من شيخة الفجرية إلى تغريد فياض

شيخة الفجرية / تغريد فياض

إلى الشاعرة والأديبة والمترجمة اللبنانية تغريد فياض

تحية طيبة

يطيب لي ويسعدني أن أبعث لحضرتك برسالتي هذه، فأنا من متابعي أنشطتك الثقافية، وإبداعك الأدبي، فبالإضافة إلى حضورك كشاعرة لك إصداراتك الشعرية المميزة، فإنك كنتِ ولا تزالين نموذجًا عربيًا رائعًا، ورائدًا في خدمة الثقافة العربية، إذ يقوم صالونك الثقافي المميز” صالون الشاعرة اللبنانية تغريد فياض”، الكائن في جمهورية مصر العربية، بخدمة الثقافة العربية قاطبة، إذ نراك توجهين الدعوة لكافة المثقفين، الذين يمكنهم تمثيل دولهم خير تمثيل في هذا الصالون؛ الحافل بالأنشطة الثقافية والفنية بشكل شهري منتظم. ولم يتوقف هذا النشاط حتى في ظل الجائحة، التي تسببت بالشلل لكافة الأنشطة الثقافية في العالم، واتجه نشاطكم إلى استثمار المجال الإلكتروني، ونجح أيضًا في التواصل مع المثقفين العرب لتمثيل دولهم باسم صالون الشاعرة اللبنانية تغريد فياض، وهنا أتساءل: كيف استطعتِ التوفيق بين إبداعك الشعري وبين خدمتك للثقافة العربية من خلال صالونك الثقافي الفاعل؟ والسؤال الثاني: على ماذا تراهنين فيما تبذلين من جهدٍ لإظهار الثقافة العربية من خلال وجود ممثلين للدول العربية في فعالياتكم؟ كما أنَّ لصالونكم الثقافي إدارة مميزة، من مثقفين وحملة شهادات ومناصب عليا في الدولة المصرية، فهل يعملون بشكل تطوعي؟ أم أن مؤسستكم الثقافية ذات جهد نفعيٍّ ما؟

ما الذي تكتسبينه على الصعيد الشخصي من مثل هذه الفعاليات؟ وما أثرها على أشعارك؟ وإصداراتك الشعرية وحياتك الشخصية؟ 

لن أطيل عليك كثيرًا، فلقد أفضت عليك بالكثير من الأسئلة، أرجو أن تجد لها ابتسامة على ثغرك الجميل، ثم إجابة أعرف من تكون الشاعرة الجميلة تغريد فياض من خلالها.

هذا ولك المحبة ووافر التقدير

                        تحياتي: شيخة الفجرية

                           سلطنة عُمان

………………………………………………………………………………………

إلى الأديبة العمانية أستاذة شيخة الفجرية…

خالص التحية لك،

أشكرك وتحية من القلب لرسالتك الرقيقة، ولرأيك الرائع في أنشطتي الثقافية وابداعي الشعري والأدبي.

في الحقيقة، تعتبر الثقافة عندي عنصرا أساسيا في حياتي منذ الطفولة، حيث تربيت وكبرت على حب الثقافة من والدي المثقف الكبير، والذي كان قارئا نهما لمختلف أنواع الأدب والشعر وحتى الكتب الدينية والتاريخية والعلمية، وحاول جهده أن يربيني أنا واخوتي على نفس الطريق، وكان يحببنا بالقراءة والتفكير والتحليل عن طريق المسابقات التي كان يقيمها بيننا، فيعطينا مجموعة من الكتب كل حسب عمره، ويطلب منا أن نقرأها وأن نحللها ونلخصها، والفائز فينا هو صاحب أفضل تلخيص للكتاب الذي يختاره. وجعلنا أبي نعتبر معرض الكتاب هو أهم حدث في السنة، وننتظره بفارغ الصبر، حيث هناك فقط كان أبي يتركنا لننطلق بمفردنا إلى مختلف دور النشر ونختار ما يعجبنا من كتب منها. كان كتاب “النبي” لجبران خليل جبران، هو أول كتاب اخترته بنفسي وقرأته وأثر بي كثيرا، إلى حد دمعت عيناي عندما قرأت بعض المقاطع فيه والتي أحسست أنها تتماس مع أفكاري ومشاعري، وأحسست وقتها أن الكتب هي أجمل مكان نلتجأ إليه، وأوحى ذلك لي بأن هذا هو مكاني الخاص في العالم. وبذلك نرى أن  حب الثقافة لا يأتي من فراغ. وبالطبع لا بد أن تكون موهبة الكتابة والإبداع جزء أساسيا في الشخصية حتى يستطيع المثقف أن ينتج كتبا تحمل عصارة روحه ليقرأها الآخرون ويعيشون تجربته ومشاعره.

بدأ شغفي بالثقافة منذ أيام المدرسة الابتدائية حيث بدأت بالمشاركة في المسابقات الشعرية والإبداعية، وحتى بفريق التمثيل المسرحي والإذاعة المدرسية، وحتى أني شاركت في فريق الكشافة المدرسية وأنشطته. كنت أجد متعتي في الانشغال بهذه الأنشطة، وخصوصا أن القراءة بغزارة قد مهدت لي أرضية صلبة للانطلاق في عالم الثقافة الغني والمتميز، فلقد كانت القراءة الباب الواسع لي للتجول في مختلف آداب وثقافات دول العالم، وكأنني زرت كل تلك الدول. واستمر الموضوع وتطور أيضا عندما أصبحت في المرحلة المتوسطة ومن ثم الثانوية، وشاركت في العديد من المسابقات وكنت أفوز فيها بمراكز متقدمة، مما كان يشجعني أكثر وأكثر. كما أنني بدأت بكتابة المقالات الصحفية والقصة القصيرة من عمر13 سنة ونشرتها في جريدتي القبس والوطن في الكويت حيث ولدت ودرست. واستمر شغفي بالأنشطة والعمل الطلابي حتى المرحلة الجامعية، حيث كنت أشارك دوما في الانتخابات الطلابية وأفوز فيها أيضا، وآخر منصب كان لي هو أمينة السر بمجلس فرع الطلاب في كلية الآداب، في الجامعة اللبنانية. كانت المرحلة الجامعية لي في بيروت، حيث درست فيها ثلاث تخصصات، بدأت بالأدب الانجليزي والترجمة، ثم تخصص علم النفس (العيادي) واخيرا الاعلام. درست الثلاثة مع بعض، حيث كان الأدب الانجليزي صباحا في جامعة بيروت العربية، وعلم النفس مساءا في جامعة ثانية (كلية الآداب- الجامعة اللبنانية)، ثم وأنا في السنة الرابعة من الأدب الانجليزي، والثالثة من علم النفس، تقدمت لامتحان القبول في كلية الاعلام، والذي كان النجاح فيه معجزة وقتها، واعتبرت ذلك تحدي، ونجحت وكنت الثالثة على المتقدمين للكلية، وأكملت الدراسة في ثلاث جامعات مختلفة، وكان ذلك مرهقا جدا، واضطررت أن أتغيب لأول مرة عن بعض المحاضرات في الجامعتين حتى أستطيع الحضور في كلية الاعلام، وكان التحدي وصعوبته، هو ما أعانني على هذا الحمل الثقيل جدا، فالتحديات تدفعني للأمام دوما وتخرج أفضل ما عندي، بل إن ذلك يسعدني أيضا. فأنا حتى الآن لا أشبع من المعرفة والعلم، وأبحث عنهما وعن ارضاء نهمي لهما في كل مجال.. 

ولدت وعشت في الكويت، مع أني لبنانية الجنسية والأبوين، ودرست فيها حتى أنهيت المرحلة الثانوية هناك. وكان لهذا أيضا تأثير كبير على تنوع ثقافتي وغزارتها. حيث أن الكويت كانت ملتقى لمختلف الدول العربية وغير العربية أيضا. وكانت زميلاتي في المدرسة من مختلف الدول، وحتى كانت لدي صديقات من باكستان والهند وايران، بالإضافة للدول العربية. وأن تعيش وتكبر في هذا الجو المتنوع يخلق لديك الاحساس بالعالمية، أي أنك تنتمي للعالم الكبير، وليس لبلد بعينه. هذه الظروف والذكريات أغنت الكثير من ابداعاتي الأدبية، وظهرت في دواويني الشعرية الثلاثة، ومجموعتي القصصية التي نشرت حتى الآن، وخصوصا في معظم قصص مجموعتي القصصية. ولقد أنهيت كتابة روايتي الأولى مؤخرا والتي تنشر قريبا، متأثرة بالكثير مما عايشته في معظم الدول التي عشت فيها أو زرتها، من الكويت، للبنان موطن أهلي وجذوري، لمصر التي اخترت أن أعيش فيها بعد ترحال، وأنا فيها الآن منذ 15 سنة. كما عشت في الامارات لمدة ثلاث سنوات، وسنة في جدة في السعودية، وفي الولايات المتحدة الأمريكية عشت لثلاث سنوات في نورث كارولينا، حيث كنت أدرس للماجستير هناك. وزرت سوريا وسلطنة عمان وتونس وتأثرت كثيرا بجمال الطبيعة، وبأهل البلدان التي عشت فيها والتي زرتها.

كانت هذه اللمحة البانورامية لتوضح كيف وصلت إلى تأسيس منتداي الثقافي في القاهرة، العاصمة التي شغفت بها منذ طفولتي، منذ قرأت أول مرة لنجيب محفوظ، الذي أعتبره الساحر الذي أثر بي كثيرا، وجعلني أعشق مصر والحارات المصرية التي قرأت عنها في كتبه، وأهلها الطيبين، وقرأت بعدها لعدة أدباء وشعراء من مصر. وأصبحت عضوة في اتحاد كتاب مصر بعد أن نشرت جميع كتبي فيها. وبدأت بالمشاركة في الأمسيات الشعرية والثقافية، والمؤتمرات الأدبية والمهرجانات، وإجراء المقابلات التلفزيونية والإذاعية، لعدة قنوات واذاعات مصرية وغير مصرية، لمدة عشر سنوات منذ 2005، بل وحتى أصبحت عضوة في لجنة الترجمة في اتحاد الكتاب وفي نادي القصة. وقمت أيضا بالترجمة من الانجليزية للعربية والعكس، لوزارة الثقافة المصرية، ولمؤلفين مصريين ولبنانيين ودور نشر لبنانية، حيث أن الترجمة هي العمل الذي أقوم به بعيدا عن هواياتي وأنشطتي.

كان كل ذلك قبل أن أقوم بتأسيس منتداي الثقافي في عام 2015، أي منذ خمس سنوات، وأقمته بشكل شهري في عدة أماكن ثقافية في القاهرة: مثل الأوبرا المصرية، أتلييه القاهرة للفنانين والأدباء، مكتبات مصر العامة المختلفة، الجامعة الأمريكية في القاهرة، المركز الثقافي الفرنسي، المركز الثقافي الروسي، المركز الثقافي اليمني، مركز رامتان الثقافي في متحف طه حسين، الجمعية الأفريقية. وأقمته أيضا في الاسكندرية في مكتبة الاسكندرية الشهيرة، وفي محافظة الأقصر في مكتبة الأقصر العامة.

فريق العمل معي يعمل متطوعا، حيث أني أنا شخصيا متطوعة في هذا العمل الثقافي، بل وأنفق عليه بنفسي، بما أنه ليس عندي راعي مادي له.  وفي الحقيقة الكثيرين من الشعراء والمثقفين، ومن شاغلي مختلف المناصب في الدولة المصرية، يتسابقون للانضمام لهذا المنتدى لما له من شهرة كبيرة في دعم الثقافة وإقامة الفعاليات الشهرية الناجحة وذائعة الصيت، ولأننا نعمل معا بروح الفريق والأخوة فيما بيننا، ونتشاور في بعض الأمور، إلا أن القرارات الرئيسية، واختيار المواضيع والضيوف المتحدثين والأماكن التي تقام فيها الفعاليات والحجز فيها، يقع على عاتقي أنا. وحتى أن أغلب الجمهور الذي يحضر يكون بدعوة مني، وطبعا ساعدتني وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة كثيرا، على الوصول لأكبر عدد من الجمهور ومن الضيوف المشاركين من مختلف الفئات.

