من طوفان الأقصى إلى الأسد الصاعد: الشرق الأوسط على حافة الانفجار
محمد جريج بن حسينار (قسم اللغة العربية وآدابها بكلية دار العلوم للدعوة الإسلامية، توتا)
—————————-
مع مرور عام كامل من بدء عملية “طوفان الأقصى”، تبعتها إسرائيل بعملية جديدة تسمى “الأسد الصاعد” على دولة إيران، مستهدفا ترسيخ الهيمنة العسكرية بالشرق الأوسط، بدعم أمريكي سخيّ، حيث لا تخفي واشنطن اعتبارها إسرائيل ولاية أمريكية “خامسة وخمسين” غير رسمية.
في الشرق الأوسط، وقع تطور استثنائي في توازن القوى بين عاصمتي طهران وتل أبيب، تمثل إسرائيل بالضربات غير المسبوقة التي أنتجت خسائر استراتيجية فادحة لإيران، بتحطيم مراكز قيادة وعملية نووية، وفي المقابل أقدمت إيران على رد فعلي يفوق التوقعات كاستهداف قادة إسرائيليين بارزين.
جاء الهجوم الإسرائيلي في ظل مفاوضات بين طهران وواشنطن ركزت على البرنامج النووي الإيراني، وتشير التقارير والتصريحات اللاحقة إلى أن لواشنطن دورا بارزا فعّالا في الصراع المشتعل، وعلى الرغم من دعوات دولية لخفض التوتر، رفضتها كل من إسرائيل وإيران لوقف التصعيد، ما ينذر باستمرار المواجهة.
منذ تسعينيات القرن الماضي، تسعى إسرائيل إلى احتكار القوة العسكرية في المنطقة إلا أن العقود الأخيرة شهدت صعودا لافتا لإيران، لا سيما بعد تحقيقها تقدما ملحوظا في مجال الطاقة النووية بعقول علمائها، الذي صار تهديدا وجوديا لإسرائيل.
الهدف الوحيد لإسرائيل وراء هذا الهجوم، إزالة تهديد العسكر الإيراني مع تفريع العلماء العبقريين عن طريق تدمير العقل البشري وهذا واضح من الأوضاع السائدة: أن دولة إسرائيل لم تستهدف المنشآت النووية فقط بل تركزت على علماء نوويين، حيث تعلم إسرائيل بأن إيران تستطيع تعويض قادتها العسكريين لكن ليس بطاقتها تعويض علماء الذرة على المدى القصير، ولذلك كانت إسرائيل أحرص الدول على حظر امتلاك إيران هذه القوة الذرية، حيث تجلى في خسارة إيران اغتيال تسعة علماء نوويين في يوم واحد.
استطاعت إسرائيل قتل عقول إيران بدفعة واحدة بالاختراق الاستخباراتي عبر تمكينات الموساد داخل بنية الاتصالات الإيرانية؛ لأن إسرائيل تمتلك قوة هائلة في المجال السيبراني أكثر عشرة أضعاف من نظيرتها إيران، والاختراق السيبراني ليس الأول من نوعه، ومن قبل استخدمته تل أبيب ضد حزب الله في لبنان ما أدى إلى تفجير بيجر و الوكي توكي مما أسفر عن مقتل عشرات القادة واليوم تكرر السيناريو ذاته في إيران، ومن الحقيقة البارزة في هذه الأيام الحربية الهجمات السيبرانية أكثر خطورة من الغارات الجوية مثل اختراق الهواتف والشبكات التي تمكن العدو من تنفيذ عملية اغتيالات دقيقة دون الحاجة إلى تدخل ميداني مباشر ، وهذا الهجوم كشف ثغرات وهشاشات استخبارية في طهران.
برغم علم إيران أن الرد الواسع محفوف بالخطر في ظل اصطفاف دول غربية مع إسرائيل سارعت إيران لتوجيه الضربات إلى إسرائيل إلا أن الردود تظهر هجوما معنويا فعليا، الآن الرد الإيراني يخدم أهدافا داخلية: ترميم صورتها المهزوزة أمام الرأي العام الداخلي، وإيصال رسالة بأن هيبتها لم تهزم بعد، في محاولة لتعزيز الثقة الشعبية بصمود النظام السياسي الإيراني .
في النهاية، لم تكن المفاوضات التي شاركت الولايات المتحدة صادقة وبحسن النية، لكن في ورائها انطوت أغراض خفية غير معلنة وفي الوقت نفسه، بدلا من محادثات حول خفض التصعيد ووقف الحرب، نشرت واشنطن سفنا بحرية وأسطولا عسكريا، معلنا الدعم الكامل لإسرائيل لشن الغارات على إيران…مهما تؤدي إلى تصعيد جديد يهدد استقرار الشرق الأوسط.