عبد الرحمن بدوي والماركسية

كان عبد الرحمن بدوي (1917-2002) فيلسوفا وجوديًّا مصريًّا. نُشِرَ أول كتاب فلسفي له بعنوان “نيتشه” عام 1939. قد خلف عبد الرحمن بدوي 120 كتابًا باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية. اشتهر بالدفاع عن الثقافة الأوروبية خلال أنشطته العلمية لكنه انتقد الحضارة العربية والإسلامية. عُرف بأنه أعظم فيلسوف عربي في القرن العشرين وعاش 85 عامًا.

أما محمود أمين العالم (1922-2009) كان فيلسوفا ماركسيًّا، اختلف وناقض أفكار عبد الرحمن بدوي الفلسفية. اعتقد محمود أمين العالم أن فلسفة بدوي الذاتية ليست مناسبة للمجتمع المصري في القرن العشرين، ومع ذلك، فإن أنشطة بدوي العلمية والفلسفية تستحق الثناء والتقدير. اعترف محمود أمين العالم في مصر كفيلسوف نظري ماركسي الذي درس الثقافة الاجتماعية المصرية في القرن العشرين. لذلك، المقارنة بين هذين الفيلسوفين من وجهة نظر أيديولوجية تستحق الاهتمام من قبل المحققين المعاصرين.

الأستاذ محمود أمين العالم [5] فيلسوف مصري ماركسي وشيوعي. تم الاعتراف بمكانته وموقعه في العهد السوفيتي من قبل الحزب الشيوعي السوفيتي. لهذا السبب، تمت ترجمة إحدى كتبه بعنوان “معارك فكرية” [4] إلى اللغة الروسية. كان محمود أمين العالم طالبًا في جامعة القاهرة، بينما حصل عبد الرحمن بدوي على درجة الدكتوراه في الفلسفة. فلاحقًا، انضم محمود أمين العالم إلى الحزب الشيوعي المصري وبدأ نضاله ضد بدوي الفيلسوف البرجوازي والوجودي…

يذكر الأستاذ محمود العالم في مقال مخصص حول معرفته بشخصية عبد الرحمن بدوي وأفكاره الفلسفية على النحو التالي: “لأول مرة في ديسمبر 1945، في نادٍ يسمى” الجمعية الفلسفية “بكلية الآداب باسم فؤاد أول (حاليا جامعة القاهرة) ألقيت كلمة رسمية وذكرت اسم الدكتور عبد الرحمن بدوي، وكان الموضوع تحت عنوان: “المحال في الطبيعة والفن”. وقال رئيس الجلسة، زميلي (حاليا الدكتور) كمال الدسوقي، إن موضوع محاضرتي كان محيرا ومحزنا للغاية. في الواقع، كان هذا الموضوع استمرارًا لتلك الأفكار التي بدأتها في منتصف دراستي الثانوية وتابعتها خلال أيام دراستي الجامعية في شهر سبتمبر 1945 [1، 185-204].

ذات مرة في منزل أخي محمد شوقي أمين شاهدت عدة أعداد من مجلة “الرسالة”. هذه المجلة أسسها محمد حسن الزيات. قرأت مقتطفات من كتاب “هكذا تكلم زرادشت” للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه نُشر في هذه المجلة. ترجم هذا الكتاب إلى العربية فيليكس فارس أحد المفكرين المسيحيين العرب. قرأت تلك المقاطع بحماس.

عن طريق الصدفة، قابلت مدرسًا للغة الفرنسية كان مواطنًا فرنسيًا ومحبًا لفلسفة نيتشه. أخبرني بمعلومات عجيبة وغريبة عن نيتشه. لقد أثار اهتمامي بشخصية هذا الفيلسوف بشكل جدي. كانت خطوتي الأولى هي البحث عن الكتب العربية التي كتبت عن موضوع الفلسفة بشكل عام والفلسفة الأوروبية بشكل خاص.

