✍ محمد سنان فاندكاد (قسم اللغة العربية وآدابها، كلية دار العلوم للدعوة الإسلامية، توتا)

حدثني سنان بن رشيد قال: خرجت في نهار ناضر، والنسيم بين الأزهار عابر، فإذا السماء قد جمعت الغيومَ كمن يُخفي الأسرارَ في المحاجر، وتلبّدت بالوعد الباكر، كأنها رسولٌ بالبشرى ناذر، ثم هبّت الريحُ بعبير عاطر، وتمايلت الأشجار كأنها في نشيد باهر، وتلبدت السماء بسواد ساحر، حتى بان البرق في الأفق زاجر، والرعد دوى بصوت هادر.

رأيت الزهر يبتسم في انبهار، كأن المطر بعث فيه حياة بعد احتضار، والسنابل ترفع رؤوسها بشكر وافتخار، وكلّ ما في الأرض نطق بالابتهار. فلما صفا الجو من الغبار، وارتوى الثرى بعد انتظار، بدا وجه الأرض كعروس في ليل افتخار، قد لفت بحلل من ندى وأزهار.

هو رسول الطهر إلى القلوب التي لوّثها الغبار، وهو غيث البسط حين يضيق القرار، وفيه رسالة العزيز الجبار، أن من بعد القحطِ يأتي الإثمار، ومن بعد الغياب يكون الانبهار. نظرت إلى السواقي وهي تهمس للأنهار، وتهمي كنظم الدرر، بلا استعجال ولا انكسار، فقلت: سبحان من أنطق الماء بلا لسان، وأجرى الدمع من عين السماء على وجه التراب المغبر.

كل قطرة تنزل بأمر من العزيز القهار، وكل رمشة برق تسبق دعوة سحاب بالإيثار، فتسير جيوش الغيم كالرسل إلى الصحارى والقفار، تحمل المدد لمن تألّم بالجوع والعري والانكسار.