حياة الماعز: حوار بين البطل الحقيقي للقصة وبين الممثل في الفيلم
إخراج الحوار: ويشوال رومانس
ترجمة: محمد صباح الوتودي
فيلم “حياة الماعز” أثار ضجة كبيرة في العالم العربي، حيث يتهم البعض بأنه يشوه صورة المملكة العربية السعودية، بينما يرى آخرون أنه لا يشوه أي شعب أو بلد، بل يؤدي مهامه السينمائية من خلال الجمع بين الواقعية والخيال السينمائي. وفي هذا السياق، نقوم هنا بنشر ترجمة لحوار دار بين نجيب، البطل الحقيقي للقصة، وبين الممثل الذي جسد شخصيته في الفيلم. هذا الحوار تم نشره على يوتيوب باللغة المليالامية مع ترجمة إنجليزية من قبل ويشوال رومانس.
– على ما أذكر، قد مثلت شخصيتين أو ثلاث شخصيات حقيقية في الأفلام، سواء كانوا على قيد الحياة أو متوفين. هذه هي المرة الأولى التي ألتقي فيها بشخصية مثلتها. كممثل، أعتبر هذه تجربة رائعة، وهذا هو شعوري.
– عام 1991 كان هو عام سفري للخارج. غادرت بسبب الوضع الصعب والفقر في بيتنا، ولتحسين وضعنا. عندما خرجت من المطار، جاءني رجل وأخذني بالسيارة، ولم أكن أعلم إلى أين سيأخذني.
– منذ حوالي أربعة عشر عاماً نحن وراء هذا المشروع، في عام 2008، عندما تحدث معي المخرج بليسي عن إخراج هذا الفيلم لأول مرة. أول فكرة خطرت في بالي كانت: كيف أتعامل مع الموضوع؟ هل آتي إليك وأتحدث معك لأفهم من هو نجيب؟ وكيف تكون شخصيته في الواقع؟ أم أفهم نجيب بطل الرواية الذي صوّره بنيامين؟ أم أفهم نجيب الذي في خيال المخرج بليسي؟ كنت متردداً. وأخيراً قررت أنا وبليسي أنني سأقوم بدور نجيب بناءً على فهمي للرواية وبعد سماعي لرؤية بليسي عنه. وهذا هو نجيب البطل الذي صورناه في الفيلم. الآن أود أن أعرف الفرق بين نجيب الذي تخيلته ونجيب الحقيقي. لا بد أن هناك فرقاً، لأننا شخصيتان مختلفتان. لم أعش الحياة التي عشتها، أنا فقط تخيلتها. فرق كبير لا بد أن يكون. أول سؤال أود طرحه هو: لم يكن لديك هاتف جوال في ذلك الوقت. هذا معروف. لكن هل كانت لديك ساعة في يدك عندما وصلت هناك؟
– نعم، كان لدي ساعة. بعد وصولي إلى المزرعة ورؤية الوضع فيها من وحشة وحالة، نسيت كل شيء.
– ما خطر في بالي عندما بدأنا تصوير الفيلم في الصحراء هو أن كل يوم كان مثل الآخر. كل يوم نستيقظ في الصحراء، وصباحه لا يختلف عن أي صباح آخر. وقت الظهيرة هو نفسه، لا يختلف عن الأمس. والمساء مثل مساء الأمس. هل كنت تحسب الأيام والأسابيع والشهور؟
– لا، لم أكن أحسب.
– طيب، كيف كنت تعرف مرور الوقت؟
– كنت أعرف من شروق الشمس وغروبها.
– كم يوماً استغرقت حتى جاءت فكرة الهروب إلى ذهنك؟ أم فكرت أنك ستبقى هناك إلى الأبد؟
– فكرت أنني لا أستطيع الهروب أبداً.
– هل كنت واعياً بأنك لا تستطيع الهروب؟
– نعم، كنت واعياً.
– كنت دائماً أدعو الله بكل ما أستطيع. وبعدها فكرت أن الموت أرحم من البقاء هناك. مرات كثيرة كنت أستلقي على الرمل حتى تلسعني أي كائنات سامة لأموت. لكن فجأة أقوم وأفكر في الوضع الحالي في بيتي وأوضاع عائلتي ووضع زوجتي التي كانت حاملًا في شهرها الثامن عندما غادرت المنزل.
– (تتدخل زوجته) راح الذي راح. لم تكن لدينا أي معلومات عنه، هل هو حي أم ميت؟ كنا ننتظره بفارغ الصبر أن يتصل بنا أو على الأقل يرسل لنا رسالة. لكن لم يصلنا أي خبر. حتى وصلت إلى مرحلة من التوتر.
– في أحد الأيام عندما استيقظت في الصباح، كان جسمي مغطى بالرمل تقريباً. هل رأيت رياح الصحراء؟
– نعم، رأيت. أنا متأكد تماماً أن ما ظهر في الفيلم والذي يشاهده الجمهور لن يوصل حتى 1٪ مما مررت به، ولا يمكننا إظهاره على الشاشة. أعتقد أن من استلقى على الرمل ليموت، يستيقظ ويقوم كل يوم من جديد. هل تعتقد أن الله أجلك لتقص على العالم هذه القصة؟
– نعم، أجلني الله لهذا. وبعد نشر الرواية، زرت أماكن كثيرة وتعرفت على العديد من الناس. عشت كل هذا أيضاً في وقت لاحق من حياتي.