يجب أن أذكر أيضًا أنني كنت مهتمًا بالفلسفة عند ما كنت في المدرسة الثانوية، لكن أفراد عائلتي كانوا ضدي. ومع ذلك، بعد التخرج من المدرسة الثانوية، التحقت بكلية الفلسفة في جامعة القاهرة. أول كتاب وجدته عن نيتشه باللغة العربية كان تأليف الدكتور عبد الرحمن بدوي، في طبعته الأولى في عام 1939.

أثناء دراستي في الجامعة ظل عبد الرحمن بدوي [8] رمزًا ومثالًا حيًا لشخصية نيتشوية. لقد بالغ عن فلسفة نيتشه بصراحة أمام الجمهور وكان فخوراً بسلوكه. ومع ذلك، كنت أتصور مكانة وموقع نيتشه بشكل مختلف وفقًا لفهمي. باختصار، في رأيي، في ذلك الوقت، كان نيتشه فيلسوفًا وشخصية غير عادية، كان يحارب ويعارض كل النواقص والضعف البشري.

قد تكون خلفية تصوري أنني قرأت كتابًا للمستشرق الفرنسي الشهير والكاثوليكي لويس ماسينيون عن صوفي الحلاج المسلم. كان الأمر كما لو أن قصائد الحلاج تومض أمام عيني صورة أن نيتشه كان يتجه نحو الأنسان الخارق (سوبرمان)! ربما كان الوضع الاجتماعي والسياسي لمصر في الأربعينيات من القرن العشرين قد فرض مثل هذا السراب في ذهني:

أمزجة مكتئبة.. تحول إلى قصائد رومانسية حالمة.. تأليف شعر.. شطرنج.. قراءة مستمرة.. تجول بلا هدف في الشوارع والأسواق.. حضور التجمعات السياسية والوطنية.. وهكذا.

كانت حالتي مشوشة.. تشبه أزمة عقلية. كنت أرغب في الوصول إلى وادي النور. في إحدى أبيات القصيدة قلت: “لم تبق إلا خطوة وخطوتان على الوضوح”.

ومع ذلك، ليت لو كنت في سنوات الأزمة تلك، قد وصلت إلى فكرة دقيقة وواضحة!

يقول محمود العالم:

كان ذلك عام 1945، حيث نشر الأستاذ عبد الرحمن بدوي كتابه بعنوان “الزمان الوجودي”. اشتريت أنا وعباس أحمد هذا الكتاب. في الوقت نفسه، جلسنا في أحد المقاهي في شارع فؤاد (حاليا شارع 23 يوليو) وقرأناه في غضون عدة ساعات. بعد الاطلاع كنا مليئين بالإثارة والتوتر. عند ما وصلنا إلى الفصل الخاص بحالة الوجود، بدا لنا أن الأستاذ عبد الرحمن بدوي خان التجربة الحية للوجود! بهذا المعنى، حصر تجربة الوجود الحية في الأشكال الفلسفية والفكرية الميتة والعقلانية! [2، 191]. بعد قراءة الكتاب قررنا التوجه إلى منزل الأستاذ عبد الرحمن بدوي لإدانته على هذا الخطأ غير المتوقع. طرقنا بابه واستقبلنا أخوه الصغير، وقال إن الأستاد ليس في المنزل؛ لأنه أنا وعباس كنا في حالة سكران شديد. أتذكر فقط أنه بعد هذا الحادث ذهبنا إلى منزل صديقنا المشترك فرحات طوما. وكان فرحات موظفًا في مكتبة العلمية في الجامعة. أخبرنا قصة زيارة منزل الأستاذ بدوي بألم وحزن. على الرغم من ذلك، فقد حافظنا دائمًا على تقديرنا لعلم ومعرفة الأستاذ عبد الرحمن بدوي وكنا خائفين من التعرض على شخصيته.

