فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله

النساء هن عنصر مهم في تحقيق تماسك المجتمع والأسرة. النساء هن اللواتي يصورن الأوساط الثقافية والعلمية، وهن اللواتي يلعبن دورًا قياديًا في تعزيز وازدهار المجتمع بشكل كبير. إذا ساهم كل فرد في بناء نظام أسري فعّال، يمكننا تحقيق المجتمع المثالي فورًا.

الإسلام يتخذ في النساء وجهة وموقفًا مثاليًا غريبًا يختلف عن سائر الأديان وجميع الثقافات، وينتهك كل الآراء والأهداف التي كانت ترى النساء محض متاع لقضاء الحاجات والشهوات ليس غير. ولكن الإسلام بذل قصارى جهده لترقية النساء وتنميتهن الذاتية والمعنوية، وحققها إلى الغاية. حيث وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة بأنها أساس المجتمع ومدارها، وأخلاقهن المعنوية وسلوكهن المكلل بالشعور الديني هو ثروة وإضافة للجيل القادم المنتشر. كما سمعنا عن جهودها وقصصها الملحمية والتفاني العميق في تنشئة وتربية أبنائهن عند غياب الآباء والرجال.

يا للعجب والفخار، عندما نسمع أنه كانت هناك زمرة من النسوة العالمات الراسخات في العلوم الدينية، المبدعات في الآراء والمواقف، واللواتي يضحين بحياتهن لتشكيل النظام الاجتماعي وتنمية غيرهن لا لأنفسهن. أما سمعت الاقتباس المشهور “وراء كل فوز ونجاح يد امرأة”؟ صفحات التاريخ تعلمنا أن هناك نسوة ماهرات وعبقريات في مختلف العلوم والشعور، كن مستندات ومعتمدات في الفقه، والحديث، والتفسير، خاصة في الإفتاء. هذا كله يجعلنا نحرص على معرفة المزيد عنهن. إنما يبحث هنا عن المساهمة والمكانة المميزة التي حصلت عليها النساء وأدوارهن في الشريعة الإسلامية، وأدوار القرآن والحديث في تغيير وجهة المجتمع نحو النساء، بدعوة النساء إلى الشريعة مباشرة، مما يجبر القرآن الرجال على قبولهن كذوات وجودية معنوية.

نبذة من تاريخ النساء الذهبية

“ما عرفت أكثر علماً في الطب والشعر من عائشة رضي الله عنها”. هذه الكلمات قالها الزبير رضي الله عنه، أعظم شخصية شهدها العالم في مجال العلوم والأخلاق، وصاحبة رأي ناضج. إن كانت العلوم زينة لزوج النبي فهي لنساء المسلمات زينة وتفاخر. عائشة الصديقة، خير نصف النبي، ومع ذلك كانت خزانة العلوم الدينية والشريعة الإسلامية، وهي ثاني أكبر شخصية في رواية الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي يبلغ عددها 2210، منها 197 حديثاً رواه البخاري في كتابه الشريف. وجميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كنَّ عالمات، ليس بأميات في القرآن والحديث والعلوم والشعر وعلم النسب، حتى اشتاق الصحابة كلهم أن يرووا الأحاديث عنهن بسبب هذه العبقرية الظاهرة الفذة.

هناك أمثلة أخرى مثل حفصة رضي الله عنها التي كانت تحسن الكتابة والقراءة، وكذلك زيب النساء بنت أورنكزيب المغولية التي تبحرت في العلوم وحفظت القرآن من مريم أم عناية الله الكشميري وغيرها من العالمات الحاذقات، حتى استأهلن للإفتاء من وراء الحجاب في القصور عند العلماء المشهورين. وكذلك زبيدة زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد التي كانت لها ١٠٠ جارية صغيرة حافظات للقرآن. ويقال إنه كان للشيخ جوزي ثالث أستاذة ماهرة من النساء، وكان لصاحب “تاريخ دمشق” ابن عساكر ثمانون أستاذة من النساء العبقريات، وكذلك أمهات الأئمة الأربعة، وبنت أبو بكر السمرقندي وخنساء، وأسماء رضي الله عنها. وكذلك هناك العديد من النساء الحاذقات اللاتي قضين حياتهن بالتعلم والتعليم.

عالمات كيرالا

ولا تنسوا عالمات كيرالا التي نوّرن أوساط المجتمع بعمق مهاراتهن في العلوم والفنون، واحد منهن أم عائشة التي درست كتاب “العمدة” و “نور الأبصار” في أوساط بلدتها، وهي أم شيخ الحديث حسن حضرت في كلية الباقيات الصالحات، وعالمة فقيهة بنت كتيامو مولوي وزوج عبد الرحمن مولوي التى كانت تدرس كتاب فتح المعين لنسوة في بلدها وكذلك إلى غير نهاية.

