دراسة نقدية لقصيدة (سحر القصيدة) للشاعر المهندس سامر الشيخ طه
في البداية لست ناقداً بالمعني الإجمالي لتلك الكلمة التي تحوي في طياتها معارف جمة أولها علم العروض وخاصة إذا كان النقد يتعرض لقصيدة شعرية وثانيها على البيان وعلم المعاني واصول اللغة وأن كنت ملم بالكثير منها لذا أردت التوضيح والافصاح في بداية دراستي ونقدي لتلك القصيدة التي تحمل في طياتها الكثير والكثير من رونق الشعر الموزون والمقفى وجمال الاخيلة والمحسنات البديعية.
الدراسة:
القصيدة تحمل من المعاني الكثير فمنها الشفيف الرهيف والاخيلة والمحسنات البديعية فالعنوان يحمل السحر في طياته فالسحر كما هو معروف نوع من الاعمال التي تسرق الانظار وتخطف اللب فهو عمل فوق تصور العين أن تراه فعل عجائزي يأتي به الساحر ليصور للعين شيء من الاعجاز عن أفعالهم العادية وهنا يتطرق الشاعر إلي نوع معين من أنواع السحر وهو سحر المعاني والاخيلة في قصيدته العصماء لا سحر الكهان، فيطالعنا الشاعر في أول أبيات القصيدة بأن يصور السحر المتعارف عليه بأنه ضوء يسري في ظلام القصيدة بضيائه التي تشبه القمر أو القمر ذاته بضيائه الساحرة على ربي القصيد ويعلن في البيت الثاني بانه أمتد بنوره ليضيء بكشفه المستور بين جمالات القصيدة حتي أنه أصبح يختال في زهو بذلك العابر في الليل كشعاع القمر الذي يحول الليل إلي رؤية واضحة بأشعته المتساقطة على ظلماء الأرض.
ويعود الشاعر ليفصح عن الاخيلة والمحسنات البديعية التي أشرقت في ليل القصيدة فكانت كالبدر المنير تزيل عنها الركاكة في احسن صورها وهنا يحدثنا الشاعر على القصيدة بصورة عامة فليست نوع من درب من دروب الشعر كالحماسة والفخر والرثاء وغيرها من أغراض الشعر المتعارف عليها قديماً وحديثاً فهي تحمل على العام لا على الخاص، فقد طغت الصور الجميلة على روح القصيدة في سحر بيانها ورونق نظمها وذلك ما يجب أن يكون في سحر القصيد كله فما معني الشعر أن خلا من المحسنات والأغراض وكيف ينتمي إلي الشعر ما لا يحوي في طياته البديع من المعاني ويضم محسنات ترتقي بنظمه واخيلته.
ثم يسوق لنا الشاعر المهندس، سامر الشيخ طه ما كان منه في نظم القصيدة عندما أجمع شتات نفسه في نظمها فقد اوقد الفكر وعندما يوقد الفكر يصبح كجمر اللهب التي تسوي عليه صنوف الاطعمة فتطيب لمن يحب ويهوي ضارباً المثل والتشبيه البليغ فهو شبه نظم القصيدة كالطعام الذي يعد لا بد له من محسنات وجمر يستوي عليه حتي يصير نافع لمن يتناوله كذلك القصيدة تجمر عليها الأفكار والموضوع والأخيلة لتصير نبع رقراق عذب المعاني بديع الصور، عندها تكون مثل النجوم الذاريات في سماء الشعر تضئ الفيافي لمن أراد أن يقتدي بها وينهج نهجها في التعبير والتصوير بالمطالعة والنظر في معانيها وصورها التي تتضمنها حتي تكون عبرة للشعراء يسرون على نهجها، ثم يتطرق الشاعر إلي أنه لا بد من وجود السحر لدي الشاعر والسحر هنا هو الموهبة التي تغرق الشاعر في أحساس الشعورية والتي تصور له المعاني التي يسوقها لتكون موضوع موحد للقصيدة ككل فكما لا شعر بدون موهبة حقيقية لدي الشاعر كذلك لا شعر بدون أحساس بالموضوع الذي يتناوله الشاعر ليصوغ على أفنان قصيدته ما يتناثر مثل شرر الجمر تحرق الافئدة وتطرب في ذلك الوقت وجدان القارئ.