خلال تلك الأيام، كنا مهتمين جدًا بالحركة الوطنية في مصر – وهي حركة كانت موضوع حديث الجميع في مصر في الأربعينيات من القرن الماضي. وهذه الحركة كانت تكافح ضد الاحتلال البريطاني والحكومة الاستبدادية مع الأحزاب التي تؤيد القوة الاستعمارية البريطانية في مصر. توجه البعض منا نحو الحركة الماركسية في إطارها النظري، لكن أنا وعباس كنا من أتباع الحركة الوطنية البحتة.

كنا في فبراير من عام 1946، لم نقدم عباس أحمد كممثل لقسم الفلسفة بالجامعة إلى اللجنة الوطنية للطلاب. على الرغم من أن هذه اللجنة كانت برئاسة الحركة الماركسية في ذلك الوقت. والسبب في ذلك أنه:

  1. كانت لدي مشكلة مع الماركسية في ذلك الوقت.
  2. مشكلتي كانت نظرية.
  3. كنت أعتقد أن الماركسية ليست سوى نظرية اقتصادية ومادية بحتة وهذا كل شيء.
  4. كنت أفكر أن الماركسية تفتقر إلى الجدية والعمق الفلسفي والأخلاقي.
  5. كما تخلصت إلى الرأي، أن المشاركة في جبهتين سياسيتين: القوميين والماركسيين في نفس الوقت يعطلان توجهي الوجودي الجاد [2، 192].

في الوقت نفسه، التقينا وتعارفنا بمدرس وصل لتوه من إنجلترا وكان يدرس اللغة الإنجليزية. كان المدرس شخصية متواضعة من أتباع الاشتراكية والديمقراطية، واسمه لويس عوض. كما كان المدرس مهتمًا جدًا في الأنشطة داخل الجامعة وخارجها وأظهر توجهه نحو الأستاذ عبد الرحمن بدوي. أنهى المدرس للتو بحثًا حول موضوع: نقد منهجية المادية الديالكتيكية والتاريخية في الماركسية. وبهذه الطريقة، فإن مقالات الأستاذ عبد الرحمن بدوي حول الوجودية، والنقد الموجه نحو الاشتراكي من المدرس لويس عوض، حيث أثار اهتمامي تناقض هاتين النظريتين وتحدت أفكاري الوجودي في هذه الحياة. في خضم الجدل بين الأستاذ عبد الرحمن بدوي والمدرس لويس عوض، ظهر طرف ثالث بيننا: وهو الدكتور يوسف مراد، المعروف بعالم النفس الذي أسس مجلة “علم النفس التكاملي”. اعتدنا أن نذهب إلى منزل الدكتور يوسف مراد كل أسبوع ونناقش الموضوعات المستجدة والساخنة في ذلك اليوم. وكنت من أتباع فلسفتي الوجودية حتى ذلك اليوم، والتي كتبت نتيجتها في ديسمبر 1945 في النادي الفلسفي بالجامعة [1، 193].

في غضون ذلك، كتبت مقالة افتتاحية في العدد الأول من مجلة “البشير” باسم “The Herald”، التي أنشأها أصدقائي وزملائي، باستخدام “الصدفة” بدلاً من “المحال”. هذا الموقف أبقى أفكاري مشوشة لسنوات …

في ذلك الوقت، وقع في يدي كتاب أنقذني من هذا الالتباس: “المادية ونظرية النقد التجريبي” لفلاديمير إيليتش لينين. وبعد ذلك بقليل كتاب: “ديالكتيك الطبيعة” بقلم فريدريك إنجلز. أحدث هذان الكتابان ثورة في فكري  الفلسفي ويبدو أنني دخلت من جديد في عالم العلم والفلسفة [1، 194].

بهذه الطريقة انضممت إلى صراعات سياسية واجتماعية وفكرية جديدة، وبهذه الطريقة عشت تجارب الوجودية الواقعية: السجن والتعذيب والغربة والنفي من مصر. ومع ذلك، كانت هناك فرصة للاطلاع على جميع أعمال دكتور عبد الرحمن بدوي من منظور جديد [1، 195].

