لقد بلغنا زمانا

دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ

وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ

لقد بلغنا زمانا… قد ازدادت فيه نبضة قلوب المؤمنين وزفرة صدور المسلمين غير أنّ كثيرين منهم لا يفقهون سرّ ما هزّ نفوسهم وأقلق خواطرهم  وبعضهم لا يدرك في فهمهم ما بلّغهم إلى زفرة ونبضة. العالم الإسلامي ثلثاه قد انهمك في خضرة الدنيا وحلاوتها واتّبع نظمات وخطوات الغرب حتى غدا أكثرهم نسخةً مكرورةً من حضارته في لباسهم وأحوالهم واتّخذ الغرب في كلّ حدب وثوب.فصار حياتهم متماثلة ومتشابهة، وعرفوا أحوال  الدنيئة  للوطن فلسطين ودمعات بنات وأولاد، واحتراق القران، وأهوال المسلمين اللاجئين في أقاليم مختلفة. ولكنّ لم يجدوا أيديهم إلى مقصدهم وعون لهم وهم محزونون في عقر دارهم وقلوبهم محزونة في بيوتهم كأمٍّ ثكلى فقدت ولدها.

ولقد بلغنا زمانا! فيه رجال ليسوا كرجال الأسلاف وتُقوَّم النساء على عالم الأشرار ونساءٌ وقفن في ميادين الفتنة بين ذئاب الأشرار، يحرّضن على التبرّج ويشجّعن الانحلال حتى عمّ الفحش الأسواق شرقًا وغربًا. إنّ حضارة النساء في بين الرجال في خارج البيوت قد ساق إلى الأشرار الكبريات وهجوم الشهوات، هناك مات الحياء والشعور. وساءت الظنون والعقول وأُذلّتْ الكبائر  حتّى ما لها من حدّ الصغائر. قد خدرت الإنسانيّة  لأنّ المخدرات قد قلعتها فلذا فقد خسرت الإنسانية لأنّ المسكنات قد قتلتها. فبقيت البهيمية فشاهد العالم القتلى بالتهديد والترعيب وأضرار التناسلية والتحرّش الجنسي في قوارع الطرق.

ولقد بلغنا زمانا ! قد دفنت فيه الأمانة والإحسان وغاب الصدق والتصديق وساد الكذب، بذلك اخضلّت السماء بالدموع الخرساء وهي تنظر بعينها المنتقم على أصحابها وهم ينتظرون بالقلوب المعتدية لسخاءها.

ولقد بلغنا زمانا! فيه قد ترقّت التكنولوجية ومعها الإنسان هم ينفقون أوقاتهم في الوسائل الاجتماعية وهم يقتلون لحظاتهم الثمينة في لهو ولعب، هم وقعوا في عمق الحماقة وفي حفرة مسودّة ولا يدرون الأيام ماضية وهم في عميق الجهالة.كلّهم كدائرة الرحى صباح ومساء، يدخلون عالم الهواتف ووسائل التواصل في دوّامة مكرورة، وحياة بلا روح ولا إخاء. صار الجيران خصومًا في نار العداوة، بلا رحمة ولا مودّة هم نسوا الأخوية والإخاء لأنّهم يلهثون خلف المال بهويّة ضائعة، عيونهم شاخصة للغرب فلا يرفعون رؤوسهم عنه أبدًا، وهنا انهدمت القلوب ودمّرت الصدور بالسخريّة العنصريّة حتى في كرّة القدم بين المشجّعين اللاعبين.

ولقد بلغنا زمانا! فيه حرم السوق كلّه وفسدت الدنيا جلّها وحسن التبعّد من الخلق وأحسن التجنّب من المخلوق فصار خيرُ ما يُرتجى أن تعتزل الناس وتتجنّب الخلق، وتصون قلبك وتزكّي صدرك، بعدما خفتت أنوار أهل الصفاء في الأرض. فصدق قول سفيان الثوريّ رحمه الله: «هذا زمان السكوت، ولزوم البيوت، والرضا بالقوت إلى أن تموت.»