على ذلك النهج يسير الشاعر ويتساءل عن ذلك السحر الذي خطر دون حسبان أو موعد سابق فذلك هو دئب الشعراء تلهبهم المؤثرات والاحداث فتراه مسرعاً إلي القلم يريم احاسيسه على الواح بيضاء لتعتم بحبر محبرته قصيد كليل دامس لتشع من بين ظلمات الحبر اشعة القمر على ليل الشعراء فتكتب احاسيس طافت في ليل الأرجاء بالباب الناس فترى من يقرأ يستشعر مراد الشاعر ويعيش مشاعره وكأنها مشاعر القارئ ذاته.
ثم يصور لنا الشاعر في النصف الثاني للقصيدة وكأنه أراد ذلك بأن يشطرها لنصفين فيصور القصيدة بأنها سحابة تهطل بماء منهمر على ربوع المعاني كالغيث المتساقط على الارض فيحول إدامها إلي ربوع خضراء تري وتشاهد الزهور يانعة بديعة الجمال ولم يتوقف الشاعر في جمال قصيدته على تصويره بأن الماء يتساقط من سحابة في الشتاء بل أن خير الماء المساقط يمتد لشهور الصيف ليخرج لنا اجمل الثمار فنفع القصيدة لا يتوقف عنده بحد معين او بزمان محدد بل هي عنده ممتدة المعاني والجمال في كل زمان ومكان لمن يطالعها، وهي عزيزة عليه فهي بنت احلامه وافكاره فلا يفرط بها ولا يتركها دون أن يهذبها ويجملها للقارئ حتي تشابه السحر لتخطف منه اللب والقلب.
ثم يختم بقوله إن القصيدة تسير معه إيما حل وأرتحل وهذا حقيقي فقديما وحديثاً تعرف الشعراء بقصائدهم وتعرف القصائد بمن صاغها وبناها فلا شيء يفرق بين الشاعر وقصيدته متي نشرت ففاح أريجها بين من تنفسها واشتم ريحها لا يفرط بها الشاعر أمد الدهر متي باح بها واعدها أعداد جيد.
النقد:
النقد نوعان بناء وهدام فالأول يبني ويشيد والثاني يهدم ولكننا نتعرض هنا للنقد الذي يبني ويشيد وأري شاعر فذ أستطاع أن يبني قصيدة في سلاسة ويسر من أبسط المعاني ربما مال فيه الشاعر إلي الوصف الممزوج بغرض الفخر وهو نوع تناولته الشعراء قديماً بصورة وافره حيث كانت القصيدة تبني على عدة أغراض منها الفخر والحماسة والبكاء على الاطلال والغزل، وهنا نري الشاعر يتغزل أيضا في بناء القصيدة فهي نوع من السحر الذي يخطف الالباب فنري الصور المعبرة عن غرض الشاعر حين صور السحر أنسان يمشي على قدمية يحمل مصباح ليضيء الظلام في صدر القصيدة عندما شبهه تشبيه كامل في قوله كأنه قمر فحذف المشبه في عجز البيت ولكن كأنما رأي القمر نوره تام فعاود بقوله أو يشبه القمرا وذلك نفي للصورة في قولا واحد مما يضعف من قوتها وجمالها ثم أنه عاود في صدر البيت الثاني بتشبيه ذلك السحر بفارس غازي يحارب في هوجاء الظلام ليشرق النور من جديد ولكنه استخدم لفظة مزهواً والزهو هو الخيلاء والتعالي ولكنه فارس على حصان القصيدة أشرق له ليلها في كبرياء المعاني.
ــ تعد القصيدة رسالة عامة للشعراء وكتاب الشعر إلي الضلوع في نظم ما
تجود به قرائحهم وإبداعاتهم كون القصيد الخالية من الموضوع
والمحسنات البديعية تعد ركيكة الهوية لا تطرب أذن السامع ولا تضيف
جديد للموضوعات الشعرية فهي ناقصة البناء لذا ينصح الشاعر أقرانه
بالتجويد والتحسين وان يكون الشخص مبدع في نظم القصيدة.