بعد الانتهاء من أطروحة “تصادف” في يونيو 1953، بدأت في كتابة انتقاداتي الأولى عن الفلسفة الوجودية للدكتور عبد الرحمن بدوي. كانت المقالة الأولى من هذه السلسلة بعنوان: “هذه هي أخلاق الوجودية” التي قد نشرت في عام 1954. جاءت مقالتي هذه ردًا على مقالة للدكتور عبد الرحمن بدوي بعنوان “هل الأخلاق الوجودية ممكنة؟”، والتي نُشرت عام 1953. أما كتابي “تصادف” كان في الواقع أطروحة الدبلوم من جامعة القاهرة. كانت هذه المقالة الأولى ضد الفلسفة الوجودية الأوروبية في العالم العربي جذبت انتباه المثقفين في هذه البلدان. على سبيل المثال، تُرجمت بعض كتب الكتّاب والفلاسفة الفرنسيين الوجوديين مثل: جون بول سارتر وألبرت كامو إلى العربية [1، 195].

كان الإنسان في الفلسفة الوجودية الأوروبية أمثال سارتر يقترب من المسؤولية الشخصية. في حال قام الدكتور عبد الرحمن بدوي بفصل الإنسان بشكل مطلق من الناحيتين الوجودية والأخلاقية، بينما في فلسفة الوجود الأوروبية، يعتبر الجانب الأخلاقي جزءًا لا يتجزأ من الوجودية الحية [1، 195].

مع ذلك، في نهاية مقالتي، توصلت إلى هذه النتيجة أن: “الفلسفة الوجودية في الشرق الإسلامي فلسفة ليست لها أنصار ومشترين. أما نحن بحاجة إلى فلسفة تعكس إيماننا وثقتنا بالعلم وقوانينه الموضوعية واحترامنا لتاريخ البشرية العظيم “[1، 196].

هكذا في نهاية عام 1958، دعيت لتقديم تقرير علمي حول موضوع “الحرية والمسؤولية في فلسفة سارتر” في نادي المعلمين بالقاهرة. قامت الشرطة بتطويق مكان الاجتماع ومنعت قراءة هذا الموضوع. وبعد أسابيع قليلة، في صباح اليوم الأول من عام 1959 تم اعتقالي. وقد طبعت هذا الموضوع لاحقًا في كتاب “معارك فكرية” في “دور الهلال” ونشرته وكان ذلك في نهاية الستينيات من القرن العشرين.

كنت في السجن من عام 1959 إلى عام 1964. هذا السجن الذي منعني من الكتابة. وفي عام 1964 بعد إطلاق سراحي، كان أول مقالة كتبتها عن كتاب الفيلسوف والكاتب الفرنسي ألبير كامو، بعنوان “أسطورة سيزيف”. يمكن تلخيص هذه الأسطورة في كلمتين، وهي أن الآلهة اليونانية حكمت على سيزيف بعقوبة أبدية على الجريمة. والسبب في ذلك، أن سيزيف يحمل صخرًا من أسفل الجبل إلى قمته. وبمجرد أن وصل إلى قمة الجبل سقطت الصخرة من كتفه وتدحرج إلى أسفل الجبل. كان على سيزيف أن يفعل ذلك مرارًا وتكرارًا. وهذا التكرار الذي لا نهاية له ويستمر إلى الأبد. وبهذا المعنى، وهو يقصد بذلك أن حياة الناس محكوم عليها بهذا العمل المتكرر من دون المعنى. وليس لدينا خيار سوى الاستسلام لهذا العمل الرتيب والمتكرر.