– أفكر أحياناً أن الله ربما اختارك. ربما هناك الكثير من الناس الذين مروا بنفس القهر في الحياة. واختار الله واحداً منهم ليقص القصة، صحيح؟ إذا فكرنا. من وجهة نظر أخرى، أنت واحد من الأشخاص الذين اختارهم الله. ألم تفكر في الهروب وقتها؟ أم لم تحاول القيام بذلك؟
– نعم، فكرت. فكرت في الهروب بعد قتل الكفيل. وقتها كنت أفكر في الحياة بالسجن لو قتلته. وكنت أفكر في زوجتي التي كانت حاملاً في شهرها الثامن. هل ولدت أم لا؟ كلما أفكر في الموت، هذا ما يخطر في بالي.
– (تتدخل زوجته) بعد أيام، رأيته في المنام وهو يهرب، وشعره طويل منكوش وقذر. جاء إلي يطلب الماء، وعندما أحضرت له الماء، اختفى.
– نقسم مراحل هذا البطل إلى ثلاث مراحل بناءً على شعوره. الأولى، مرحلة ما بعد وصول نجيب هناك، وما جرى له من إحساس بالعجز من كل جهة، صحيح؟
– نعم.
– لا يعرف اللغة، ولا يعرف المكان، ولا يدري أين يذهب أو ماذا يفعل. ولا يفهم ما يقوله الناس. أول شيء شعر به هو العجز العميق. والثانية شعور بالغضب الشديد. حتى فكرت في قتله، صحيح؟ هذا شعور طبيعي لأي إنسان. غضب شديد. والثالثة شعورك كأنك أصبحت كواحد من الحيوانات. وعشت حياتك منذ تلك اللحظة على هذا الأساس. صحيح؟
– نعم.
– كأنك ستبقى هنا إلى الآخر؟
– نعم كأني سأبقى هنا.
– كواحد من الحيوانات؟
– نعم شعرت هكذا.
– كيف كنت تشعر عندما تمر بين الحيوانات؟ كنت أشعر أن هذا شيء مزعج جدا عندما صورنا الكثير من المشاهد مع الأغنام. عندما صورناها لأول مرة في 2019 شعرت بنوع من الاشمئزاز من رائحتها الكريهة. لكن أذكر أنه عندما تدربت عليها وعندما صورنا المشاهد في 2022 لم يكن هناك أي إحساس من الرائحة أو اشمئزاز أبداً لأنني تعودت عليها لشهور. هل أصبحت مثلها؟
– نعم، أصبحت، ما كنت أهتم برائحتها.
– هل كنت تتحدث معها كثيراً؟
– نعم. كان هناك ذكور وإناث، وكان هناك حوالي عشرة كبيرة الحجم بين المئات. عندما نقترب منها لإطعامها كانت تهاجمني وأسقط على الأرض. كانت فكرتي حينها أن الموت أفضل.
– ماذا كنت تفعل إذا أصبت بأي جروح أو مرض؟
– لم يكن لدي شيء أفعله حينها إلا سأموت.
– هل أصابك شيء خلال هذه الأيام؟
– لما كنت في بلدي، كلما وقعت في المطر يصيبني الحمى. لكن في تلك الأيام في الصحراء لم يصبني شيء حتى لو كنت في المطر أو الحر.
– ماذا نقول غير أنه تدخل إلهي، صحيح؟
– هكذا عشت. وهذه نعمة عظيمة.
– أمر عجيب، رجل يصاب بالحمى دائماً في موسم الأمطار حين كان في بلده ولم يصبه شيء في بيئة الأمطار ولا في الحر في الصحراء؟
– هذه قوة إلهية. هو الذي نجاني. لأن هذا المكان لا يمكن لأحد أن يصل إليه.
– هذا ما يسمونه اختيار إلهي، صحيح؟
– نعم.
– هل أنت مستاء من شيء؟
– لا.
– من أحد؟
– لا.
– لا يوجد أي شيء؟
– لكن ما زلت مستاء من الكفيل.
– هل أنت مستاء من شيء في أنك قضيت أياماً طويلة من حياتك هكذا؟
– بعد نشر الرواية، أصبحت أكثر سعادة.
– يعني ذهب الغضب؟
– نعم.
– لو كان بإمكانك العودة إلى ذلك المكان مرة أخرى، هل ستزوره؟
– لا، أبداً.
– مثل كابوس؟
– نعم. لن أزوره أبداً. ثم عندما ذهبت إلى البحرين، كان عملي جمع البلاستيك من المخلفات. وكان كأنني وصلت إلى الجنة.
– أنا أعرفه.
– مقارنة بما كنت عليه هناك.
– هل ترى تلك اللحظات في المنام؟
– بالتأكيد.
– الصحارى؟ هكذا؟
– بالتأكيد.
– تذكر كل شيء من الأغنام ورائحتها والطعام؟
– نعم. لا زلت أذكرها ولا أستطيع نسيانها.
– هل أخبرت أولادك؟
– فقط بعد نشر الرواية، تمكنوا من معرفة القصة كاملة.
– حتى عائلتك؟
– نعم.
– حتى زوجتك؟
– نعم. حينها عرفت القصة كاملة.
– (يتدخل ابنه) كنت طفلاً صغيراً وقتها وكان عمري اثنين فقط. لا أذكر ما حدث، ولكن بعد نشر الرواية، عرفت القصة كاملة. والدي لم يتحدث معنا عن هذا الموضوع أبداً. ربما لأنه لا يريد أن يحزننا. أنا بكيت عندما قرأت الرواية.
– هل عرفوا فيما بعد أن الأب هو شخص نادر؟
– نعم.
– أنا لم أكن أعرفك قبل أن أمثل دورك في الفيلم.
– نعم.
– مثلت نجيب الذي في مخيلتي. هناك فرق كبير بين نجيب الذي مثلته وبينك.
– نعم.
– لكن كانت أفكارك وأفكار نجيب هي نفسها.