ــ تتضمن القصيد العديد من المحسنات البديعية كالتشبيه والكناية والاستعارات المكنية كما إنها تتمتع بموسيقي رنانة تتجلي في بعض المفردات مثل أثمرت وأبهرت ومثل سرى وتفجرت والتي تعطي صورة حسية للحركة التي تملئ أرجاء القصيدة من أرض وسماء وجمراً وشرر وحركة الغزاة التي تضئ أرجاء الظلام على رغم التضاد بين من يغزو ويحرر الأرض ولربما لم يوفق الشاعر في هذه المفردة كون الغزاة يطفأن نور العلم ومقاصد الشعراء ولربما سبقت في رأس التفجير قبل الاثمار فالفكرة تتكون اولا كفتيل مشتعل ينتج عنه اثمار جزيل وهو روح القصيدة التي يصوغ بنائها الشاعر ولكن الشاعر هنا بدل الادوار ثم تتقارب المعاني في مقصود الشاعر ليأتي بأبيات تكاد أن تكون متشابهة عندما يقول قصيدتي غيمة في الجو سابحة فهي تتشابه مع صدر القصيدة في قوله طيف من السحر في ليل القصيد سري
فالحركة واحدة إذا كانت سير غيمة أو طيف خيال جال في خلد الشاعر والمراد هو ذاته القصيدة، كذلك أري أن القصيدة تزهر بمجر صياغتها والا تنتظر حرارة الصيف حتي تلهب وتأتي ثمارها فالسحر الذي يتحدث عنه الشاعر يتناف مع الانتظار فالسحر وقتي يبرق كالنجوم ليضيء مرة واحدة يخطف الانظار ويحول مجرى الاحداث بينما الانتظار يكون لإكمال واتمام العمل الذي لم يكتمل بعد ويحتاج للوقت الكافي.
ــ لكن القصيدة في مجملها تحمل من المعني الكثير وتوجه نحو أفعال الشعراء في البناء الشعري الذي يجب أن يبني على أحساس عميق تلتفه المعاني الشعورية التي تظهر في ثقافة الشاعر يتناولها بعمق ودراية وأن يستخدم ادواته التعبيرية مستعين في ذلك بعلوم اللغة، علم البيان والبديع والمعاني والعروض بحسن من لغته حتي يخرج القصيدة كأتم ما يكون.
وإليكم قصيدة (سحر القصيدة)
طيفٌ من السِّحر في ليل القصيد سرى
كأنه قمرٌ أو يشبه القمرا
وامتدَّ حتى غزا الظلماءَ يكشفها
فأشرق الليلُ مزهوَّاً بمن عبرا
تناثرت كلماتٌ عبر أخيلةٍ
فشكَّلت عندما سحرٌ طغى صورا
أوقدتُ عاطفتي جمراً لقافيتي
ورحتُ من وحيها أستلهمُ الفِكرا
فأثمرتْ أنجماً وضَّاءةً سحرتْ
وأبهرتْ كلَّ من في وجهها نظرا
لمَّا سرى السحرُ في أرجاء عاطفتي
تفجَّرتْ من فتيلٍ أحدَثَ الشررا
وامتدَّ حتى غزا كلِّي وشتَّتني
كأنني لم أكن أستشعر الخطرا
شيءٌ من السحر لا أدري له سبباً
وكيف في البال من وحيٍ أتى خطرا
***************
قصيدتي غيمةٌ في الجوِّ سابحةٌ
تحوَّلتْ عندما برقٌ أتى مطرا
روَّت قلوباً بماءٍ من سناً وسمتْ
بها فأزهر نَيسانٌ إذ انهمرا
وأينعتْ حين جاء الصيف يلهبها
فأصبحتْ في زُهوٍّ تطرح الثمرا
قصيدتي بنتُ أحلامي وعاطفتي
تجتاحني مثل فعلٍ يشبه القدرا
تروح بي ثمَّ تغدو وهي تحملني
لعالمٍ من مشى في ركبه سحرا
وكلُّ من جاءه يسعى على قدمٍ
لكي يرى صوراً من سحره أسرا
قصيدتي مثلُ ظلِّي لا تفارقني
عطرٌ يسير معي أنَّى انتشى انتشرا
إذا أبوح بها ترقى بسامعها
كأنها من جمالٍ تنثر الدررا
دراسة نقدية للناقد والأديب: احمد عزيز الدين احمد، عضو اتحاد كتاب مصر