مادلين …آخر مسمار في نعش كسر الحصار
محمد عاشق سي (قسم اللغة العربية وآدابها بكلية دار العلوم للدعوة الإسلامية، توتا)
————————————-
في عالم تقمص الصمت أسنانًا، وتخيّم العمياء أعيُناً، وتهجر الإصغاء آذانًا، يكون الكلام سلاما، والسماع خياما، حينما يختفي اللسان، يسبقه الوجدان، ويعرفه الإنسان بتعريف الملايين، مادلين… هو آخر ما كان سميا، فيما كان نسيًا بمثله مليًّا.
تلك السفينة التي أبحرت من ميناء كتانيا الإيطالي، متجهةً نحو قطاع غزة، وعلى متنها عدد من الناشطين والمتطوعين السياسيين من جنسيات مختلفة، تقف اليوم على مفترق الطرق، وقد انقسمت الآراء حولها بين مستحسن لها ورافض.
لكن، ماذا خلف الكواليس الغامضة التي تخاف إسرائيل من وصول السفينة إلى قطاع غزة مع أنها لا تحمل إلا معدات إسعاف، ومستلزمات نسائية، وأغذية بسيطة، وحليبًا للأطفال…؟ فلماذا تم اختطاف السفينة وهي في طريقها لإغاثة المدنيين؟ وما الذي يُرعب الاحتلال من قاربٍ لا يحمل سوى الحياة؟
ولما استعجم البيان من الكلام، واستُؤصِلت أماني الأحقاب تحت وسادة الأحلام، وتولّى الجُلُّ من القوى الدولية والأقيال عن الكمال، قام عدد من المشاهير، المتميّزين عن الجماهير، بإعلاء راية الغزّة العزيزة مجدداً.
هم قليلو العدد، لا يكادون يتجاوزون عدد الأنامل، ولا حركات العوامل، يحاولون كشف الكواليس الغامضة في معابر غزة، برا وبحرا. هذه الأمم الناشئة، الخارجة عن ديوان السياسة التقليدية، تضع سُلّمًا نحو مباحث جديدة في شأن غزة، ونعلم أن الناقل يملي الكلام، ويطيل، لعله يضيء ظلام الجهل، ويُزيل ترّهات الأحداث التي ينقلها الناس بلا وعي، فالوضع في الجهل وخيم وبيل.
إلى أيّ مدى ستطول الحال على أهالي غزة؟
وما تخشاه إسرائيل ليس أكثر من بقاء فلسطين، لأن بقاء “الفلوس” من التين، هو بقاء القضية حية، تقضّ مضاجعهم، لكن يومهم قادم… وسيُرَدّون فيه إلى أشدّ العذاب في العدالة، غريتا تونبرج التي عُرفت بشجاعة الموقف ونقاء الرسالة باتت أكثر إزعاجًا لإسرائيل، حتى اعتُقِلَت – هي ومرافِقوها – يوم الإثنين، يونيو 2025م، في موقف أثار الرأي العام العالمي.
وما قصة السفينة؟
هذه السفينة تشكّلت من ست حركات رئيسية، وهي: حركة غزة الحرّة، والحملة الأوروبية لإنهاء الحصار، والسفينة إلى غزة – اليونان، والسفينة إلى غزة – السويد، واللجنة الدولية لكسر الاحتلال.
وأسطول الحريّة الذي أبحر أول مرة عام 2006م، تزامنًا مع تداعيات الانتخابات التشريعية وما تلاها من عدوان. ومن بعد أبحرت سفينة الكرامة القطرية لإتمام المهام الإغاثية، تحمل في جوفها عزّةً وكرامةً، وتوصي بالعمل والمواصلة، بالمعدات والمستلزمات التي تحتاجها غزة للبقاء.
وختامًا، ستبقى المسيرات الشعبية على الأرض، آخر مسمار في نعش محاولات إطفاء نار غزة. الذين جعلوا المضرة مسرة، يستمرون إلى نهايتها، فالحق لا يقاوم سلطانه، والباطل يُقذَف بشهاب النظر شيطانه.
هنا… تستحيي الشاشات من ضحالته، والسادة من الركاكة، وتعود لفلسطين هيبتها الأبيّة من جديد…