يقول أمين العالم – كاتب المقالة، في ختامه: “كامو بكتابته هذه يريد أن يصف بشكل رمزي الحياة العبثية والأسطورية للإنسان في عالم اليوم. أنا أهنئ الترجمة العربية لهذا الكتاب؛ لأننا نحن بحاجة ماسة إلى سيزيف البشري (وليس سيزيف الأسطوري!) لنكون قادرين على رفع الصخرة إلى قمة الجبل والاحتفاظ بها هناك. وتم تنفيذ هذا العمل في عدة مناطق من العالم، وبقي الإنسان والصخرة على قمة الجبل. لقد وصل الإنسان المعاصر إلى هذه القوة والاستقلالية لرفع الصخرة إلى قمة الجبل ورميها في الفضاء اللامحدود بلا أجنحة! [1،197]. يعني أن رجل اليوم، في بعض بلدان العالم، قد أنقذ نفسه من سجن سيزيف الأبدي…

في شهر نيسان 1965 كتبت مقالاً بعنوان: “هل الدكتور عبد الرحمن بدوي يسير نحو طريق مسدود؟”. بعد التأكيد على المكانة العلمية والفلسفية العظيمة للدكتور عبد الرحمن بدوي، قمت بتحليل كتابه بعنوان “دور العرب في تكوين الفكر الأوروبي”، وقلت: إن العرب في الواقع حافظوا على التراث الهلنستي اليونانيين وأوصلوها للحضارة الإنسانية… [1، 198].

في شهر مارس 1967 جاء سارتر إلى مصر. وبهذه المناسبة نشرت مقالاً في مجلة “المصور” قد اعترضت فيه على فلسفة سارتر. وبهذا المعنى، إن فلسفة سارتر الوجودية لها تأثير سلبي على الوضع الحالي لمصر… على وجه الخصوص، لا يمكن للفردانية المطلقة والمتطرفة لفلسفة سارتر الوجودية أن تلبي المشكلات الاجتماعية في مصر.

هكذا، تطورت فلسفتي الوجودية وتحولت إلى فلسفة اجتماعية، وأكدت لي أن الفرد بذاته لا يستطيع أن يصنع شيئا، بل مجموعة من الأفراد هم الذين يطبقون هذه المبادرات ويحققون هدفًا اجتماعيًا مشتركًا. والآن، لا أعرف إذا كان سارتر يوافق على رأيي أم لا، لكنني أعلم أن الدكتور عبد الرحمن بدوي لا يزال يتبع الفردية الوجودية في بلدنا إلى هذا اليوم [1، 199].

في مقالة بعنوان “هذا الفيلسوف المؤسس” في مجلة “الهلال” عام 1989، أكدت أن الدكتور عبد الرحمن بدوي ليس مفكرًا فقط، بل هو فيلسوف أيضًا. في هذه المقالة ناقشت كتابي الدكتور عبد الرحمن بدوي بعنوان: “مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية” و”الزمان الوجودي”. توصلت إلى نتيجة مفادها أن الدكتور عبد الرحمن بدوي في هذين الكتابين استخدم المنطق الشكلي في معظم الحالات … يتخصص أعمال الدكتور عبد الرحمن بدوي في العموم في الفلسفة الأوروبية والفلسفة الإسلامية بشكل خاص. وكانت للدكتور عبد الرحمن بدوي فلسفته الخاصة في الوجودية، وتلك نتيجة دراساته واطلاعاته على الفلسفة المثالية الألمانية، وخاصة فلسفة مارتن هايدجر. يبدو لي أن اتّباعه عن مارتن هايدجر لم يكن نتيجة لأنشطة هايدجر السياسية في مصر؛ لكن بسبب علاقته بحزب الشباب المصري، والتي استمرت من عام 1937 إلى عام 1940. وكان هذا الحزب يتبع الفلسفة المثالية وغير العقلانية للحزب النازي (النازية)، وذلك لإظهار معارضة إنجلترا التي احتلت مصر. لابد من التذكير بأنه عند ما دافع الدكتور عبد الرحمن بدوي عن أطروحة الدكتوراه في القاهرة عام 1944 كان عضوًا في اللجنة العليا للحزب الوطني الجديد. لذلك، كان الحزب الوطني الجديد مزيجًا من حزب الشباب المصري والحزب الوطني القديم. يمكن القول: إن فلسفة الدكتور عبد الرحمن بدوي الوجودية قد تأثرت بالفلسفة المثالية الألمانية منذ أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين، وهي نتيجة تجربته في الحياة الفكرية والسياسية، وليست آثارًا لبعض الأحداث في المجتمع المصري في ذلك الوقت.

