصع بالتسبيح جهرا صوتت                 وكذا الوحوش أتت إليك وسلمت

وشكى البعير إليك حين دعاك

وكذا دفينتهم أتتك سميعة                       لدعاك صائحة تجيب سريعة

معجزات النبي صلى الله عليه وسلم في أيام القحط

يقول بابو مسليار:

وكذاك ذمة جابر قد أبرئت                      الماء فاض براحتيك فسبحت

صم الحصى بالفضل في يمناك

لولاك لم تعرف ولم تك مسكنا                 ودعوت عام القحط ربك معلنا

فانهل قطر السحب حين دعاك

عن أن تكون له تبرا مسائلة                      يا من تفجرت الأنهار نابغة

من إصبعيه فآوى الجيش بالمدد

يقول البوصيري:

بعارض جاد أو خلت البطاح بها                سيب من اليم أو سيل من العرم

مقارنته بالأنبياء الآخرين

يقول بابو مسليار:

أعطيت شيمة آدم بل أجمل                     وكذا فصاحة صالح بل أكمل

وكذا رضا إسحق لكن أفضل                    هود ويونس من بهاك تجمل

وجمال يوسف من ضياء سناكا

من بعض نورك نور كل الأوليا                  بل من صفاك صفاء كل الأصفيا

بل من تقاك تقاة كل الأتقيا                     قد فقت يا طه جميع الأنبيا

الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم

يقول بابو مسليار:

يا رب صل على النبي محمد                       منجي الخلائق من جهنم في غد

يا رب صل على النبي محمد                       أزكى الصلاة مع السلام السرمد

يقول البوصيري:

مولاي صل وسلم دائما أبدا                     على حبيبك خير الخلق كلهم

عندما نعيد النظر إلى قصائد بابو مسليار نفهم أنه كان مدّاح النبي صلى الله عليه وسلم مثل الإمام البوصيري وغيرهم من الشعراء الكبار في عصور مختلفة. وقد بذل جهوده كلها لكتابة الأشعار ولإحياء اللغة العربية في ولاية كيرلا.

المصادر

  1. المدائح النبوية في الأدب العربي، زكي مبارك، منشورات المكتبة العصرية، صيدا بيروت، الطبعة الأولى 1935، ص:17.
  2. ديوان ترنقالي، أبو الفضل محمد باب مسليار الترنقالي، الطبعة الأولى 2011م، دار الأدب الإسلام، مالابرام، كيرلا الهند.
  3. قصيدة البردة، للإمام البوصيري رحمه الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *