كربلاء: ملحمة الإيمان والثبات

✍ عباس أذنب كسركود
تاريخ البشرية كتاب عظيم. كُتب بالتضحيات والشجاعة والإيمان والحكمة. ومن بين صفحاته، تبرز كربلاء كأغناها بالدماء. أولئك الذين يدافعون عن الحقيقة سيظلون محلَّ احترام دائمًا، ولن يتراجعوا، ولو كان الثمن حياتهم. كانت كربلاء هكذا، حيث تجلت فيها الشهادة الإيمانية، فأصبحت رمزًا ساطعا ليس للتضحية فحسب، بل للقوة الروحية، والمحبة الإنسانية، والعدالة، والقيم.
كربلاء ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي رسالة الحق والثبات، وهي انتصارُ رسالةٍ مفادُها: «ليبقَ الحقّ، ولنمتْ»، تلك التي انتشرت في الصحراء. قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة». أما الحسن والحسين رضي الله عنهما، فلم يكونا يمثلان عائلة عادية، بل كانا يجسدان الإسلام الأصيل. وقد أصبح هذا النجم الساطع من هذه السلالة المقدسة، أهل البيت، رمزا ثمينا لمقاومة الظلم وعدم المساواة في واقعة كربلاء . وقعت كربلاء كظلال تُحيي نور الإيمان في مواجهة الظلام وجهاً لوجه.
تبدأ هذه الفترة التاريخية عندما أعلن الحسين رضي الله عنه بحزم أنه لن يسمح ليزيد، المتعطش للسلطة، بأن يقوض قيم العدالة والسلام والتسامح في الخلافة. كان للحسين والمؤمنين معه، الذين بلغ عددهم اثنان وسبعون، موقف فولاذي ضد كل ظلم واضطهاد، حيث ثبتوا على التقوى رغم المجاعة الجسدية في الصحراء، ووجود جيش العدو الذي بلغ عدده حوالي ثلاثين ألفًا، والوديان القاحلة التي تفتقر إلى الماء. لكن لم يتخل الحسين رضي الله عنه عن عائلته وأولاده الذين كانوا معه. راقب الحسين الجيش بعين الصبر، حتى أنهم أزعجوا ابنه علي أصغر رضي الله عنه البالغ من العمر ستة أشهر بحجب الماء عنه.
وأخيراً قال الحسين رضي الله عنه: “إن كان دين محمد صلى الله عليه وسلم لم يستقم إلا بقتلي، فيا سيوف خذيني”. لو لم يكن الحسين رضي الله عنه لما بقي من الإسلام اليوم إلا ظلاله الفاسدة.
من الحقيقة العارية، عندما يمر كل منا بيوم كربلاء، فليكن موقف الحسين موقفنا. وبذلك نكون جديرين بأن نسمع هذه الكلمة من الحديث وتُهمس في قلوبنا: «حسين مني، وأنا من حسين». لا يمكن أن يُمحى ألم كربلاء، ولا يزال سيل الدم الذي سقط على ترابها صرخة للعدالة. ولا تزال صرخات الأطفال، ووقوف النساء عاجزات والمشاهد الأخيرة للحسين رضي الله عنه محفورة في أذهان العالم.
تذكرنا هذه الواقعة التي لم يستسلم فيها أحد، حتى لو ضحى بحياته، بأن الإيمان يظل دائما ذا قيمة. إن العالم الذي نعيش فيه اليوم مليء بالظلم وإساءة استخدام السلطة والفساد. وفي هذا العصر، تشير كربلاء إلى أن الحق ثابت لا يتغير مهما تغير الزمان؛ ولذلك ينبغي على كل إنسان أن يتحلى بالشجاعة لمواجهة الظلم.
لا ينبغي أن نفهم كربلاء إلا من خلال العيش مع الحق، مثل الحسين رضي الله عنه. إذا لم نستطع أن نعيش مع الحق، فلا فائدة من تذكر كربلاء. إنها دعوة إلى حدود الإيمان والحقيقة. ولذلك، ينبغي أن تتجلى في أذهاننا في كل مرة نتذكر كربلاء رسالة واحدة وهي أن نتمسك بالحق مهما كلفنا الأمر، وأن نعيش مع العدل، وأن نبقى قائمين مع الحق مهما كثرت المعارضات. وليبقى دم الحسين رضي الله عنه السمة الخالدة لذلك.