العرب والهند.. طريقان يلتقيان في دروس العربية
✍ د. عبير حيدر
هناك علاقة قديمة وممتدة بين العالم العربي والهند، علاقة بدأت من زمن التبادل التجاري ولقاءات الموانئ، واستمرت عبر التاريخ من خلال المصاهرة والتعايش للتحول مع الوقت إلى علاقة ود واحترام متبادل. هذا القرب الثقافي ليس فقط في الطعام واللباس، بل أيضًا في اللغة، حيث نجد اليوم عددًا كبيرا من الهنود، خاصة المسلمين، يحملون تقديرا خاصا للغة العربية إما بدافع ديني كالصلاة وتلاوة القرآن، أو لأسباب مهنية واقتصادية كالعمل في الدول العربية، وليس غريبا أن نجد اليوم كثيرا من المدارس والجامعات في الهند تدرس اللغة العربية، ففي ولاية كيرلا وحدها، تدرس العربية في عدد من المدارس الرسمية، إلى جانب آلاف المعاهد الدينية والمراكز التعليمية المنتشرة في مختلف الولايات. وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد المؤسسات التي تعنى بتعليم العربية في الهند قد يتجاوز 40 ألفا، وهذا رقم لافت يعكس اهتماما حقيقيا بالثقافة واللغة معا، وعندما يأتي الطالب الهندي إلى دولة عربية لتعلم العربية كلغة ثانية، فإن التحدي لا يكون لغويا فقط، بل ثقافيا أيضًا. فهناك اختلاف واضح في الأبجديات، وفي تركيب الجملة، وفي طريقة التعبير، ومع ذلك، يحمل الطالب شعفًا واضحًا، ويأتي بدافعية عالية.

جامعة دار الهدى الإسلامية كيرالا
يعرف الشعب الهندي بحبه للتفاعل الشفهي، وتعد القدرة على التعبير بالكلام جزءا مهما من الشخصية الاجتماعية هناك. وعندما يدخل الطالب الهندي إلى بيئة يتعلم فيها العربية، لكنه لا يمتلك بعد رصيدا كافيًا من التراكيب والمفردات، فإن هذا التفاعل يتحول إلى تحد. فبعض الطلاب يشعرون بالعجز فيختارون الصمت خوفا من الوقوع في الخطأ، بينما يحاول آخرون التغلب على هذا العجز بالكلام المتواصل، حتى وإن امتلأ بالأخطاء النحوية أو اللغوية، لأنهم ببساطة يريدون أن يعبروا عن أنفسهم قدر المستطاع. وهنا تأتي أهمية دور المعلم في فهم هذا السلوك وتوجيهه بلطف، بحيث يشجع الطالب على الحديث، ويقدم له الدعم دون أن يُربكه بالخوف من الخطأ.
أما في فصول المحادثة، فتعد موضوعات مثل دور الأسرة، ومكانة الأم، والزواج المرتب من قبل العائلة، من أنسب المدخلات لبدء الحوار، فهذه الموضوعات مألوفة في الثقافة الهندية والعربية على حد سواء، وتمنح الطلاب فرصة للتعبير بلغتهم الجديدة عن تجارب قريبة منهم، ما يخفف من رهبة التحدث ويزيد من شعورهم بالثقة والانتماء.
ولا يمكن تجاهل عنصر آخر قد يبدو بسيطا، لكنه شديد الأهمية، هو لغة الجسد. فبعض الإيماءات التي تعني شيئا في الثقافة الهندية قد تفهم بالعكس في الثقافة العربية، مثل هز الرأس بطريقة تعني «نعم» لديهم لكنها تفهم «لا» عند العرب، هذه التفاصيل، وإن بدت صغيرة، إلا أنها تفتح الباب أمام تساؤل لطيف: هل تتغير شخصية الإنسان عندما يتحدث بلغة أخرى؟ هل تتحول طريقة تعبيره، وإيماءاته، وحتى طريقته في التفاعل بحسب اللغة التي يستخدمها؟ هذه الأسئلة تطرح نفسها بقوة في بيئة تعليم اللغات، وتشير إلى أهمية تضمين تدريبات تواصلية تعالج اللغة المنطوقة ولغة الجسد معا، بما يعزز الفهم المتبادل ويقلل من سوء الفهم غير المقصود، ويهيئ الطالب لبيئة تواصل أكثر انسجاما بين اللغة والثقافة.

الجامعة الإسلامية كيرالا