يأخذ المنتدى مني جهدا كبيرا جدا ووقتا طويلا، وفي الحقيقة فإنه أيضا أثر سلبا وسبب تأخري في بعض الأحيان في اصدار ابداعاتي وكتبي الخاصة، وبالذات الرواية. إلا أنني أحس بالرضا التام وبالفخر بنفسي، وبحلاوة النتائج عند نجاح المنتدى بشكل كبير بعد كل فعالية بحمدالله. وربما تعوّدي على الحياة النشيطة وعلى الأنشطة الثقافية كل حياتي تقريبا، جعلني أكتفي بهذه النتائج ولا أطمح لغيرها وأنا أقيم هذا المنتدى وأعمل له بجد واجتهاد كبيرين. الفرح الذي أحسه في وجوه وقلوب الجمهور الحضور والمشاركين، يعطيني سعادة لا مثيل لها، وأيضا حصولي على قيمة معنوية كبيرة في المجتمع الثقافي المصري والعربي، والتي ترسخت بفعل مرور السنوات، وتطور المنتدى من جيد إلى أفضل.

الهدف الأساسي من انشاء المنتدى كان دعم الثقافة العربية بشكل عام وإتاحة الفرصة للجميع للمشاركة من كبار الشعراء والأدباء والفنانين والعلماء، إلى المجهولين منهم، والذين لم يجدوا منصة يعبرون فيها عن ابداعهم، بالإضافة للأطفال الموهوبين والشباب الذين لهم فرص كبيرة في كل منتدى للمشاركة بإبداعاتهم. ويشارك أيضا في المنتدى مثقفين من مختلف الدول العربية والأفريقية، بالإضافة للمصريين. كما يشارك دبلوماسيين من جامعة الدول العربية، والسفير اللبناني في القاهرة، وشارك من قبل رئيس وزراء مصر الأسبق، ووزير ثقافة أسبق، ومستشارين في مجلس الوزراء. نتيجة لتنوع وغنى المواضيع التي نطرحها شهريا، وللسمعة الجيدة التي يتمتع بها. بالنسبة لمواضيع المنتدى فهي تكون أدبية، فنية، علمية، موسيقية، اعلامية، وأحيانا الاحتفال بمناسبات تهمني مثل يوم المرأة العالمي، يوم الشعر، يوم اللغة العربية، وبعض المناسبات الوطنية الخاصة بلبنان ومصر. وحين حدثت أزمة كوفيد-19 (كورونا) وتوقفت الأنشطة، تحولت لأقيمه على صفحات الفيس بوك- أون لاين، وأقمت حتى الآن ثلاث منتديات الكترونية ناجحة جدا شارك فيها الكثير من المثقفين من مصر وحول العالم، وأصبح لنا هناك قاعدة جماهيرية أكبر بكثير من الأول. وسوف نعود بحمدالله لإقامة منتدانا بشكل فعلي على أرض الواقع يوم 22/اغسطس القادم، لنقيم منتدانا السابع والثلاثين.

شكرا جزيلا لك عزيزتي الأديبة شيخة الفجرية، لرسالتك الجميلة لي ولاختيارك لي للمشاركة معك، أقدّر أهل سلطنة عمان كثيرا، خصوصا، بعد زيارتي لها من قبل والتعامل الجميل مع أهلها الطيبين. تحياتي الكبيرة لك ولسلطنة عمان الحبيبة، وتمنياتي لكم بالنجاح والابداع المتواصل.

الشاعرة والأديبة والمترجمة اللبنانية: تغريد فياض 

القاهرة- 14/اغسطس/2020

جمهورية مصر العربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *