ذكر النيروز في الأدب العربي

أخذ الاحتفال بالنيروز بين الشعوب شهرة واسعة حول العالم. حيث كان هذا الاحتفال بين الأمم والثقافات المتعددة مختلفة باختلاف الاعتقادات والنظرات نحو النيروز. ويعتبر الاحتفال بالنيروز اليوم احتفالا وطنيًّا وحدثًا مهمًّا للدول التي تحتفل به في جميع أنحاء العالم وعطلة رسمية في بعض منها[انظر: 6].

ومن المعروف أن الشعب الفارسي وعلى وجه الخصوص التاجيكي كانا اصحاب الحضارة والمعرفة الإنسانية الرفيعة منذ فترة طويلة. لقد ساهما بشكل كبير في تطوير العلم والمعرفة عبر القرون لما لهما من إنجازات كبيرة في المجتمع البشري وحضارته؛ لقد أظهرا تقدمهم عن طريق إبراز أعمالهم القيمة للعالم.

اليوم تحتفل الشعب التاجيكي في جمهورية طاجيكستان بعيد النيروز كل عام في بداية الموسم الربيعي؛ باعتباره مهرجانا لأسلافهم وانتشاره بين الشعوب والأمم والحضارات عبر القرون، مما يدل هذا الاحتفال على تجذره بثقافة الماضي العميقة لشعوب آسيا أيضا. ويجعلهم فخورين بتقاليدهم الوطنية التي تعد مصدر سرور وبهجة. وكلمة “نوروز” فارسية تعني اليوم الجديد، أو بداية يوم جديد، ولا تزال هذه الكلمة مشهورة بهذا المعنى بين شعوب العالم الإسلامي. [انظر: 1، 15-349].

قد يطلع القارئ في المراجع التاريخية أن الشعب التاجيكي قد تأثر بلغة العرب وأدبهم وثقافتهم وحضارتهم في مراحل تاريخية مختلفة، وفي الوقت نفسه أثروا أيضًا في لغة العرب وثقافته [انظر: 4، 115]. وخلال مطالعتي جلب توجّهي ذكر الاحتفال بعيد النيروز في الأدب العربي. حيث يجد الباحث أن الأدب الفارسي التاجيكي قد تمازج الأدبين العربي والفارسيّ في القرون الماضية. حيث انبثقت منها في تلك الفترة حركة التمازج الثقافي العربي الفارسيّ قلَّ نظيرها في التاريخ نوعاً وكمًّا بين الشعوب.

ورغم أن إقامة الاحتفال بعيد النيروز هو تقليد فارسي تاجيكي إلا أن الشعراء والكتاب العرب قد أشادوا في أبياتهم بالنيروز ووصفوه في كتاباتهم الأدبية التي تبرزها المصادر التاريخية. ولذلك تُعرف “النيروز” بأن لها احتفالات ومهرجانات تنسب إلى الشعب الفارسي التاجيكي لما لها من دلالات ترمز إلى ترابط المحبة والصداقة والوفاء بين شعوب العالم. وإن قلّ الاحتفال والاهتمام مع ظهور الإسلام بشكل كبير، ثم جاء العصر الأموي فتغير وضعه من حيث موعد الاحتفال به، ثم في عصر الدولة العباسية توجه الاحتفال بالنيروز بشكل كبير[انظر: 6].

وبذلك، قد أصبحت النيروز وسيلة للتفاهم المتبادل والصداقة بين المجتمعات؛ لتوافقه  مع الاعتدال الربيعي، وهو ما تم تسجيله بكثرة في دواوين شعراء العرب؛ لذلك ما دفع البعض بالقول بأن الاحتفال بالنيروز في فصل الربيع لا يرتبط بأي دين أو معتقد، بل هو احتفال بالطبيعة وانفتاح الزهور وبسط الخضرة مع دمدمة روح جديد بعد عناء الشتاء القارص وبداية لموسم الزراعة. [انظر: 5، 20. و4، 117-118].

ويعتبر هذا المهرجان ظاهرة فاعلة ومؤثرة في الثقافة الفارسية التاجيكية، حيث كوّن ارتباطا ثقافياً في العالم العربي أيضا. ووصل هذا التمازج إلى حد أنه في عهد العباسيين، كانت الوزراء والأمراء والملوك العرب يحتفلون بعيد النيروز [انظر: 4، 115].

وهذا يدل على أن التماذج الثقافي بين العرب والفرس كان يتم من خلال الأعياد الوطنية. وعلى وجه الخصوص، قد سجل عيد النيروز في قصائد الشعراء والنثر العربي نموذجا رائعا للترابط الثقافي بين الشعبين. وعلى الرغم من أن أصل وجذور النيروز هو اتصال بالعصور القديمة، فإنها قد توافقت أيضا في فترة ازدهار الثقافة الإسلامية فاكتسبت معنى وشروحا خاصة، كأنها عارية من عقيدة الزرادشتية. [انظر: 4، 115].

بعد كل هذا، استطاع العرب والعجم بناء قصر ثقافي عال وجسر ترابط وثيق يقوم على بناء ترابط الإنسانية الطيبة والقيم الأخلاقية الرفيعة من خلال إحياء هذه المهرجانات التاريخية دون تمييز. [انظر: 5، 20. و5، 117-118].

كما شاع الاعتقاد بأن الاعتدال أيام السنة وفجر النيروز تدلان على نزول البركة في الكون، مما يبشر بالخير للمجتمع. واعتدال الطقس في الأقاليم السبعة وولادة الطبيعة بعد الشتاء القارص يمنح الإنسان روحًا نشيطًا وحركة حيوية. [انظر: 3].

كل عام في وطننا العزيز- تاجيكستان يشرق فصل الربيع بملامحه المتنوعة، حيث تتفتح الأشجار أذرعها لتزدهر، وتعانق العندليب بين فروعها مغردا مما يدفع الإنسان بالبهجة والسرور.

ويمكن ملاحظة مثل هذا التغيير الطبيعي في مناطق الدول الآسيوية، وخاصة البلاد العربية، وهم أيضا يحتفلون بأيام الربيع بفرح وسرور بقدوم فصل جديد. ولذلك قال محمد الكوفي في قصيدته عن بداية الربيع[3]:

حُلوُ الشَّبابِ مِنَ الدُّنْيَا أَوَائِلُهُ

بَدْءُ الرَّبِيعِ مِنَ الْأَيَّامِ نَوْرُوزُ

وفي تاريخ الشعوب يرتبط اسم النيروز ارتباطًا وثيقًا بالربيع. كما نجد أن اسم النيروز اقترن بالربيع في التاريخ عند الشعوب التي تحتفل بذکراه في أدبيات الشعراء العرب، ومنهم الشاعر أبو عبيدة الوليد البحتري حيث استلهم شعره من طبيعته الباسمة [انظر: 2، 2090-2091 و: 4، 128].  فقال:

أتَاكَ الرَّبِيعُ الطَّلْقُ يَخْتَالُ ضَاحِكاً

مِنَ الحُسْنِ حَتَّى كَادَ أنْ يَتَكَلّمَا

وَقَد نَبّهَ النيروز في غَلَسِ الدُّجَى

أَوَائِلَ وَرْدٍ كُنّ بالأمْسِ نُوَّمَا

يُفَتِّقُهَا بَرْدُ النّدَى، فَكَأنَّهُ

يَبُثُّ حَدِيثًا كَانَ أَمْسِ مُكَتَّمَا

وَمِنْ شَجَرٍ رَدّ الرّبيعُ لِبَاسَهُ

عَلَيْهِ، كَمَا نَشَّرْتَ وَشْياً مُنَمْنَمَا

وَرَقّ نَسيمُ الرِّيحِ، حَتَّى حَسِبْتَهُ

يَجِىءُ بِأَنْفَاسِ الْأَحِبَّةِ نُعَّمَا

على الرغم أن تاريخ عيد النيروز يعود إلى فترة ما قبل المسيح عليه السلام، فإنه مصطلح يعبر عن تجمع للمجتمعات البشرية في كل العصور. فأغنى الأدبَ العربيَ والتاجيكي بجمال الطبيعة، وجمع تراثاً زاخرا من القصائد والقصص والثقافات المتنوعة. ويقرب الوحدة بين الشعوب ويعتبر من أكثر احتفالات الربيع تأثيرًا في العالم إلى يومنا هذا [انظر: 4، 135-136]. لذلك فإن شعوب العالم، التي تعتبر هذا العيد القديم كحلقة وصل ثقافي بين شعوب العالم، نستطيع أن نستفيد منه كقوة ناعمة لاستعادة الصداقة والتعاون بين الشعوب، وإبقاء المنطقة والعالم على أساس التفاهم المتبادل والازدهار المشترك والسلام العام؛ كي يعيش الجميع في رفاهية وطمأنينة إلى عام جديد.

المراجع:

  1. الزبيدي، محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني، تاج العروس من جواهر، مجلد 15 في 571 صفحة.

аз-Зубайдӣ, Муҳаммад ибн Муҳаммад ибн Абдур-разоқ ал-Ҳусайнӣ, Тоҷ-ул-аруси мин ҷавоҳири-л-қомуси, дор-ул-ҳидояти, дар 40 ҷилд, ҷилди 15-ум дар 571 саҳ.

2. البحتري، ديون البحتري. 4/2090-2091.

ал-Буҳтурӣ, девони ал-Буҳтурӣ, таҳқиқи Ҳасан Комил ас-Сайрафӣ, дор ул-маорифи мисрӣ, соли 1964, аз ганҷинаҳои араб рақами 34, дар 5 ҷилд, ҷилди 4-ум саҳ: 2090-2091.

3. الدكتور زبيد الله زبيدوف، النيروز عيد الربيع ليس له ربط بأية عقيدة دينية  (http://www.tajemb-kwt.org)

Зубайдуф, доктор Зубайдуллоҳ Зубайдуф, Наврӯз иди баҳор аст ба кадом ақидаи динӣ ё идеологияи муайяне рабт надорад, мақола дар 23-уми марти соли 2015. 

4. الدكتور تاج الدين مرداني، ترجمة مقالة: النيروز في الأدب العربي، رحمن خليفة بشار. مجلة “سوخنشناسي” أكاديمية العلوم في جمهورية تاجيكستان. العدد 1، سنة 2012. في 180 صفحة.

Мардонӣ, Тоҷиддин, тарҷумаи мақолаи « Наврӯз дар фарҳанги араб», Раҳмон Халифа Башшор, маҷаллаи илмии «Суханшиносӣ» Академияи илмҳои Ҷумҳурии Тоҷикистон, адади 1-уми соли 2012, дар 180 саҳ.

5. الدكتور تاج الدين مرداني، ترجمة مقالة: النيروز شجرة فارسية في التربية العربية. مريم النعيمي. جامعة قطر. مجلة “سوخنشناسي” أكاديمية العلوم في جمهورية تاجيكستان. العدد 1، سنة 2014. في 178 صفحة.

Мардонӣ, Тоҷиддин, тарҷумаи мақолаи « Наврўз: дарахти форсӣ дар турбати арабӣ», Марям ан-Нуаймӣ, Донишгоҳи Қатар, маҷаллаи илмии «Суханшиносӣ» Академияи илмҳои Ҷумҳурии Тоҷикистон, адади 1-уми соли 2014, дар 178 саҳ

6. ما هو عيد النيروز وأصل تسمية عيد النيروز بهذا الاسم. موقع مقالات نيوز. تاريخ الاقتباس 20.03.2024. (0https://ar.mqalat.nl/42300/)

………………………………………………………….

معلومات عن المؤلف: ضيايف صبح الدين نصرييفيتش، الدكتوراه في الدراسات العربية، ومدير قسم الشرق الأوسط والأدنى في معهد آسيا وأوروبا لدى الأكاديمية الوطنية للعلوم في تاجيكستان، دوشانبي، شارع روداكي-33؛ هاتف: +992 92-704-09-08 ؛ البريد الإلكتروني: rakesh-23@mail.ru


Information about the author
: Doctor of Arabic Philology. Ziyoev Subhiddin Nasrievich– Head of Department for Middle East and Near Оrient, The Institute of Asia and Europe of the National Academy of Sciences of the Republic of Tajikistan; tel: +992 927-04-09-08; E-mail: rakesh-23@mail.ru

معلومات عن المؤلف: آدينيوف عبد الحليم سياهمرداويتش، الدكتوراه في الدراسات اللغوية، الباحث العلمي في معهد آسيا وأوروبا لدى الأكاديمية الوطنية للعلوم في تاجيكستان، دوشانبي، شارع روداكي – 33؛ الهاتف: 00992-917-44-53-70؛ البريد الإلكتروني: odinaev45@gmail.com

Information about the author: Doctor of Arabic Studies. Odinaev Abdukhalim Siyahmardovich – Leading Research Fellow, The Institute of study of problems in Asia and Europe of the National Academy of Sciences of Tajikistan. Address: 734025, Tajikistan, Dushanbe sity, Rudaki prospect №33, tel: +992 917-44-53-70; E-mail: odinaev45@gmail.com.