فاطمة الفهري

فاطمة الفهري مشهورة في التاريخ بثوراتها العلمية. “فاطمة الفهري” هي أول من بنى الجامعة في العالم، وقد تميزت بشرف خطة البناء. يقال إنها صامت حتى اكتمل عمل البناء، ودخلت المسجد عند تمام بنائه وسجدت لله سجدة شكر. وسميت الجامعة بـ “القرويين” تذكارًا للاجئين من القيروان. وقد تخرج منها العديد من المشاهير وملحمة الآفاق منهم العرب والعجم والبربر.

شيخة مريم عامر أداء دعوة مكللة بآيات قرآنية

مريم عامر عالمة شابة وكاتبة وقارئة وحافظة مشهورة في مجال الدعوة، وقد كللت نفسها بالحديث الشريف “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”. هي صاحبة تطبيق “قارئة”، ولعبت دورًا قياديًا بخطبها وكتاباتها في دحض الشبهات الغربية حول الشريعة الإسلامية وثقافتها. وقد أعدت سلسلة مضامين تحث على تعلم القرآن وتعليمه على مستوى العالم.

شيخة صفية شاهد

عالمة شابة مشهورة مثلت ثقافة النساء الراسخة، ولعبت دورًا مهمًا في تعليم النساء حتى حصلت على جائزة “بسكا” الممنوحة لأفضل مساهمة في مجال تقوية النساء. وهي مشهورة بمشاركتها الفعّالة في عملية الدعوة وتدريسها للأستاذات والمدرسات. ومن بين مساهماتها “كلية النساء المسلمات” التي أسستها في برمنغهام مع شيخها “محمد يعقوب”، وتهدف إلى تنمية عالمات متبحرات في الثقافة الإسلامية والدنيوية. ومن بين الشخصيات المشهورة “الدكتورة نادية إمارة”، “رفيدة حبش”، “رانيا أواد”، و”لينا همسي”. هؤلاء النساء هن أمثلة مشرقة للعالمات اللاتي أنرن مجال العمل النسوي باستخدام جميع الوسائل التقنية والدعوية المتوفرة.

نطاق دعوة النساء

إنما نبحث هنا النطاق الذي يمنحه الإسلام في مجال العمل. ليس هناك شك في هذه القضية، يمكن للمرأة أن تساهم في مجال عملها ضمن حدود المسموح به في الإسلام. هذه هي فسحة ودور لكل عالمة. وعملنا الآن هو أن نحدد المجال بوضوح ودقة. دين الإسلام قد بين الأدوار الجنسية بناءً على حاجاتها في الفرد والمجتمع. وقد منح الإسلام للمسلمة الفرصة بقدر حاجتها كما أعطاها للرجال. ونصف سكان العالم نساء، ولذلك يمكن للنساء العمل في مجتمعهن بقدر ما يمكن للرجال العمل في مجتمعهم، وفرصتهن مسموحة للجميع على حد سواء.

وأول ما يُذكر في كل قضية وموضوع الرجال، مثلاً إذا أخذنا مجال التعليم، فإنّ الرجال كانوا أول من ساهم فيه، ولكن بعدهم تدخلت النساء. وهكذا في كل المجالات، ولذلك غالباً ما يتم تسليط الضوء على النساء باعتبارهن أول من وصلن إلى إنجاز معين، وهذه هي طبيعة العالم. واحدة من القضايا المهمة التي تثير الجدل في العصر الحالي هي “حرية النساء”. لذلك، نطاق عمل النساء واسع للغاية، فنحتاج بالطبع إلى عالمات ومعلمات وقائدات، وهناك حاجة ماسة إلى مساهمات العالمات العبقريات في كل المجالات من الأمم المتحدة إلى منظمات غير حكومية، خاصة في تحقيق مثل هذه الإمكانيات.

يتطلب الأمر إنشاء دواوين لتسجيل التاريخ العلمي للنساء، واعتبار الأسرة التي تضم أمهاتها وأخواتها وبناتها عنصراً أساسياً في تاريخها. وقد تأخر الاعتراف بدور النساء في التشكيل الفكري والتعليمي تحت سلطة الاستعمار البرتغالي. النساء لم يكن دورهن مجرد زينة ثقافية، بل كانوا جزءاً من طموحات الأمة وحرية مواقفهن. الأمهات هن أول معلمات لأبنائهن، وعلى الأسر أن تكون مركزاً ثقافياً ينتج العلماء والعالمات.