المقامة الشيوعية
✍ الأستاذ الدكتور عبد الحفيظ الندوي
حكى لنا فتى الزمان، أخي شميم ناثر الدرّ والبيان، وأديب الفلسفات والديانات، ذو عقل متقد ولسان أحدّ من السنان، فقال:
دعوني أُساجل في فكرٍ مريدِ
أتى به كارلْ في الدهر البعيدِ
يقول: “الدين أفيون الشعوبِ”
ويدعو للإلحاد من قلبٍ عنيدِ
فماركسُ قد نفخَ الفُسوقَ بقرنهِ
وصاح: “اهدموا! فذاك حال الرشيدِ”
يُمجِّدُ صراعًا طبقيًّا عتيقًا
ويزرعُ في الأرضِ شرًّا كالجليدِ
كتابُهُ رأس المالِ علقمٌ
به هدمُ مالٍ وأخلاقٍ وسُدُدِ
تسلّطَ باسمِ العمالِ سُفهاءُ
على حكمٍ، بلا عقلٍ سديدِ
همُ الكفرُ، والإفكُ، والفسق عادتُهم
وأخلاقُهم بين أهواءٍ وحدودِ
يُبيحون ما شئتَ من فاحشاتٍ
بل يعرفون العفافَ بلا قيودِ
إباحيَّةٌ في الحياةِ مُقيمةٌ
وشربُ الخمورِ لهم دين مجيدِ
ولا فرقَ عندهمُ بين أُمٍّ
وبين فتاةٍ تُباعُ بلا صُدودِ
نساؤهمُ عرضٌ مباحٌ لعابثٍ
وأطفالُهمُ في ضياعٍ بلا وُجودِ
لقد نَسفوا الفطرةَ الطاهرةَ
فلا قُدسَ باقٍ ولا عهدُ الجدودِ
وإن سألتَهم عن ربٍّ، تهكّموا
وقالوا: “أفي خرافاتِ الجُدودِ؟”
وإن جئتَهم بالوحيِ مبشّرًا
رموك بنارِ الحقدِ والسدودِ
وقد هدّدوا داوودَ في بلدتِنا
ِفهلعوا من صوتِ حقٍّ وتهدید
فداوودُ قد فضحَ الزيفَ فيهمُ
وساقَ الدليلَ كسيْلٍ من الرعودِ
وعن ميدياون علا صوتُهمُ
“اقتلوهُ!”، فذاكَ نهجُ الحقِّ المَحْدودِ
أعداءُ دينٍ، وما كرِهوا سوى
صعودِ الإسلامِ في الأفواهِ السودِ
فمنهم زُعماءٌ، إذا جئتَ سائلًا
تراهم يُصَرّحون بخوفٍ شديدِ
“يعودُ الإسلامُ!”، قالوا بحسرةٍ
كأنّ الرجوعَ له كابوسُ عِيدِ
فيا سامعي، الشيوعيّةُ لعنةٌ
تُذيقُ الأُممَ سمومًا من حديدِ
وما ذاقها شعبٌ وسَلِمَ بعدها
سوى من رماها وراءَ البيدِ
فإن شئتَ عزًّا، فخذ من هُدى
ولا تتّبعْ دربَ عَينٍ أو يهودِ
فدينُك نورٌ، وسُنّةُ طهَ
تُضيءُ الدُنى من القرونِ الخُلودِ
وفي الختام
قال الراوي: فنهضَ السامعون مدهوشين، وسألوا عن حالِ كارل وشركائِهِ، فقيل: “ذهبوا، وبقي الوحيُ خالدًا، لا يُبدّله فكرُ ملحدٍ ولا زمانُ جديد.”