الذات والآخر (الإخوة)
نهلة ناصف
قال الله تعالى في سورة يوسف الآية ٦: (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين)
كثيرًا ما نجلس مع أنفسنا ونتساءل: لماذا فعل أخي هذا بي؟ أو لماذا يعاملني أخواتي بهذه الطريقة؟ ونحن دائمًا نعاملهم باللطف ونكون معهم داعمين، حتى لو تخلى الجميع عنهم، ولكن دعونا نتذكر بداية الزمان، عندما قتل قابيل أخاه هابيل، لماذا؟ هل فعل هابيل شيئًا له؟ هل ارتكب حقًا معصية ضده؟ هل كان حبه لأبيه أكبر من حبه له؟ لا، كل هذا كان بسبب الحقد والكراهية التي كان يحملها في قلبه تجاه أخيه، تمامًا كما فعل أخوة يوسف. فهل كان هذا الصغير يسبب ضررًا لأخواته؟ هل كان يفهم معنى تفرقة الأب في المعاملة؟ لا، وحتى عندما قرر قابيل قتل أخيه، قال له: (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني، ما أنا بباسط يدي لأقتلك) سورة المائدة الآية ٢٧.
هل شعر بالرأفة تجاه أخيه؟ هل أثرت فيه مشاعر الحنين والانتماء لأخيه وتساؤل كيف يفعل ذلك بشخصٍ ينتمي لنفس العائلة؟ لا، بل أصر على تنفيذ ما كان ينوي فعله، تمامًا كما فعل أخوة يوسف الذي كان صغيرًا وضعيفًا، لم يكن قادرًا على الدفاع عن نفسه أو الفرار منهم، بل تعرض للكراهية والعداء وقتل بدمٍ بارد. وهنا يكمن مفهوم الآية الكريمة (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) سورة الشمس من الآية ١٠:٦
لم يرتكب كلاً من هابيل ويوسف أي ظلم أو ضرر لأخوتهم، إذ كانوا أولاد أنبياء صالحين. ولكن يتضح من خلال هذه القصص أن الإنسان هو المسؤول الأول عن نجاحه أو فشله، وأن سلوك الإنسان يتحكم به ما بداخله من حسد أو حقد. ولهذا السبب ذكر الله في الآية الكريمة: (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين) سورة يوسف، الآية ٧:٦
فإذا واجهت صعوبات مع أخوتك، فلا تحزن، فكان نبي الله يوسف يعاني من مشاكل مع إخوته ولكنهم أجمعوا علي كرهه لم تكن وحدك في هذه المحنة ولكن أراد الله أن يعلمنا أيضآ أن الاخ أخ وسيظل سندا حينما قال لموسي عليه السلام ( سنشد عضدك بأخيك) سورة القصص من الآية ٣٥:٣٤
لكي نتجسد بهذا المثل ونكون سندًا وعونًا لبعضنا البعض، يجب علينا أن لا نكون مثل أخوة يوسف ولا قابيل. وفي المرات القادمة، يجب علينا أن نفهم النفس واختياراتها إذا أردنا أن نكون من الصالحين وأن نختار أن نكون سندًا وعونًا مثل هارون. بينما إذا اخترنا الفساد في الأرض، فنكون مثل أخوة يوسف وقابيل. ولا يقتصر هذا على الأشقاء الذين يحملون نفس الدم، بل جميعنا إخوة في الله، ويجب علينا أن لا نحمل حقدًا أو حسدًا أو غيرةً تجاه بعضنا البعض. فقد حرم الله الجنة على الحاسد والحاقد، وجميع هذه الخيارات تعود إلى نفوسنا، وعلينا أن نحسن أنفسنا ونصبح أفضل منها. إذا وجدنا من إخوتنا من يحمل لنا الكراهية، فلا نحزن ونتذكر قصة يوسف مع أخواته وقابيل حينما غدروا به أخوه. وعلينا أن نصلح ما بيننا وبين الله حتى يصلح ما بيننا وبين الناس، كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) سورة البقرة، الآية ٢٣٥.
أعاذنا الله وإياكم من الحقد والحسد فهو كالنار تأكل في صدورنا مثلما تأكل النار في غصون الشجر.