الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في توجيه الناس إلى معالم الدين
عبدالكريم فتاحح إمين الأشعري (مدرس جامعة الحلبجة، كلية نريية الشهزور، قسم تنمية الانسانية)
قد علمنا ٲن الأنبياء والرسل- عليهم الصلاة والسلام- لا يستخدمون السخرية والاستهزاء قاطبة حينما يؤدون وظيفتهم الدعوية ولا يرى منهم الأسلوب غير اللائق بهم بل جنابهم العالي في صدد معالجة المشاكل التي بثت في أوساط المجتمع تكاد ان تقلعهم في الجذور وتهلكهم سواء كانت المشكلة متعلقة بالايمان أو بالاخلاق او القتل والزنا او الظلم والاستبداد ، ويكرهون حتى المزاح المشروع فضلا عن غير المشروع وما قلنا مؤخوذ من الآي الآتية :
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)
وبعد التبرء مما نسبوه ٳليه من السخرية والاستفزاز بهم شرح ما طلبوه بصراحة بعيدا من المماطلة والمجاملة والمداهنة :
﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)البقرة
دوما يعيشون في الخوف من الله تعالی وينسون مصالح ٲنفسهم ، فالمصلحة الحقيقية عندهم ٳرضاء الله سبحانه وجرّ الناس ٳلی المعرفة بالله وصفاته الذاتية والثبوتية والمعنوية ، ويعلمون الناس ٲن الله تعالی هو المرجع والمصدر لكل ما يريده الانسان ويجعله نصرا لنفسهه :
﴿وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ۚ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) الهود
لا يخافون لومة اللائمين ولا هجو الماجمين ولا شتم الشاتمين لانهم يعيشون في ظل الله ورعايته اللامتناهية .
قال تعالى حول اخلاص نوح- عليه الصلاة والسلام- بعد تمرد قومه الضالين : (( كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) الشعراء
وقال تعالى حول اخلاص الهود- عليه السلام : (( كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) الشعراء
وقال ٲيضا حول اخلاص صالح – عليه السلام : [ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143)الشعراء
وقال تعالى تجاه اخلاص لوط- عليه السلام : (( كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161)إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162)الشعراء
وقال ايضا تجاه اخلاص شعيب – عليه السلام بعدما كذبه قومه : (( كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178)الشعراء
فالانبياء – عليهم السلام- يتصفون برجاحة العقل والرأي ولا يوجد في أمتهم من فوقهم من حيثية الصفات المحمودة والوجدانية والامانة : (( وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18)الدخان
ولذا وصفهم الكافرون المبطلون بالسحر والدجل والشعوذة والتنجيم لانهم يعلمون ان الناس لا يصدقونهم في وصفهم بالجهل والخبل :
﴿أَفَسِحْرٌ هَٰذَآ أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (الطور – 15]
وفي بعض الاحايين ينسبونهم إلى الجنون بادعاء أن الجن يلهيهم ويلهمهم ولكن هذا الادعاء أيضا لا يفعل لهم شيئا ولا يغير من الأمر شيئا :
﴿ كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52]
بَيْدَ مرجع الأمر عندهم رضا الله تعالی فقط ولا يدافع عمن دخل في دائرة غضب الله وسخطه ولا يشفع لهم :
((عن سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنا فَرَطُكُمْ علَى الحَوْضِ، فمَن ورَدَهُ شَرِبَ منه، ومَن شَرِبَ منه لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أبَدًا، لَيَرِدُ عَلَيَّ أقْوامٌ أعْرِفُهُمْ ويَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحالُ بَيْنِي وبيْنَهُمْ. قالَ أبو حازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمانُ بنُ أبِي عَيَّاشٍ وأنا أُحَدِّثُهُمْ هذا، فقالَ: هَكَذا سَمِعْتَ سَهْلًا؟ فَقُلتُ: نَعَمْ، قالَ: وأنا أشْهَدُ علَى أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فيه قالَ: إنَّهُمْ مِنِّي، فيُقالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فأقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَن بَدَّلَ بَعْدِي. | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
كيف يأخذهم المزاح والسخرية ويجتلهم الابتزاز حينما هم الدليل الوحيد والسراج المنير إلى الله تعالى : (( عن أبي الدرداء ، رضي الله عنه ، عن النبي صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرًا ولضحكتم قليلا ، ولخرجتم تجأرون لا تدرون تنجون أو لا تنجون)) رواه عَبد بن حُمَيد والبزار والحاكم وقال : صحيح الإسناد.