كما وددت التأكيد في هذه النقطة، أن هزيمة الفاشية والنازية عام 1945، ألغت برامج بعض الأحزاب المصرية، ومنها قد منعت مشروع فلسفة البدوي الوجودية. ولم يكن هذا  الحظر بسبب تراجع القدرة الفلسفية للدكتور عبد الرحمن بدوي، لكن بسبب التغييرات في الوضع السياسي والاجتماعي في مصر في ذلك الوقت. لهذا السبب، كرس الدكتور عبد الرحمن بدوي موهبته الفلسفية للبحث وترجمة الأعمال الفلسفية الأوروبية والإسلامية. وفي هذا الصدد، رأيت من الضروري التأكيد على نقطتين:

أوّلاً: الارتباط بين فلسفته الوجودية وتراث فلسفته القومية.

الثاني: نظرته السلبية للفلسفة الإسلامية [1، 201].

في تشرين الثاني (نوفمبر) 1995، نشرت مقالة بعنوان: “عبد الرحمن بدوي.. شخصية مجهولة” في مجلة “إبداع” [“الأخبار”]. قد جاءت هذه المقالة رداً على مقالة الدكتور مراد وهبة بعنوان: “عبد الرحمن بدوي من وجهة نظري”. حيث يطرح الأخير في مقالته السؤال التالي: “لماذا لم يكمل بدوي وهايدجر بنائهما الفلسفي؟”. وصاحب هذه المقالة يذكر الإجابة التالية على هذا السؤال: “كلاهما كانا رائدين في الفلسفة النازية الفاشية”. ثم يعقب أنه “عند ما انتحر هتلر، انسحب كلاهما من تكميل بناء فلسفتهما”. وهذا تقييم تم تأكيده فيما يتعلق بالعديد من الشخصيات والأحزاب والحركات في مصر في ذلك الوقت (أواخر الثلاثينيات إلى أواخر الخمسينيات من القرن العشرين) [1، 201].

الخاتمة:

ارتبط الدكتور عبد الرحمن بدوي بالفلسفة النازية فقط في بداية حياته المهنية. كان هذا الارتباط اتصالا سياسيا وبعد ذلك انقطع عنه. كانت للدكتور عبد الرحمن بدوي فلسفته الخاصة مع جذور أوروبية ثم تأثر بالتراث العربي والإسلامي وأضاف فيها شيئا.

يمكن القارئ أن يطلع على وجهة نظر الدكتور عبد الرحمن بدوي الخاصة في هذا الصدد في العديد من مؤلفاته، منها: “تاريخ الإلحاد في الإسلام”، و”الإنسانية في الفكر الوجودي والفكر العربي”، ومقدمة كتاب “الإشارات الإلهية” لأبي حيان التوحيدي.

باختصار، لم يتوقف الدكتور عبد الرحمن بدوي عن تكميل فلسفته الوجودية، كما ادعى الدكتور مراد وهبة. ولكن حتى النهاية، ظل من أتباع الوجودية غير الإلحادي لمارتن هايدجر.

المصاردر والمراجع:

  1. Абдурраҳмон Бадавӣ. Ситорае дар осмони фалсафа. (Маҷмуаи мақолот). Чопи дуввум. Қоҳира, С.190. Маҳмуд Амин ал-Олим. Ҳисоботи “фалсафӣ”-и ман бо доктор Абдурраҳмон Бадавӣ (С. 185-204).

عبد الرحمن بدوي نجم في سماء الفلسفة. مجموعة مؤلفين.

  • Абдурраҳмон Бадавӣ. Ситорае дар осмони фалсафа. (Маҷмуаи мақолот). Чопи дуввум. Қоҳира, С.190. Маҳмуд Амин ал-Олим. Ҳисоботи “фалсафӣ”-и ман бо доктор Абдурраҳмон Бадавӣ (С. 191).

عبد الرحمن بدوي نجم في سماء الفلسفة. مجموعة مؤلفين.

  • Бадавӣ файласуфи экзистенсиалисте (вуҷудие), ки ба тарафи ислом гурехт. Таълифи доктор Саъид ал-Ловандӣ. Қоҳира, 2001.

عبد الرحمن بدوي فيلسوف الوجودية الهارب إلى الإسلام. سعيد اللاوندي

  • Дар боби таърихи илҳод дар ислом. Абдурраҳмон Бадавӣ. Нигоҳи муосир. 1398=2019 (Тарҷумаи форсӣ).

من تاريخ الإلحاد في الإسلام. د عبدالرحمن بدوي.

  • Мактаби фалсафӣ ва методологияи Абдурраҳмон Бадавӣ дар таҳқиқи мазҳабҳо. Шарҳ ва нақд. Таълифи Абдулқодир ибн Муҳаммад ал-Ғомидӣ. Ар-Риёз: Китобхонаи ар-Рушд, 1429ҳ=2008.

عبدالرحمن بدوي ومذهبه الفلسفي ومنهجه في دراسة المذاهب. عرض ونقد.

  • Махмуд Амин Аль-Алим. Идейные бои. Сокрашённый перевод с арабского, кандидат философских наук А.В. Сагадеева. Москва: Издательство «Прогресс», 1974. -272 стр.

محمود أمين العالم. معارك فكرية. ترجمة مختصرة من اللغة العربية.

  • Таҳқиқотҳои арабӣ доир ба Абдурраҳмон Бадавӣ. Таълифи Аҳмад Абдулҳалим Атия. Қоҳира, 2002.

 دراسات عربية حول عبد الرحمن بدوي. أحمد عبد الحليم عطية

  • Маҳмуд Алим Ал-Олим — таваллуд: 18 феврали 1922 дар шаҳри Қоҳира; Вафот: 10 январи 2009 дар шаҳри Қоҳира; Омӯзиш ва таҳсил: Университети Қоҳира; Ихтисос: Нависанда, файласуф ва рӯзноманигор; Ҳизб: Ҳизби коммунистии Миср; Фаъолият: Дар Университети Қоҳира, Университети Париж-8.

محمود أمين العالم. 18.02.1922. القاهرة.

  • Абдурраҳмон Бадавӣ – таваллуд: 17 феврали 1917 дар шаҳри Шарбоси вилояти Димёти Миср; Вафот: 25 июли соли 2002 дар шаҳри Қоҳира; Ихтисос: файласуф, нависанда, шоир ва мутарҷим; Корманд: Дар Университети Айну-ш-Шамси Миср; Мактаби фалсафӣ: Ҷараёни вуҷудӣ (экзистенсиализм).

عبد الرحمن بدوي. 17.02.1917. دمياط، مصر.

  1. Таърихи тасаввуфи исломӣ. Абдурраҳмон Бадавӣ. Нашри Афроз. 1389=2010 (Тарҷумаи форсӣ).

تاريخ التصوف الإسلامي. المؤلف. عبد الرحمن بدوي

  1. Файласуфони ҷаҳони исломии Шарқу Ғарб. Абдурраҳмон Бадавӣ. Нашри Фарогуфт. 1387=2008 (Тарҷумаи форсӣ).

فلاسفة العالم الإسلامي من الشرق والغرب. عبدالرحمن بدوي.

معلومات عن المؤلف: كامل بيك زاده – الدكتوراه في العلوم الفلسفية، أستاذ مشارك، وباحث علمي في معهد الدراسات لمسائل دول آسيا وأوروبا لدى الأكاديمية الوطنية للعلوم في تاجيكستان. البريد الإلكتروني: didavar@inbox.ru